في أعقاب المناقشة الساخنة التي جرت في لجنة الصحة بمجلس الشعب، يوم الاثنين، حول إجراءات العلاج علي نفقة الدولة، تسلل أحد الأعضاء المعارضين من نواب مجلس الشعب إلي حيث المجالس الطبية المتخصصة، وسحب 400 طلب قرار علاج تقدم بها من قبل.. بعد أن تبين له أن الفضيحة قد اقتربت. ذلك أن الوزير حاتم الجبلي لوح بأنه سوف يكشف عن القائمة المؤسفة والمؤلمة التي تتضمن أسماء النواب وما يحصلون عليه من قرارات علاج علي نفقة الدولة، يقولون إنها توجه إلي المرضي في دوائرهم.. وبغض النظر عن أن هناك من يحوم من نواب في المعارضة حول مصادر تلك القائمة.. طلبًا لإعلانها واستغلالها سياسيًا.. فإن هذه الأسماء الواردة في القوائم يجب أن تودع لدي رئيسي مجلسي الشعب والشوري.. أو للدقة نتوقع أن يحدث هذا قريبًا. لا توجد مشكلة سياسية يمكن أن تعاني منها الأغلبية حين تكشف تلك الأسماء.. كما قد يظن بعض المعارضين.. الذين يسعون إليها لديهم نقائص أخري وبيوتهم من زجاج.. والقائمة تتوزع ما بين 60% من أسماء نواب الأغلبية و40% من نواب المعارضة.. أي أن المعارضين حصلوا علي قرارات تفوق نسبتهم في مجلس الشعب.. ومعلوماتي أن قيادة حزب الأغلبية تريد فرض ضوابط علي إجراءات الإنفاق حتي لو أدي هذا إلي إغضاب بعض النواب من الأغلبية نفسها.. وقد سمعوا هذا مرارًا في البرلمان خلال اليومين الماضيين. المشكلة ليست سياسية، المشكلة عامة، وتتعلق بضبط الإنفاق، وضمان وصول هذه الأموال الطائلة إلي مستحقيها وليس إلي المتربحين منها، ولا أظن أن أحدًا يقبل من نائب معارض في مجلس الشعب أن يصر علي تحويل قرارات العلاج إلي مستشفي رمد خاص بعينه... والمعني مفهوم من هذا الإصرار.. ولا أريد أن أزيد. دعنا نناقش الأمر بهدوء بعيدًا عن صخب النواب، وننظر في المحصلة الأخيرة لهذه المعركة المفتعلة.. وفي خلاصتها ما يلي: - تخطي الوزير بركان الضغوط، وقد حقق أهدافه المالية والصحية والسياسية من المعركة التي بادر هو إليها، إذ أرسي قاعدة ألا تنفق وزارة الصحة أكثر من 5 ملايين جنيه يوميًا، علي قرارات العلاج علي نفقة الدولة.. ما يعني أن المبلغ الذي سيوجه إلي هذا الهدف لن يزيد سنويًا علي حدود المليار و800 مليون جنيه.. وكان قد تخطي من الاثنين مليار إلي الثلاثة مليارات وكان في طريقه إلي المليارات الخمسة.. هذا التوفير سوف يوجه بالتأكيد إلي مصالح أخري.. منها علي الأقل تطوير المستشفيات وربما تمويل بنود في نظام التأمين الصحي الجديد.. حيث سوف تتحمل الدولة دفع الاشتراكات نيابة عن الفقراء. - مبدآن مهمان تم إقرارهما وسط الصخب.. الأول: هو أن تكون هناك أولوية لقرارات العلاج التي تخص الفشل الكلوي وجراحات القلب وأمراض الضغط المزمنة والسرطان والاحتياج إلي الإنترفيرون.. وبعدها توجه بقية الخمسة ملايين إلي علاج أمراض أخري.. والثاني هو أن يكون إصدار قرارات العلاج علي نفقة الدولة لا مركزيًا.. أي تخصص مبالغ سنوية لكل محافظة وفق معدلاتها واحتياجاتها.. لا يمكن لها أن تتخطاها إلا في الحالات القصوي والضرورية. - قد يندهش النواب الذين يتحدثون باسم الناس حين يكتشفون أن الرأي العام لم يكن يقف إلي جانبهم في هذه المعركة التي خاضوها ضد انضباط إجراءات العلاج.. إذ لدي الناخبين إحساس صادق بمن يستفيد من هذه الفجوة الكبيرة في جدار الميزانية العامة.. لاسيما حين يوقنون أن كثيرًا من قرارات العلاج التي يتحدث عنها النواب لا تصل إليهم.. وإنما إلي مستشفيات متربحة. الأمر، خلال الصخب المنصرم، كانت له زاوية أخري، إذ تم إقحام تكاليف علاج الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية والتي قالت تقارير إنها بلغت مليون جنيه، لعل هذا يدفع الرأي العام للتعاطف وسط الجدل مع ما يثيره النواب حول قرارات العلاج.. كما لو أن المواطن سوف يتعاطف مع مواقفهم.. ويضرم نارا في الحكومة لأنها تعالج وزيرًا بهذا المبلغ. لا أعتقد أنه من اللائق أبدًا الاستخدام السياسي للمرض في الصراعات السياسية والتسريبات الصحفية، فالمرض يطال أي شخص، أيًا ما كان موقعه، والنواب بعد الشر عنهم يمكن أن يمرضوا ويحتاجوا إلي قرارات علاج علي نفقة الدولة بتكلفة مثيلة.. كفي اللَّه الجميع، ونحن، شر المرض ومتع الجميع بالصحة. لم يكن الوزير يجري جراحة تجميل، أو زرع شعر، أو شفط دهون مثلاً، بهذه الأموال، في الولاياتالمتحدة، وإنما كان يعالج عينيه.. وقد سألت الوزير نفسه عن حالته في يوم 24 يناير الماضي وبعد العودة من رحلة العلاج.. فقال ما لم أشأ أن أنشره وقتها لأني بالفعل كنت أسأل مطمئنا علي صحته.. وفهمت وقتها أن سبب حالته التي تؤدي إلي مشاكل في الشبكية هو الضغوط النفسية والعصبية التي يتعرض لها.. وأن لكل منا كبشر طريقة جسمانية في إظهار أمراض تنتج عن الضغوط.. هذا يصاب بالسكري.. وذاك يأتيه ضغط.. ولا شك أن الدكتور يوسف بطرس كان من بين أكثر الشخصيات العامة تعرضا للضغوط وحملات الاستهداف التي صمد أمامها بالابتسام. إننا نتمني للوزير الشفاء. ونحيي موقف الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء ورئيس لجنة الصحة في مجلس الشعب الذي قال: إن ما تعرض له الوزير هو إصابة عمل.. ومعه كل الحق.. كما نشير إلي أن هناك نظامًا دقيقًا لعلاج الوزراء السابقين والحاليين والمحافظين الحاليين والسابقين علي نفقة الدولة.. وهذا أقل ما يستحقون.. ولا يمكن أن يكون الاختلاف السياسي والمواقف المناوئة والمعارضة مبررًا للمطالبة بحجب العلاج المستحق عن مريض ما.. أيًا ما كان اسمه وموقعه. ليس هذا وقت الحديث عن أمثلة دفعت فيها الدولة أموالاً طائلة لعلاج مواطنين عاديين في الخارج، وخلال حملتي علي سماسرة زراعة الكبد في الصين قبل سنتين كنت أفهم أن الدولة تدفع لبعض أساتذة الجامعات نحو 80 ألف دولار إسهامًا في الجراحة، أي قرابة نصف مليون جنيه، بخلاف ما تدفعه الجامعات، وقبل فترة قصيرة عولج طفل قطعت كفاه بسبب اقترابه من مصدر كهربائي، هائل بأن سافر إلي الولاياتالمتحدة حيث زرعتا من جديد بمبلغ مهول.. والأمثلة كثيرة. إن علي النواب وهم يتبنون دعاية الدفاع عن صحة الناس، ويحاولون إقناعنا بأنه لا توجد لديهم مصالح شخصية في هذا الصخب المفتعل ذي الأهداف الخاصة، أن يتوقفوا عن الاستخدام السياسي للمرض، وألا يقدموا أنفسهم للرأي العام علي أنهم يمكن أن يقبلوا تجاوز القانون لتلبية رغباتهم.. وممارسة الشراسة الإنسانية والمتاجرة بأمراض الآخرين وهم يصارعون لكي يحافظوا علي مكاسب غير إنسانية للأسف. [email protected] www.abkamal.net