النشاط البركاني المتوهج لعمرو دياب في حفل تكريم المنتخب القومي لم يكن وليد الصدفة وإنما يخفي وراءه العديد من المقومات والأسباب جعلت الهضبة هو المطرب الأول بامتياز وصاحب أغلي هدف في مباراة مصر مع أعداء النجاح وهذا الهدف هو التركيز علي الانتماء، وقد آن الأوان للكشف عن أسرار هذا النشاط. قانون جاذبية عمرو دياب التقط عمرو دياب فكرة الاحتفال بالفريق القومي لتكون بداية جديدة لاكتشاف قانون الجاذبية الفنية بينه وبين جمهوره المصري في عالم الغناء، لأنه أثبت خلال الحفل أن لقب الهضبة بات ضيقًا علي حجم موهبته ومكانته، فهو قمة أفريست مصرية خالصة لا تعلن عن حضورها مع الجمهور إلا في وقت الانتصارات، فقد احتشد أكثر من 70 ألف متفرج، حاملين بوسترات لاعبي المنتخب ورافعين صورة عمرو دياب، ولم يكن غريبًا أن تتوحد المشاعر وتأتلف القلوب وتعزف الأحاسيس أروع السيمفونيات، فعمرو قد حقق إنجازًا غير مسبوق وهو الفوز بالميوزك أوورد ثلاث مرات ومع فوز المنتخب للمرة الثالثة بكأس أفريقيا كان لابد أن تتلاقي النوايا وتتألق في هذا الاحتفال. وأستطيع أن أؤكد أنه لا يمكن أن يتصدي مطرب مهما كانت قدراته وإمكاناته وحجم موهبته لحفل ضخم مثل هذا إلا عمرو دياب، لأنه خلال إدارته للحفل قد أمسك بكل الخيوط في يده، حيث حرص منذ البداية علي أن يكون الحفل مليئًا بالحيوية والمشاعر التلقائية ، بعيدًا عن سوء تنظيم عمرو عفيفي، ونجح في فتح ممرات أخري للسعادة والمرح بينه وبين الناس، عن طريق تفجير المواقف الحميمية والتعليقات الكوميدية ومداعبة المحيطين به، بخفة دم حولت الاستاد إلي كتلة ملتهبة من الحيوية والنشاط، فعن طريق التصفيق وإطلاق الصفافير وتنويع الحركات والأغنيات استطاع عمرو أن يشد انتباه الجمهور، وتحكم في إيقاع الحفل بإيقاف الموسيقي والغناء بدونها، كما أنه وزع اهتمامه علي كل الحاضرين في الاحتفال لأنه مطرب بدرجة مخرج ومغني مع مرتبة الشرف في جمال الأداء. المنتخب اولا.. عمرو ثانيا.. انها لعبة الذكاء لم يدخل عمرو دياب إلي الاستاد مع بداية الاحتفال بل ترك الفريق القومي يحتفل بالكأس مع الجمهور وعندما هدأت عاصفة الهتاف كان ظهوره مفاجأة كبيرة شدت الانتباه وكان اختياره لهذا التوقيت ينم عن خطة منظمة وشديدة الذكاء، لأنه استحوذ علي اهتمام كل الحاضرين في الحفل بما فيهم من لاعبين، وخاصة عندما كسر حاجز الملل وجري بسرعة فائقة ليهنئ الجمهور، ومن ورائه موجات متتابعة من المصورين والذين أشفقت عليهم لأنهم لم يستطيعوا أن يلحقوا به، لأن طول نفسه في الجري يتساوي مع طول نفسه في الغناء، وضحك الجمهور عندما قال للمصورين: أنتم فاكريني لاعب كورة هتجروا ورايا إلا أن ما لفت نظري في هذه الدورة الرياضية حول التراك أن عمرو دياب يعتبر بطلاً في مارثون الفن لأنه قطع 25 عامًا من عمره الفني وهو بكامل لياقته الفنية محققًا المزيد من النجاح. دخول عمرو دياب بهذه الطريقة أسهم في تهيئة أجواء الاحتفال وجعله يدير دفة الحدث وينقله من بدايته الرياضية إلي حفل فني من طراز خاص، بعد أن ارتفعت الهتافات والنداءات له بأن يذهب إلي المدرج تلو الآخر مقدمًا تحيته الكبيرة لكل من يراه. أما الدائرة العاطفية لعمرو دياب فقد أعلنت عن نفسها عندما أصر علي أنه يوجه مؤشراتها إلي المقصورة حيث يجلس نجلا الرئيس مبارك: علاء وجمال حيث أشار بيده نحو السيد جمال مبارك مؤكدًا أنه وياه وسوف يغني هذه الأغنية لتكون تحية إعزاز وإكبار، بينما بادله نجل الرئيس التحية في مشهد غاية في التلقائية والبساطة. عمرو لجمهوره: المنتخب هو النجم هتاف الجمهور باسم عمرو دياب جعله يشير إلي أن لاعبي الفريق هم الأحق بهذا الهتاف لأنه لم يقدم فوزًا مثلهم وأنهم أتاحوا له الفرصة بهذا الإنجاز لكي يغني أمام هذا الحشد الهائل من الجمهور، وكان ذلك الموقف برهانًا أكيدًا علي أن الهضبة يضرب أروع الأمثلة في التواضع وإنكار الذات لأنه لم يكف عن وصفهم بأسياد أفريقيا ليوضح أمام العالم كله الذي يتابع الحفل علي الفضائيات أن احتكار البطولة الأفريقية لم يأت من فراغ.. كما أن عمرو نفسه حصل علي جائزة الميوزك أوورد كأفضل مطرب في أفريقيا بما يعني أن الرياضة والفن في مصر قد أصبحا علي منصة تتويج واحدة، وإن كانت كلمات عمرو تتضمن رسالة سياسية لكل من شككوا في قدرات أبناء هذا الشعب، فقد لاحظ الجميع أنه يقصد كل من حاول أن يقلل من حجم هذا الإنجاز، وخاصة الجمهور الجزائري الذي كان يروج لمحدودية التفوق المصري في عالم الغناء، إلا أن عبارة الجمهور بص شوف.. عمرو بيعمل إيه هي العبارة التي جعلت من الهضبة رأس حربة في الهجوم علي أعداء النجاح، لأنه أثبت أن إحياءه للحفل جاء من جهة حبه لمصر وإحساسه العميق بالانتماء لها وفخره الشديد بأن يحمل عبدالله ابنه الكأس، فالحفل عبارة عن بانوراما غنائية لم يأخذ عمرو أجرًا عليه وإنما حصل ثمن تألقه من سعادة الناس، وافتتح عمرو الحفل بأغنية الله علي حبك أنت وهي بمثابة السلام الوطني لجمهورية دياب في عالم الغناء، لأنه يفضل أن يبدأ بها ليحيي بها الجمهور وهذا نابع من كيمياء مشتركة بين الهضبة ومعجبيه، وهو يستغل هذا التوافق طوال الحفل ليتفاعل معهم ويحفزهم علي الانطلاق وخلال تعامله مع 70 ألفا من المشاهدين كان يحدد لهم ماذا يفعلون وتأتي الاستجابة فورا وكأنه يمسك بريموت كنترول فني يغير به إيقاعات الهتافات لتبدأ في الارتفاع وخاصة عندما أصر علي أن يردد الجميع الهتاف الذي سيطر علي أجواء الفرحة بعد المباراة وهو زي ما قال الريس.. منتخب مصر كويس ووصلت المشاعر في هذه اللحظات إلي أعلي مستوي لها لأن عمرو طالب الجمهور بأن يرفع الأعلام فهيج مظاهرات حب مصر في القلوب ولم يكن ذلك إلا نتيجة حس وطني من مطرب بحجم عمرو دياب. مقومات نجومية عمرو دياب استطاع عمرو أن يضمن لحفله كل مقومات النجاح وذلك لأنه اهتم بكل تفاصيل الحفل بدءًا من طوافه بالملعب حتي ملابسه الرياضية التي بهرت الجميع، ووصولا إلي أدائه الغنائي الذي تميز بأنه كان يسير علي وتيرة جديدة، من خلال الحركة المستمرة والانتقال المفاجئ من مكان لآخر والخروج من النمط الكلاسيكي في الغناء عبر مخاطبة الجمهور والتعامل مع الفرقة بمنتهي الذكاء، فمن علي بعد 1000 متر تقريبا كان عمرو يطلب الغناء بدون موسيقي ثم يرفع يده لتعود الموسيقي لحظة ارتفاع صوته بالغناء. من السهل أن ترصد عشرات الجمل والحركات البدنية التي يلتقي بها عمرو دياب مع جمهوره في نفس اللحظات بدءاً من التصفيق الذي يترجم اللحن الموسيقي ومروراً بالرقصات التلقائية التي يفضل أن تتم بواسطة هذا الجمهور. الغريب أن عمرو دياب يجعل لكل أغنية الكاتالوج الخاص بها حيث يمهد لها ويشرح كيفية أداء ما بها من رقصات مثلما أكد علي جمهوره بأن الأغنية التي سيؤديها تحتاج للياقة بدنية عالية تتطلب القفز في الهواء أو أغنية أخري لها إيقاع خاص إلا أن وجود عصام الحضري علي الطبلة قد قلب النوتة الموسيقية من القمة إلي القاع وبأذن عمرو الموسيقية وسط عدد كبير من اللاعبين علي المسرح استطاع عمرو أن يحدد موضع النشاز قائلاً: ركز يا حضري.. وأضاف أن الحضري بوظ الأغنية مما أثار أجواء من البهجة والضحك بخلاف الأحاديث الجانبية مع اللاعبين الذين احتفي بهم الهضبة ولو استطاع أن يقدم لهم قلبه كما تقول أغنيته لما تردد في أي لحظة من اللحظات لأنهم يمتلكون مفتاح السعادة لأكثر من 80 مليون مصري ومن حقهم علينا أن نكللهم بأكاليل الانتصار لذلك يحضر عمرو لمفاجأة كبيرة وهي أغنية وطنية كتب كلماتها الشاعر الغنائي الكبير مجدي النجار وهي تقول: الليلة مصر.. كلنا مصر حلمنا مصر.. حبنا مصر الليلة مصر بتفرح من قلبها بولادها الليلة مصر وريسنا وكلنا بنّعيد الليلة مصر العالم كله شاف أمجادها الليلة مصر وحقنا بالحق بيتأيد الليلة مصر يا مصريين اللية مصر.. نشيد ملايين سر النجاح أننا واقفين كلنا علي قلب راجل واحد الليلة مصر نتّدِي الكل المثل الأعلي نية إخلاصنا وعزيمتنا في عملنا عباده الليلة مصر المحروسة بعناية المولي خطة وأتخطت.. كام أزمة بكفاح وإرادة انطلاق بركان الهضبة في استاد القاهرة غير موازين الحفلات فللمرة الأولي يحيي مطرب عربي حفلاً فنياً بهذا النشاط والحيوية ويحول مساحة الملعب كله إلي مسرح مكشوف يتضمن لوحة استعراضية رياضية شديدة الإبهار إلا أن قدرات عمرو دياب الفنية قد طمست نجوماً آخرين في مجال الغناء لأن قدراتهم المحدودة قد مسحت أمام انطلاق النشاط البركاني لعمرو دياب.