تابعت غالب إنجازات منتخبنا الوطني كأحد الجماهير الحاشدة لهذا الحدث الرياضي ولست متخصصًا في فنيات كرة القدم لأقحم نفسي فيما لا أجيده، ولكن حسبي أنني سررت بما أحرزه الفريق القومي كما سررت لسرور الناس ولفرحهم، ثم ذهبت لحظات سكرة الفرح وجاءت لحظات الفكرة، فما هي الفكرة؟ لابد لعلماء الاجتماع وأطباء الطب النفسي أن يدرسوا هذه الظاهرة ألا وهي اجتماع الكثير والكثير جدًا علي جميع المستويات للعبة كرة القدم، وكيف كان العزم والإصرار والجدية في تحقيق هدف الفوز بكأس أفريقيا؟ ثم كيف خرجت هذه الحشود الجماهيرية علي جميع مستوياتها في المدن، والمراكز للتعبير عن فرحتها بنتيجة المسابقة الكروية؟ إنني لا أريد أن أعكر صفو الفرحة ولكنني أريد أن أحلل الظاهرة والاستفادة منها في تحقيق أهدافنا التنموية في مصر، إن هذا الانفعال وهذا الحماس وهذا الالتفاف حول هدف محدد ألا وهو الحصول علي الكأس والرغبة الأكيدة للفوز، وقد تحقق ذلك. إنني أظن أن مصر والبلاد العربية يعيشون في فراغ كبير فحاولوا أن يشبعوا هذا الفراغ فأشبعوه في مثل هذه المسابقات المحلية والعالمية، فلو كانت الشعوب العربية مشغولة بأهداف عظمي وبأعمال كبري أعتقد كانوا سيتعاملون مع حالات الفوز أو الخسارة بوسطية واعتدال، لكن الفراغ القاتل هو الذي يدفع إلي الغلو والانفعال وتجاوز الحد وهذا قد رأيناه بأقبح صوره في فريق الجزائر وبعض جماهيره وبعض مسئوليه وإعلامييه. ولقد شارك قلة من المصريين خاصة من الإعلاميين في هذه الظاهرة السيئة، لكن شفع لفريقنا وجهازه الفني أنهم كانوا علي الجادة وعلي خلق حميد لم ينساقوا وراء الشعارات الغوغائية التي خرجت عبر مباراة أم درمان، فالتزامهم كان واضحا ومهيمنًا علي أحاديثهم وبالتالي حققوا عاملاً مهما في تحقيق أهدافهم وهو الفوز بالكأس والفوز علي الجزائر والفوز بتقدير الجماهير ونقاد اللعبة. وهنا أراني قد وصلت إلي هدفي من المقال، إن المنتخب المصري في لعبة كرة القدم حقق أهدافه لعدة أسباب علي رأسها توفيق الله لهم ثم التزامهم بأصول نحن في حاجة إلي تعميمها في كل مرافقنا ومشاريعنا التنموية، إنه فريق الساجدين هكذا أطلق علي الفريق المصري، حيث كان واضحًا تواضع اللاعبين ومحافظتهم علي الصلاة والدعاء بجانب الجدية والإصرار في التدريب، فلم يكونوا متواكلين بل كانوا مجتهدين، وهذه الظاهرة ينبغي أن تستثمر إعلاميا وتربويا، كما أن هذا رد عملي علي الذين يرددون نغمة فاسدة مفادها تنحية الدين عن واقع الحياة، فجاء الفريق بإجماع المحبين والمبغضين أنه أفضل فريق كروي حقق أكبر إنجازات كروية مصرية علي المستوي القاري وعلي المستوي العالمي، فهل حال تدين اللاعبين وتدين الجهاز الفني من تحقيق الإنجاز المطلوب؟ الإجابة واضحة أن التدين السليم يدفع إلي تحقيق الصعاب وتحقيق الأهداف وبالتالي ينبغي أن نكف عن نغمة أن الدين علاقة شخصية، بل الدين وهو عند الله الإسلام أهم دافع لتحقيق الإنجازات القومية بشرط أن نوضح الدين الصحيح ونشجع التدين السليم حينئذ نحقق الكثير، وأهم عامل مادي علي نجاح الفريق القومي هو التزامهم السمع والطاعة لقائدهم في مسابقتهم ألا وهو المدير الفني للفريق، حيث كان واضحًا مدي الانسجام بين هذا الرجل وبين لاعبيه، هذا الرجل الذي يستحق وصف المعلم الذي أطلقوه عليه وهو في نظري ذو شخصية قيادية وفي نفس الوقت شخصية تربوية يتمتع بحيادية وشفافية فيما أسند إليه، إنه استعان بالله ثم بأسباب النجاح وهي اختياره للاعبين الذين يسمعون له ويطيعون، لم يستعن بلاعبين متمردين مغرورين وإلا ما حقق انجازه الذي تم، بل وصلت مداركه القيادية إلي اختيار عناصر إيجابية ساهمت في تحقيق انجازه الكبير، فلو عممنا هذا الأصل في كل مجالاتنا الحياتية لحققنا انجازات كبيرة، لابد من الامتثال والطاعة لمن كلف لأداء عمل عام وإلا صارت فوضي وللحقنا الإخفاق، إنني لا أدعو لديكتاتورية انفرادية ولكنني أدعو إلي احترام كل قائد في موقعه واحترام اختياراته والالتزام بها في جو شوري تعاوني بين من يعنيهم الأمر، ثم يتم اختيار الأمثل في هذا الجو وأعتقد أن هذا هو أهم الأسباب المادية التي حققت هذا الإنجاز الرياضي. كما أن تقدير الأخطاء تقديرا مناسبا بلا إفراط أو تفريط أحد عوامل النجاح، فقد رأينا خطأ يكاد يكون الخطأ البارز في الأداء الكروي في أنجولا، حينما خرج أحد اللاعبين عن السلوك القويم الذي التزمه جميع اللاعبين، فكان العلاج مناسبا باعتدال فأدي ذلك إلي إيجابيات من ذات اللاعب فيما بعد، إذن نحن في حاجة إلي وسطية في معالجة الأخطاء لأن معالجة الأخطاء إذا تمت بأسلوب عنيف أو بأسلوب بارد يؤدي إلي كوارث. إذن إنها قدرات في مواجهة الأحداث ولقد أحسن المدير الفني في تقديره للأمور، وهذا ما ينبغي أن نبحث عنه كما بحثنا عن اللاعبين فأتينا بلاعبين من مراكز مغمورة وقري مجهولة فكذلك الحال في البحث عن الكفاءات التي تملك مقومات مناسبة تتناسب مع مشاكل المجتمع المصري. والمقام يطرح نفسه لسؤال سبق طرحه ألا وهو كيف نستغل التفاعل والحماس الجماهيري بفوز المنتخب المصري في واقعنا المعاصر؟ وأراني أجيب مرة أخري فأطرح ما يلي: علي الأجهزة المعنية أن توجه رموز المنتخب القومي إلي مسقط رؤوسهم ليحشدوا محبيهم ليقيموا عملا كبيرا في أماكن ولادتهم ليتحول حب الناس لهؤلاء اللاعبين إلي عمل إيجابي مستمر لتحقيق إنجازات أكبر من كأس أفريقيا، إن القيادي المميز للفريق المصري وهو اللاعب ذو الأخلاق المتدين الذي أشار بالسبابة لحظة حصوله علي الكأس يستطيع أن يذهب إلي أهله في الصعيد ليجمعهم علي أمر يهمهم وفق ما يراه مع القيادات التنفيذية. فمثلا يستطيع أحمد حسن أن يسأل محافظ بلده أو مدير أمنه عن أكبر القضايا الثأرية في مدينته ليتدخل بما له من وجاهة جماهيرية بمناسبة فوزه بالكأس ليعالج مثل هذه الظاهرة وهكذا يفعل اللاعب الجديد جدو في حوش عيسي وكذلك باقي اللاعبين كل في مدينته. كما أقترح علي هذا الفريق القومي الذي جمع حب الجماهير له علي إنجازه الكروي أن يحشدوا تلك الجماهير لبناء مدينة رياضية كبيرة بالجهود الذاتية في وسط سيناء أو شمالها أو جنوبها وحينما أقول رياضية نسبة للرياضة وليس اقتصار الرياضة عليها، كما يستطيع الفريق القومي أن يحشد الجماهير إلي الذهاب للعمل في توشكي وغيرها من الأماكن التي تحتاج إلي سواعد الملايين التي خرجت احتفاءً بالفوز بالكأس حينئذ تكون الشعارات التي رفعت للتغني بحب مصر شعارات حقيقية وليس مجرد كلام يطلق وحناجر بلا معني.. أرجو أن أكون قد وفقت في بيان قصدي من المقال، وختاما تحية لفريقنا المصري.