لا خيار آخر أمام اللبنانيين سوي النزول إلي ساحة الحرية يوم الرابع عشر من فبراير الجاري وذلك لتأكيد أن ثورة الأرز ستنتصر وأن كل ما يقال عن وجود حالة من الإحباط في صفوف الشعب اللبناني ليس صحيحا. الذين يعانون من الإحباط هم الذين اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأولئك الذين سعوا إلي تغطية الجريمة، كما لو أن باني لبنان الحديث قضي في حادث سير وليس جراء انفجار استخدم فيه طن ونصف الطن من المواد المتفجرة... سنة بعد سنة سيؤكد اللبنانيون أن اغتيال رفيق الحريري ليس حدثا عابرا وأن العبث بمسرح الجريمة لم يكن مجرد عبث. يعرف كل لبناني تماما لماذا اغتيل رفيق الحريري ويعرف جيدا أن الهدف من الجريمة كان إبقاء لبنان تحت الوصاية وتكريسه "ساحة" لا أكثر. عوقب رفيق الحريري لأنه تحول زعيما وطنيا حقيقيا علي المستويين اللبناني والعربي. صار عقبة في طريق الذين يعتقدون أن لبنان لا يمكن إلا أن يكون تحت الوصاية. كان "أبو بهاء" علي حق عندما قال إن لبنان لا يحكم من سوريا ولكنه لا يحكم ضد سوريا. الآن بعد خمس سنوات علي رحيل الرجل الكبير، يتبين أن كل كلمة قالها كانت في مكانها وأن الجريمة التي استهدفته لم تقض علي طرحه السياسي بمقدار ما إنها كرست هذا الطرح وجعلت مزيدا من اللبنانيين والعرب يؤمنون به ويؤمنون بأنه الطريق الوحيد لتحقيق تقدم علي أي مستوي من المستويات خصوصا في الوطن الصغير الذي يكاد أن يضيق بأبنائه. المؤسف أن لبنانيين كثيرين اكتشفوا رفيق الحريري بعد رحيله. ولذلك لم يكن مجرد صدفة أن ينزل مليون ونصف المليون لبناني إلي الشارع في الرابع عشر من مارس 2005 للرد علي الذين أرادوا تخويفهم وترويعهم عبر تظاهرة "شكرا لسوريا". صنع اللبنانيون التاريخ وسيأتي يوم يتبين فيه أن الذين نزلوا إلي الشارع في الرابع عشر من آذار 2005، إنما نزلوا من أجل الحرية والسيادة والاستقلال في لبنان ومن أجل الحرية في العالم العربي وفي بلدان علي مشارف العالم العربي علي رأسها إيران. لا يمكن الاستخفاف بأي شكل بتأثير ما حصل في لبنان في السنوات الخمس الأخيرة، أي منذ ذلك اليوم المشئوم الذي امتدت فيه يد الغدر إلي رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ثم طالت مجموعة من الشرفاء الحقيقيين من الذين آمنوا بلبنان العربي المنفتح علي العالم وعلي كل ما هو حضاري فيه كما آمنوا بالحرية وبأنها هي أساس تقدم الشعوب العربية وغير العربية. لقد حطم شعب الرابع عشر من آذار كل القيود. بفضل تظاهرة الرابع عشر من آذار التي في أساسها الرابع عشر من شباط، اضطر النظام السوري إلي سحب قواته من لبنان ومباشرة الاهتمام بالمشاكل الداخلية لسوريا وما أكثر هذه المشاكل ومدي اتساعها وعمقها. إنها مشاكل مرتبطة بنظام يعتقد أن الهروب المستمر إلي أمام يوفر حلولا وخارج من أزمته. إنه نظام يعتقد أن سوريا قوة إقليمية وأنها قادرة علي ممارسة سياسات وليس سياسة واحدة بمعني أن في استطاعتها انتهاج سياسة معينة تجاه إيران واخري تجاه تركيا وثالثة تجاه السعودية ورابعة تجاه لبنان... وخامسة وسادسة وسابعة تجاه أوروبا أو الولاياتالمتحدة إلخ... ربما سيأتي يوم ليس ببعيد، يصل فيه النظام السوري إلي التفريق بين الدور والوظيفة. بكلام أوضح، ليس بعيدا اليوم الذي يكتشف فيه النظام السوري الواقع بدل البقاء في أسر الأوهام... ما ينطبق علي سوريا ونظامها، ينطبق أيضا علي إيران. انتفض الإيرانيون بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في يونيو الماضي نتيجة انتصار قوي الرابع عشر من آذار في الانتخابات النيابية في لبنان. لا تزال الانتفاضة الإيرانية مستمرة. لا يمكن للشعب الإيراني إلا أن ينتصر علي آلة القمع. لا بدّ أن يستعيد حريته. لبنان كان مهما. شباب لبنان الذين واجهوا النظام الأمني السوري- اللبناني ويتامي هذا النظام كانوا وما زالوا المثل الأعلي للإيرانيين الذين يقفون في وجه الظلم والقمع والتخلف... لا يمكن بأي شكل الاستهانة بما فعله ويفعله اللبنانيون. صحيح أنهم خسروا في المواجهة مع قوي الظلم بعض أفضل شبابهم ورجالهم من سمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي وبيار أمين الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد، لكن الصحيح أيضا انهم تابعوا المقاومة علي الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها جيشهم في نهر البارد. تابعوا المقاومة لأن رفيق الحريري شق لهم الطريق وأكد لهم أن عليهم أن يؤمنوا بلبنان وان لا بديل من لبنان. بفضل مقاومتهم انتصروا بصدورهم العارية علي الذين حاولوا تعطيل الحياة في عاصمتهم عبر الاعتصام في وسطها. وبصدورهم العارية تصدوا لغزو بيروت وقبل ذلك لحروب الآخرين علي أرضهم صيف العام 2006 ، تلك الحرب التي كشفت مدي الحقد الإسرائيلي علي لبنان ومدي استعداد الدولة العبرية لاستغلال أي تحرش بها لإلحاق الأذي بالوطن الصغير. عندما ينزل اللبنانيون إلي "ساحة الحرية"، في الرابع عشر من فبراير 0102 سيتلون فعل ايمان بوطنهم مؤكدين أنهم أقوي بكثير مما يعتقد وأن وفاءهم لرفيق الحريري كان كفيلا بتفجير طاقات لم يكن يدركون أنهم يمتلكونها. لقد استطاعوا المساهمة في تغيير مفاهيم كثيرة في الشرق الأوسط. من كان يصدق أن الجيش السوري سيخرج يوما من لبنان وان الشباب الإيراني سيستلهم من تجربة لبنان؟ في الذكري الخامسة لغياب رفيق الحريري، لبنان لا يزال يقاوم... ويعطي مثلا في المقاومة!