لأمير الشعراء أحمد شوقي بيت مشهور يشير فيه إلي أهمية أن يكون للإنسان موقف في الحياة ، وأن يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة ، ويعتبر شوقي أن التردد في الرأي، وعدم القدرة علي الدفاع عنه مفسدة (إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة... فإن فساد الرأي أن تترددا).. وقد أشرنا بالأمس إلي أهمية أن يكون للمثقف موقف تجاه أحداث الحياة ، وأن الأصل في دور المثقف أن يكون متفاعلاً مع أحداث المجتمع، وأن يكون له صوت مسموع بشأنها.. ولكن أحياناً تكون الظروف غير ملائمة لقيام المثقفين بهذا الدور.. كأن تكون المساحة التي تتركها السلطة الحاكمة للتعبير صغيرة أو غير كافية.. أو كأن يكون المثقف مختلفاً مع القواعد التي تضعها بعض الأنظمة للتعبير عن الرأي.. أو أن يشعر المثقف أنه لا جدوي من السعي وراء القضايا العامة ويردد المقولة الشهيرة لسعد زغلول - التي تم تغيير السياق الذي قيلت فيه - (مفيش فايدة).. في هذه الظروف يكون أمام المثقف عدة اختيارات، أحلاها في الغالب مر.. فقد يكون الخيار الأول أن يتماهي مع النظام، وأن يختار أن يكون صوتاً له وبوقاً من أبواقه.. أو أن يختار أن يعبر عن بعض القضايا التي ليس لها أهمية في المجتمع، والتي لا يصطدم فيها مع النظام أو مع أحد.. أو أن يختار أن ينسحب من الحياة العامة، وأن يعيش مع نفسه بالتعبير الدارج. وتشير التجارب والشواهد إلي أن الخاسر الأكبر من انسحاب المثقفين أو تقوقعهم، أو انشغالهم بقضايا ثانوية، هو المجتمع ككل.. صحيح أنهم يخسرون كثيراً من قوتهم عندما ينسحبون أو يتقوقعون، ولكن الأصح أن المجتمع يفقد كل قوته، وتصاب أجهزة المناعة عنده بالضعف.. عندما انسحب المثقفون في مصر من مناقشة القضايا العامة في مصر في فترة الستينيات، وعندما كان الشعار السائد "أن للحيطة ودان"، وأنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وعندما كان مجرد التفكير في أي شيء غير الذي تسمح به السلطة يكلف صاحبه التقاعد المبكر والعزلة عن الجميع، أو الاختفاء التام جسدياً أو فكرياً.. أو عندما تتم تصفية قيادات القضاء في مذبحة القضاء الشهيرة.. أو يتم وقف معظم الكتاب عن العمل لأسباب أمنية أو سياسية.. تكون النتيجة هي الانكسار المدمر، والسقوط الذريع في يونيو 1967 . وعندما تفشت في الولاياتالمتحدة موجة "المكارثية" في الستينيات، وأصبح كل صاحب قلم وكل مثقف خائفاً من أن يتم اتهامه بالشيوعية (وهي تهمة تعادل اتهامه بالكفر في بلادنا)، وما يترتب عليها من عواقب.. في ظل هذه الحالة انسحب المثقفون من المجال العام.. وكانت النتيجة سقوط الولاياتالمتحدة في مستنقع فيتنام.. وانتشار موجات العنف الشديدة التي ضربت الولاياتالمتحدة خلال هذه الفترة.. وقبل ذلك، اغتيال أحد أبرز رؤسائها الرئيس جون كنيدي.. وفي الوقت الحاضر، وعلي الرغم من اتساع حرية التعبير في مصر.. فإن بعض مثقفينا لا يزال متستراً وراء قناعات الماضي.. ولا يزال بعضهم منشغلاً بقضايا ثانوية أو بأشياء لا صلة لها بالهم العام .. وإن سألتهم لماذا؟ كان الجواب حاضراً وبقوة: "لأنه مفيش فايدة"! وهذا الرد نوع من الهروب غير المقبول فالساحة تتيح لكل مثقف أن يسهم وأن يبادر .