زحلف الشجاع هي قصة قديمة للأطفال كنت أقتنيها وأنا طفلة وتقريبا كنت أحفظها من كثرة قراءتها لي من قبل أبي وأمي قبل أن أعرف القراءة، ثم من قراءتي لها بعدئذ.. أما لماذا لا أنسي هذه القصة فلأن لها أبعادا جديدة تتكشف لي كل يوم وتشعرني بعمقها من ناحية، ولأنني أفتقد أمثالها لأبنائنا هذه الأيام من ناحية أخري. وتدور القصة حول مستعمرة البط والتي يعيش فيها البط في أسرات صغيرة بجانب البحيرة.. وفي صباح يوم من الأيام سقطت من فوق الجبل الكائن بجانب مدينة البط بيضة كبيرة الحجم وتدحرجت لتستقر في بيت أسرة البطة - بطلة القصة.. ولما كانت البطة قد وضعت بيضها حديثا وعلي استعداد أن ترقد عليه، فقد قررت أن تضم البيضة التي لا تعرف مصدرها إلي بيضها لترقد علي البيضات جميعها. وبعد بعض الوقت فقست البيضات الواحدة تلو الأخري لتخرج منها بطات صغيرة جميلة، ما عدا البيضة الوافدة فقد خرج منها زحلف!! وكانت البيضة النازلة من فوق الجبل بيضة سلحفاة، وهكذا خرج السلحف الصغير قبيحا بالنسبة للبطات ولا يتحرك بسرعتهم.. أما البطة الأم فقد قررت أن تحتفظ بالطفل المختلف وتعامله كما تعامل أولادها تماما فأعطته اسما وأطعمته واعتنت به رغم اعتراضات وتلميحات الأمهات الجارات واللواتي رأين في (زحلف) طفلا قبيحا لأنه مختلف ومن الأفضل نبذه. ولما جاء وقت الدرس الأول للسباحة، أخذت الأمهات من البط أولادهن في طوابير تتبع الأمهات ومشين متباهيات بالبطات الصغيرات.. ولم تكن البطة البطلة أقل منهن افتخارا بأبنائها جميعا فخرجت بهم في طرق المدينة ليذهبوا إلي البحيرة ولتعلمهم جميعا السباحة بما فيهم زحلف.. وفي الطريق وأثناء الدرس سمع زحلف تعليقات البطات الكبيرة والصغيرة علي قبحه وغرابته فكانت أمه تشجعه علي التركيز في الدرس وتجاهل هذا الكلام. ثم جاءت اللحظة الحاسمة عندما صرخت إحدي البطات الصغيرات بأنها تغرق، ولما كانت البطة الصغيرة قد ابتعدت كثيرا عن الشاطئ ودخلت في منطقة عميقة وخطيرة من البحيرة لم تستطع البطات الكبيرات من الوصول لها وإنقاذها.. وهنا اندفع زحلف الذي مكنته طبيعته من الدخول لإنقاذ البطة وعاد حاملا إياها فوق ظهره الصلب ليهتف له البط كله ويصبح بطل مدينة البط هو زحلف الشجاع. انتهت القصة ولكن معانيها لا تنتهي من ذاكرتي أبدا.. ففيها دروس عميقة مقدمة بصورة بسيطة رائعة.. قبول المختلف الذي وُجد علي ارض مدينة البط.. الأم صاحبة قرار التبني وشجاعتها في قبول البيضة الغريبة، ثم قبولها لشكل السلحف ومحبتها له.. ظهور التميز في الشخصية المرفوضة ومهما كان شكله الأقل جمالا لون مختلف، وجنس مختلف أو حركته البطيئة إعاقة ما أو عدم انتمائه الطبيعي لتلك الأسرة من البط مجهول النسب، أو يتيم فقد ظهر تميزه في موقف ما أدي إلي قبوله في المجتمع. أتمني أن نعيد اكتشاف قصصنا القديمة ونعيد طباعتها ونشرها ونزيد من أمثالها وبخاصة تلك التي تحمل معاني راقية تشرح مفاهيم المواطنة الحقيقية للكبار قبل الصغار.