بالرغم من ذلك المناخ الطائفي الذي أفرز ومازال يفرز مآسي مثل نجع حمادي. بما يتطلب نضالاً حقيقياً طويلاً. ومع تلك المشاكل التي تتفجر يومياً وتمس المواطن والوطن والتي لا تنتهي بمشكلة البوتاجاز ولا فضيحة نواب العلاج التي كانت آخر الفضائح المخجلة حيث إن الفساد بعد أن كان متدثراً في عباءته أصبح الآن سافراً منتشراً في كل الربوع وعلي ناصية الحواري. ومع ذلك وجدت إلحاحاً لدي أن أكتب في موضوع استقبال البرادعي بعد وصوله إلي القاهرة عصر يوم الجمعة الماضية في إطار تلك الزفة السياسية والإعلامية التي تلخص تلك الحالة المتردية التي نعيشها جميعاً وبلا خجل ودون مواربة.. وبداية فأنا لا علاقة لي بالبرادعي وأقصد هنا ليست العلاقة الشخصية، لأنه شخصية ذات منصب عالمي وأنا من أنا وما علاقتي بالمناصب المحلية حتي تكون لي علاقة بالمناصب الدولية. كما إنني لا أعرفه علي المستوي المعرفي من خلال المتابعة إلا عن طريق تلك الأخبار الخاصة بموقفه في مؤسسة الطاقة النووية سواء كان وكيلاً للمؤسسة أو كان رئيساً. وبصراحة لقناعتي عن طريق أرض الواقع العالمي المعاش الذي تسيطر عليه وتقوده أمريكا لصالح مصالحها ومن معها. قناعتي بأن تلك المؤسسات والمنظمات العالمية وعلي رأسها هيئة الأممالمتحدة تنقاد لأمريكا وتحركها أمريكا. وتؤكد هذا بتلك التقارير الصادرة عن الطاقة النووية عند رئاسة هانز بلكس والتي تؤكد خلو العراق من أي أسلحة دمار شامل ومع هذا كان القرار السياسي وليس الدولي باحتلال بل سحق العراق وتفتيته إلي شراذم طائفية لصالح إسرائيل بالطبع لتسهيل السيطرة علي منطقة الشرق الأوسط. ولا أعلم ما هو الدور الفعال لتقارير البرادعي تجاه المفاعل الإيراني، هل هو لإنتاج السلاح النووي أم للاستعمال السلمي. ولذا تتوقف تلك المعرفة ولا تصل إلي مداها الطبيعي لشخص يقولون إنه ينوي ترشيح نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية عام 2011 . والمعرفة هنا تنتفي لأنني لا أملك معلومة واحدة حول البرادعي كسياسي مصري. فلا علم لي بانتمائه الحزبي أو السياسي ولا أعلم لي بتاريخه النضالي تجاه أي قضية محلية أو إقليمية أو عالمية غير تقاريره المهنية من خلال وظيفته الدولية والتي لا علاقة لها لا بمصر ولا المواطن المصري. ولكن أعلم أنه مصري مولداً وجنسية ولكنه لم يعاشر الشارع ولم يمارس السياسة ولم يقع في مشكلة حياتية ولم يحس بمشكلة جماهيرية ولم يعان مواصلة أو معيشة أو علاجاً يحتاجه، وأعتقد أنه يملك أنابيب بوتاجاز كثيرة في مقره الجديد علي طريق الإسكندرية، ويمكنه أن يأتي بها ممتلئة من النمسا إذا حبكت الأمور. مع العلم أن هذا ليس عيباً في البرادعي علي الاطلاق.. ولكنه عيب النخبة السياسية المصرية المخوخة والتي تقزمت إلي هذا الحد الهزيل المخجل. فعندما تلتف تلك النخبة حول شخص أياً كان هذا الشخص كما تعرفنا عليه. فهذا يعني أن هناك خللاً حقيقياً في الحياة السياسية المصرية فهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي إعلان حقيقي وبالصوت العالي والصورة الديجيتال بموت المعارضة الحزبية وبمواتها وعدم قدرتها علي افراز أشخاص يمكن أن ينافسوا في انتخابات الرئاسة. بما يعني أنها حياة حزبية ديكورية ورقية. كما أن هذا يعني أن تلك النخبة من باقي فصائل المعارضة سواء كانت أحزاباً تحت التأسيس أو ما يسمي بالحركات الاحتجاجية بأنهم مناضلو صالونات لا يعنيهم سوي الظهور الإعلامي، ولا يملكون غير تصريحاتهم الصحفية النظرية التي قزمتهم في الشارع السياسي. والغريب أنهم يقولون إن البرادعي مرشح الرئاسة في الوقت الذي لم يعلن فيه البرادعي حتي الآن ترشيحه بل أعلن أنه لو تم كذا وكذا سيفكر في الترشيح. ما هذه الفضيحة يا سادة ألا تخجلون؟ ألم تعلن كل القوي السياسية منذ ثلاثة عقود بكل مكوناتها أجندات إصلاحية لا تنتهي فمنا الجديد عندما يأتي البرادعي ويكرر كلام وأجندة المعارضة، تلك الأجندة القديمة التي أصبحت تلوكها الألسن دون إدراك؟ فهل تكرار البرادعي لتلك الأجندة سيعطيها نفخة حياة؟ وهل نفخة الحياة البرادعية بترداده تلك الأجندة ستجعل الشارع المصري بكل طبقاته يقفز ويستنفر ويطالب ويناضل ويعمل علي تطبيق تلك الأجندة القديمة؟ وما هي مؤهلات البرادعي وقدرته وخبرته السياسية وتواجده في الشارع ومعرفة الجماهير بتاريخه إذا كان له تاريخ حتي يفعل ويثير الأجندة والجماهير؟ وإذا كان لا يوجد حزب سياسي استطاع ذلك ولا يوجد شخصية مصرية سياسية ضمن تلك النخبة الملتفة حول البرادعي استطاعت ذلك، فما هو الجديد الذي سيحدثه إعلان البرادعي لتبني تلك الأجندة؟ أليس هذا دليل فشل الحياة الحزبية والسياسية والنخبة السياسية أيضًا؟ أليس هذا تشدقا بأسلوب تافه نظري سهل للادعاء بأن الجميع يناضل ويجاهد من أجل الإصلاح، يقولون إنه ذو مكانة دولية. نعم، ولكن ما علاقة المكانة الدولية هنا بمثل هذا الموقع؟ أم تريدون التستر وراء صاحب المكانة الدولية وصولاً إلي دور دولي لعملية الإصلاح؟ وإذا كان كذلك فما الفارق يا سيد حمدين صباحي في هذا وبين دور علاوي وكل علاوي بما حدث بالعراق؟ يقولون أيضًا إنه محترم أي البرادعي، فهل معني هذا أن مصر لا يوجد بها محترمون يا لها من مصيبة؟ أم إن الاحترام لا يوجد إلا مع المواقع الدولية؟ وهنا نقول حتي لا تتداخل الأمور فأنا معارض للنظام وهذا معروف ومعلن، ولسنا مع أي حزب أو جهة، فقد اختلفت مع كل الأحزاب من خلال تجربة حزبية موثقة سواء كان هذا الخلاف لغياب الديمقراطية الحقيقية في تلك الأحزاب أو غير ذلك، وأنا مؤسس لحركة كفاية ولا أريد أن أكشف كثيراً من الأوراق خاصة في إطار موضوع البرادعي بين من يسيرون في ركاب أمريكا والدور الأمريكي وبين من يرفضون ذلك، كما إنني ضد ما يسمي بالتوريث بأي شكل وفي أي مجال أو موقع. كما إنني مع ومن حقنا أن نطالب ونناضل من أجل تعديل المواد الدستورية 76، 77، 88 ، بل مع المطالبة بتغيير الدستور؟ ونحن مع الانتخابات الحرة النزيهة تحت إشراف قضائي، نحن مع حق كل مواطن أيا كان نوعه ودينه في حقه أن يرشح نفسه لأي مواقع بعيدًا عن اللاموضوعية أو بهدف الإعلان والشهرة؟ ولذا فنحن ضد ما يتم وضد تلك الزفة التي تساهم في تسطيح الوعي السياسي وتقلل من قدسية النضال السياسي وتقزم من دور الفعل السياسي، تلك الزفة التي تدعو إلي المظهرية والشكلية والاستسهال، فالجميع مع الإصلاح ولا يوجد مصري وطني يكون ضد الإصلاح والفساد وصل إلي حدود لا تطاق. ولكن الإصلاح والقضاء علي الفساد لن يكون بغير ديمقراطية، والديمقراطية لن تأتي بغير الارتباط بالشعب والإحساس بمشاكله وبتبني قضاياه وتحقيق آماله، حتي نحصل علي ثقة الشعب وبالشعب والقانون يتم الإصلاح والتغيير وليس بالزفة ولا باستيراد الزعماء ولا بتوهم الأدوار يمكن أن يكون تغيير ولا إصلاح بغير النضال ودفع الثمن، فمصر تستحق الكثير والكثير من الدم والنضال وليس بالزفة والإعلام.