في هذا الزمان أصبح الخلاف في الرأي يفسد الود, ويهدم القضايا, ولاشك أن الخلاف سنة من سنن الحياة, ولن تستقيم الحياة, ولن نشعر بحيويتها من دون خلاف في الرأي, لأن الخلاف في الرأي أحد أسباب الوصول إلي الحقيقة التي لن يستطيع أحد مهما أوتي من معرفة أن يحتكرها. ومن أسباب ما نراه من سوء خلاف تحكم الهوي الذي هو شريك العمي حسب المثل الأوروبي المشهور. إن الخلاف الحقيقي المبرأ من الهوي والهادف إلي الوصول إلي الحقيقة حتما سيكون متعة كبيرة إذا خلصت النوايا, أما إذا كان الهوي هو الحكم فانتظر ما لا ينتظر من ترد وانحطاط في لغة الحوار, وتحول الخلاف إلي ساحة قتال موبوءة تستخدم فيها أقذر الأسلحة. ورحم الله زمن القمم الذين كانوا يسعون إلي الوصول إلي الحقيقة مجردين عن الهوي. وكلنا يعلم حقيقة الخلاف الكبير بين أمير الشعراء أحمد شوقي والكاتب الكبير عباس محمود العقاد الذي لم يمنعه خلافه مع شوقي من إنصافه وتقديره. فقط حدث أن هاجم الرافعي شوقي وخطا بيته الشهير: إن رأتني تميل عني كأن لم تك بيني وبينها أشياء وقال الرافعي إن الصواب أن يقول: إن رأتني تمل عني, بجزم الفعل, فرد العقاد قائلا: إن شوقي علي صواب لأن فعل الشرط ماض ولو كان فعل الشرط مضارعا لحسن الجزم كما قال ابن مالك في ألفيته الشهيرة: وبعد ماض رفعك الجزا حسن ورفعك بعد مضارع وهن ما أجدرنا أن نعود إلي رشدنا, وننزه أنفسنا عن الهوي, لأن مخالفة الهوي تحمل في طياتها خيرا كثيرا.