شهد مسرح متحف النوبة الاحتفال بختام الدورة الخامسة عشرة من سمبوزيوم النحت الدولي، بعروض فنية تقدم مختلف فئات الشعب المصري، من النوبة والصعيد وبحري، أخرجها انتصار عبدالفتاح وألقي كلمة الافتتاح الفنان أدم حنين قوميسير السمبوزيوم شكر فيها كل من أسهم ولايزال يسهم في انجاح هذا الملتقي. جاءت هذه الدورة مختلفة وذات طعم خاص نتيجة الاختلاف الواضح في الرؤي الفنية للفنانين المشاركين مما يجعلك تقف عند كل عمل نحتي لتسمع قصته ليبوح لك بأسراره الكامنة التي اكتسبها من مبدعه. من أكثر الأعمال التي لفتت نظر الحاضرين عمل الفنان الجورجي جون جوجابير شفيللي "الحصان الحجري"، وهو عمل صرحي ضخم، وصل ارتفاعه إلي 6.8 متر، يتكون من أربع قطع جرانيتية مختلفة الألوان وهي الرمادي والزهري والأسود. يشارك جون جوجابير شفيللي لأول مرة بالسمبوزيوم الذي تعرف عليه من خلال النحات أحمد قرعلي، أثناء مقابلتهما في سمبوزيوم النحت بأمريكا، وتحمس جدا لزيارة مصر والمشاركة به، لعشقه للحضارة المصرية القديمة والنحت المصري القديم، الذي يري أن السمبوزيوم مدته كافية جدا (شهر ونصف الشهر)، بالإضافة لتوفير الخامات المطلوبة والإقامة، كذلك مساعدة العمال المصريين الذين يراهم يعملون بالأسلوب المصري القديم. الماء وما به من قوة وعطاء واندفاع هذا هو المحرك الرئيسي والمثير للفنان الياباني يوشين أوجاتا، يؤمن أوجاتا بقوة الماء الذي أنقذه، في صغره، هو وعائلته من حريق ضخم، كما أنه عمل صيادا فترة طويلة، فكان مصدر الغذاء له، لهذا كل أعماله تقوم علي فكرة الماء ومعناه، فاستطاع أن يحقق إحساس تدفق الماء وتأثيره علي الجرانيت، واهتم بتنوع السطح ما بين الملمس الناعم والخشن والغائر والبارز، وعن زيارته لمصر يقول: إنها المرة الثالثة في مصر، ولكنه يشارك بالسمبوزيوم لأول مرة، والسبب في ذلك أنه كان يريد أن يتعرف أكثر علي الطبيعة والحضارة المصرية، ويقول أيضا أنه انبهر بطبيعة المناخ في أسوان، وكذلك التضاد في طبيعتها ما بين الطبيعة الصخرية الصلبة والخشنة التي تعبر عن الموات، والطبيعة المائية الناعمة المانحة للحياة، مما حقق له الإحساس بالدهشة والتشويق، يري النحات الياباني يوشين أوجاتا أن الفنان المصري هو نحات بالفطرة، وبالميراث عن أجداده، لذلك فهو سعيد بالمستوي الذي رآه من النحاتين الشباب، ويري أنه من الطبيعي أن يكونوا مبدعين. أما عمل النحاتة المجرية بياتا روستاس، فصورت فيه انطباعاتها عن المصريين الذين تعاملت معهم، وعن الطبيعة المصرية التي تبدو كأنها خدوش علي جدار الزمن، كل هذا حاولت تلخيصه علي كتلة جرانيتية علي شكل طائر رابض علي الأرض يقف في ثبات وثقة وكأنه هو وثيقة التاريخ، والحقيقة أن بياتا ليست نحاتة فقط، بل فنانة متعددة المواهب، فلقد شاركت بالرقص والغناء مع الفرقة في حفل الختام مرتدية الملابس الشعبية من شدة إعجابها الشديد بالفلكلور المصري. من الفنانين المصريين الذين شاركوا بالمهرجان الفنان المعماري أكرم المجدوب المهتم بفن الأرض أو الفن البيئي، وهو يعتمد علي عدم الانفصال عن الطبيعة الأم، واختار المجدوب المتحف المفتوح ليكون هو المحتضن لعمله المركب الذي تصل مساحته إلي 60 مترا مربعا، مستخدما فيه عددا من التماثيل الصغيرة لفنانين آخرين، حيث اختار الزجاج والخشب في بناء حوائط يغطي بها جزءا من فراغ المتحف كشكل جمالي للمتحف. أمير الليثي نحات شاب ذو فكر خاص، عاشق للطبيعة ومنبهر بقوتها لذلك دائما ما يهتم بالاستفادة من كل العوامل الطبيعية المحيطة، فجاءت فكرته مبنية علي متناقضات النفس البشرية والمشاعر المتباينة، واستغل في عمله النحتي عددا من الكتل الهندسية المتنوعة، ومزجها معا لتعبر عن تشابك المشاعر النفسية وتفاعلها معا، أيضا استغل ضوء الشمس وسقوطه علي العمل لتكون الظلال بدورها حلولا أخري هندسية تعبر عن انعكاسات هذه المشاعر علي الشكل الخارجي أو الجسد. محمد عباس من الفنانين الشباب المشاركين بالسمبوزيوم لأول مرة هذا العام، يعد ذلك خطوة مهمة بحياته نحاتاً، دأب علي زيارة السمبوزيوم في دوراته السابقة، لكن مشاركته هذا العام تمثل له قيمة كبيرة، فالدراسة هي مشروع إعداد نحات ولكنها قاصرة، لأنها لن تستطيع توفير خامات بهذا الحجم ولن تعطي هذه المساحة الزمنية الكافية، كما أنها لن توفر له الاحتكاك بهذا الكم من الثقافات والتقنيات المختلفة، ولأن الجرانيت خامةً هو خامة صعبة جدا وتستلزم معدات كثيرة، من أكثر الخامات التي تعامل معها كانت خامة البوليستر أو اللدائن عموما، وهو سعيد بالمشاركة في هذه الدورة لأنه اكتشف كيف يكون شكل عمله في خامة الجرانيت، واقترب أكثر من هذه الخامة الصعبة، ومثلت له إضافة في الأفكار والرؤي والحلول المختلفة نتيجة اختلاف وخصوصية هذه الخامة عن الخامات الأخري. محمد اللبان أيضا من شباب النحاتين مجتهد جدا ومخلص لخامة الحجر، ودائما ما يبحث فيها ويستلهم من طاقتها الكثير ويمزج معها خامات أخري كالحديد وكأنها في حالة من التحدي لصلابة المعادن والخامات الأخري، محمد يحاول أن يفر وينطلق بقوة الصاروخ ليتحرر من طغيان هذه الخامة العنيدة، ولقد منحها عددا من الحلول الهندسية المنحوتة بالكتلة الواحدة التي تحاول منح الكتلة بطاقة الحركة الدافعة لها نحو التحرر والصعود مخترقة المجال المحيط في رشاقة ونعومة. لم تكن هذه هي كل الأعمال ولا كل الفنانين فلا يزال هناك الفنان المشارك أحمد عبد الفتاح بالورشة والفنان هاني السيد والفنانة زينب سلامة، والصينية زهاو لي، والألماني رولاند ماير، والفرنسي نيكولاي فلايسيج، والكندي ميشيل سبروجيه، ويجب ألا نغفل الجنود المجهولة من صندوق التنمية الثقافية، ودعم محافظة أسوان للسمبوزيوم بالقطع الجرانيتية.