موندو ديبورتيفو: كريستنسن على رادار ميلان    محافظ المنوفية يفتتح مركز الثقافة الإسلامية في شبين الكوم| صور    مجلس جامعة الإسكندرية يعتمد الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد    ارتفاع أسعار وتراجع إيرادات وتخفيف أحمال..الحرب بين ايران والحلف الصهيوأمريكى يكشف عجز حكومة الانقلاب    «الداخلية» تمد فعاليات المرحلة ال27 من مبادرة «كلنا واحد» لمدة شهر    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لعملية القيد التاريخية لشركة ڤاليو في البورصة المصرية    رسميا .. وزيرة البيئة تختتم أعمالها في مصر بتطوير قرية الغرقانة    الاحتلال الصهيونى يواصل حرب الإبادة على قطاع غزة ويقتل 74 فلسطينيا خلال 24 ساعة    ماكرون يخشى من خطر تزايد «تخصيب اليورانيوم» سرّا في إيران    زيلينسكي يخطط للقاء ترامب خلال قمة الناتو بلاهاي    الرئيس الفرنسي يشدد أهمية التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة    وفد جامعة بنها في زيارة جامعية لسكاريا للعلوم التطبيقية بتركيا    محمد مطيع يناقش خطة اتحاد الجودو مع المجلس العلمي لوزارة الرياضة    معسكر إعداد خارجي للزمالك قبل الموسم الجديد    السجن المشدد 3 سنوات وغرامه 50 ألف لنقاش وآخر لحيازتهم مخدر الحشيش    لماذا نشعر بدرجات حرارة أعلى من المعلنة؟.. هيئة الأرصاد توضح    وقف مؤقت للغوص بجزر الأخوين لتنفيذ برنامج تتبّع لأسماك القرش    حكومة الانقلاب فشلت في مواجهتها..الكلاب الضالة تهدد حياة المواطنين فى الشوارع    وداع الكاتب الكبير محمد عبد المنعم.. جنازة مهيبة من مسجد عمر مكرم    بالعلم الفلسطيني وصوت العروبة.. صابر الرباعي يبعث برسالة فنية من تونس    قافة طبية للكشف على 1173 مواطن من نزلاء مستشفى الصحة النفسية بالخانكة    تنفيذ 7234 عملية عيون للمرضى غير القادرين بالأقصر    «صحافة القاهرة» تناقش مستقبل التعليم الإعلامي في العصر الرقمي    الصين: عرض عسكري لإحياء الذكرى ال80 للانتصار فى الحرب العالمية ضد الفاشية 3 سبتمبر    سانتوس يقترب من تجديد عقد نيمار    حبس أب اعتدى على نجله بالضرب بآلة حادة في المنوفية    «بزعم إجراء عملية جراحية لنجلتها».. ضبط «مستريحة المحلة الكبرى» بعد الاستيلاء على 3 ملايين جنيه    هيمنة بلا فاعلية.. الأهلي يدفع ثمن إهدار الفرص أمام بورتو (فيديو وصور)    «متى سنتخطى التمثيل المشرف؟».. خالد بيومي يفتح النار على إدارة الأهلي    «بحبكم برشا».. أول تعليق من مي عمر على تكريمها من مهرجان الإذاعة والتلفزيون بتونس    عرض فيلم أبو زعبل 89 في نادي سينما الأوبرا غدا    قاصد محمود: مشروع إيران النووى قائم.. ونتنياهو فشل فى فرض السيطرة الكاملة    مطالبا بضرورة احترام استقلال الدول وسيادتها على كامل أراضيها.. الأزهر يعرب عن تضامنه مع قطر    نادر السيد يدافع عن الشناوي.. ويوجه رسالة ل زيزو بعد مباراة الأهلي وبورتو    زلزال بقوة 5.7 ريختر يضرب الدومينيكان وبورتوريكو ويحدث أضرارا طفيفة    يوسف داوود.. "مهندس الضحك" الذي ألقى خطبة الجمعة وودّعنا في هدوء    خلال فعاليات قمة مصر للأفضل.. «طلعت مصطفى» تتصدر قائمة أقوى 100 شركة في مصر وتحصد جائزة المطور العقاري الأول لعام 2025    لتعزيز الوعى الأثرى ودمج ذوي الهمم.. الآثار تطلق النسخة الثانية من برنامج المدرسة الصيفية "اكتشف"    الإدارة العامة للمرور: ضبط (56) ألف مخالفة خلال 24 ساعة    تحرير (153) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    تبدأ 26 يوليو.. محافظ الدقهلية يعتمد جدول امتحانات الدور الثاني للنقل والشهادة الإعدادية    وزيرة البيئة: مشروع تطوير قرية الغرقانة نموذج متكامل للتنمية المستدامة الشاملة    محافظ القاهرة يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجرى الجديد غدا نائبا عن الرئيس    6 مشاريع بحثية متميزة لطلاب الامتياز ب"صيدلة قناة السويس"    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه    متحدث عسكري عراقي: مسيرات استهدفت عدة مواقع وقواعد نتج عنها أضرار للرادارات    نائب محافظ القاهرة يتفقد المركز التكنولوجى بمجمع الأحياء لمتابعة إجراءات التصالح على البناء المخالف    الكنيسة الأرثوذكسية تعلن موعد صلاة الجناز على شهداء كنيسة مار إلياس    قافلة طبية مجانية بحى الصفا فى العريش تشمل تخصصات متعددة وخدمات تثقيفية    التأمين الصحى بالبحر الأحمر يعقد اجتماعه الدورى لمتابعة الأداء وتطوير المنظومة    بدأت ب«فولو» على إنستجرام.. سلمى أبو ضيف تكشف طريقة تعرفها على زوجها    تداول 10 آلاف طن بضائع و532 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    القومي للمرأة يشارك في المنتدى العربي من أجل المساواة بالجزائر    ما حكم تيمّم المرأة التي تضع «المكياج»؟.. الإفتاء تُجيب    تفسير آية | معنى قولة تعالى «وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي 0لۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي 0لۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ»    هل الشيعة من أهل السنة؟.. وهل غيّر الأزهر موقفه منهم؟.. الإفتاء تُوضح    شاهد وصول لاعبى الأهلى إلى استاد ميتلايف لمواجهة بورتو البرتغالى    رسائل قوية من بوجبا عن أزمة المنشطات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: أسرار الخلاف وأهوال الاختلاف.. شَرَارُ البدءِ وشُرورُ المنتهى
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 09 - 2009

نبتدئ اليوم بعون الله (الرب) الكلامَ على أسرار الخلاف وخلفياته، وأهوال الاختلاف وويلاته. سعياً لإمعان النظر فى القنابل (الفكرية) الموقوتة، والحمِيات (الوجدانية) المزمنة، التى يزخر بها واقعنا المعاصر ذو السطح الهادئ والباطن المضطرم. ولاشك فى أن كلامنا سيكون حتماً شائكاً، وقد يراه البعضُ شائقاً، والبعض لائقاً.. والبعضُ سوف يراه غير لائق، وغير مطلوب! استناداً إلى العبارة التى طالما تناقلتها الألسنة، وشاعت حتى استعلنت بيننا وكأنها اليقين. أعنى العبارة القائلة: الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.
ولو كانت هذه العبارة أدق، لأُضيفت (قد) وعُدِّلت قليلاً بحيث تصير: الخلاف فى الرأى قد لا يفسد قضية للود. ومع ذلك، فإن الخلاف فى الرأى هو كالخلاف فى أى أمر آخر، من شأنه أن يطيح بكل قضايا الود والتواد والتودد والمودة (إلى آخر مشتقات هذه الكلمة الطيبة) فالخلاف والود، والاختلاف والتواد، والخُلف والمودة، كلها قضايا متقابلة فيما بينها بالتناقض. وقد قال أرسطو (المعلم الأول) قبل قرون طوال، إن القضايا المتناقضات متنافرات! فالنقيضان لا يجتمعان معاً، ولا يرتفعان معاً.. منطقياً.
تلك هى المقدمة (الأولى) من المقدمات الواجب علينا الوقوف عندها قبل الشروع فى تلك المقالات التى تبدأ هذا الأسبوع، وقد تمتد إلى سبعة أسابيع تالية. وهناك مقدمات أخرى، غيرها، يحسن الوقوف أولاً عندها، لضبط المسألة التى نحن بصددها، فمن ذلك ما يلى:
يعتقد كثيرون أن المشكلات تنحلُّ من تلقاء نفسها، وأن (الزمن) كفيلٌ بإنهاء الخلافات الصغيرة والاختلافات المحدودة التى تقع بين الناس. وهذا فيما أرى، وقد أكون مخطئاً، غيرُ صحيح. لأن تجارب الأمم والشعوب، والتاريخ الطويل للخبرات الإنسانية، والآثار الباقية عن القرون الخالية، كلها مؤكِّدات لحقيقة واضحة، هى أن الخلاف يبدأ صغيراً شاحباً، فإذا طال عليه الزمن كبر واستقوت ملامحه. انظرْ مثلاً إلى أشهر حروب العرب فى الجاهلية (حرب البسوس) التى امتدت لأكثر من عشرين عاماً، وأودت بحياة كثير من الأبطال المحاربين فى قبيلتيْ (تغلب، وبكر) اللتين اختلفتا أولاً على مقتل ناقة اسمها البسوس، أو كانت ناقة لامرأةٍ اسمها البسوس.
وكان من الممكن أولاً إنهاء الأمر بفديةٍ أو تعويض، لكن الخلاف تطور حتى جرت بين القبيلتين الحرب، فانهمكوا فيها حتى أُنهكوا تماماً، وفشلوا، وذهبت ريحهم مع أنهم كانوا قبل هذه الحرب بقليل قد حققوا إنجازاً تاريخياً مبهراً بانتصارهم على (الفرس) فى موقعة (ذى قار) فكانت المرة الأولى التى تجتمع فيها القبائل العربية ضد قوة عظمى بمقاييس ذاك الزمان، وتحاربها صفاً، وتنتصر عليها.. قبل الإسلام.
وكذلك الأمر فى أكبر فواجع الزمن الإسلامى، وهو الاجتياح المغولى لديار المسلمين، الذى ابتدأ بشرارة صغيرة، ولم ينتبه الناس آنذاك إلى أن معظم النار من مستصغر الشرر. فقد اختلف جنكيز خان (المغولى) مع محمد خوارزمشاه (المسلم) حول نظام تسيير القوافل، فوقعت عند بلدة أوترار الحدودية حادثة محدودة مع قافلة أرسلها جنكيز خان من دون إخطار سابق، وكان تجار القافلة مسلمين ! فإذا بالحاكم المسلم التابع لمحمد خوارزمشاه يستولى على القافلة ويقتل أفرادها، ثم يتطور الأمر بسرعة بعدما أهان خوارزمشاه رُسل جنكيز خان إهانة بالغة، فثارت النفوس ودارت رحى الحرب الطاحنة التى امتدت عقوداً من الزمان وقتلت (ملايين) البشر.
إذن، فأهوالُ الاختلافات (المرعبة) تهب رياحها القوية، مع إهمال أسرار الخلافات (الهينة) التى تصير مع الوقت عويصة الحال، خصوصاً إذا توارثتها أجيالٌ من بعد أجيال. فهنا ترسخ فى النفوس آليات التناقض والرفض والنزاع، فتصير تراثاً عند أولئك وهؤلاء. وكل تراث له، لا محالة، قداسةٌ فى النفوس! مما يجعل إعادة النظر فيه أمراً شائكاً، غير شائق عند الكثيرين، ولا مطلوب.
وهناك مقدمة أخرى، ضرورية، لابد من تبيانها. ملخصها أن الخلاف بين الناس أوله لذيذ! فهو، حسبما يبدو لأول وهلة، سبيلٌ للتمايز وطريق للخصوصية. والإنسان بطبعه يميل إلى ما يؤكد ذاته ويُجوهر صفاته. وإدمان الخلاف والعكوف عليه، يقود بالضرورة إلى الشعور بالتميُّز والاختلاف. وهو شعور (مرضى) بضم الميم، لأنه يُريح وجدانياً. لكنه شعور (مرضى) بفتح الميم والراء، لأنه مع مرور الوقت يقترن بإعلاءٍ وهمىٍّ للذات، وحطٍّ تلقائىٍّ من شأن المخالفين، خاصةً إن كان الخلاف موروثاً والاختلاف تراثياً ومقدساً.
وللخلافات والاختلافات تاريخٌ عجيب، ونهايات مفجعة مقارنة بالبدايات الهينة، مهما كان السبب الأول، والسر المخفى أو الأمر المعلن، الذى ابتدأ به الأمر أصلاً. انظرْ مثلاً إلى ما كان بمصر قبل الفتح (الغزو) العربى الإسلامى، حيث كان هناك حزبان قويان (حزب الخضر، حزب الزرق) وهما فى الأصل من جماعات مشجعى فرق الألعاب الأوليمبية، على طريقة (الأهلى والزمالك) المعاصرة. لكن أولئك وهؤلاء من أهل الحزبين ظلا يتكتلان اقتصادياً ويتخاصمان سياسياً، ثم انتهى أمرهما بأن اقتتلا عسكرياً.. وعندما دخل عمرو بن العاص إلى مصر، كان الحزبان يتقاتلان فيما بينهما ! وكان قتالهما سبباً لاستيلاء المسلمين على مصر، ضمن عدة أسباب أخرى، بالطبع.
إذن لا يشترط فى الخلافات والاختلافات (المزمنة) أن تكون بالضرورة ذات خلفية دينية. فالخضر والزرق (الحزبان) كانا يعودان فى أصل الخلاف بينهما إلى الزمن الوثنى الذى تعدَّدت فيه الديانات من دون منازعات بين أصل هذه الديانة أو تلك، ولم يرفع أحدهما ضد الآخر شعاراً دينياً حتى حين أدركهما الزمن المسيحى.. وفى الزمن الإسلامى، تظل الواقعة التى هى بالإجماع أكبر (الفواجع) وأفظع الأهوال، سقوط بغداد بيد المغول سنة 656 هجرية، هى نتيجةٌ مباشرةٌ لخلاف غير دينى، بالمرة.
لأن المغول آنذاك لم يكونوا فى معظمهم على أى دين! صحيحٌ أن زوجة هولاكو (طقز خاتون) كانت مسيحية نسطورية تكره المسلمين وتشجع زوجها على الفتك بهم، لكنه أصلاً كان مدفوعاً بالخلاف الذى أشرنا إليه قبل قليل، والاختلاف الذى ورثه عن أعمامه وأبيه وجَدِّه الفاتح الأسطورى جنكيز خان. وقد استباح هولاكو بغداد، التى كانت آنذاك أعظم مدن العالم وأكثرها تحضراً، لمدة أربعين يوماً يفعل فيها جنوده ما يشاءون. فكانت النتيجة قتل ما يقرب من مليون مسلم فى الأيام الأربعين، بحسب أوسط التقديرات.
وفى زماننا المعاصر، روَّعت العالم مذابح (رواندا) التى لا يبلغ عدد قتلاها الإحصاء، ولا يبلغ الوصف حقيقة دمويتها. مع أن الخلاف بين الهوتو والتوتسى، هو خلاف عرقى (قَبَلى) لا شأن للدين فيه، بشكل مباشر.. وهذا الأمر لم يتوقف حدوثه على غياهب إفريقيا (السوداء) بل جرى مؤخراً نظيرٌ له فى قلب أوروبا (البيضاء) التى استيقظت يوماً من سباتها العقلانى، الحداثى وما بعد الحداثى، على المذابح المروِّعة التى قام بها الصرب ضد الكروات والبوسنويين، على أساسٍ عرقىٍّ وليس دينياً ! فالكروات مسيحيون، والبوسنويون مسلمون، والصرب وارثون لتراث الخلاف والاختلاف الذى امتد فيهم جيلاً بعد جيل على أسس (عرقية) مثلما امتد بين الهوتو والتوتسى على أسس (قَبَلية) وامتد بين الخضر والزرق على أسس (رياضية).
ومع ذلك، يبقى الخلاف الدينى والاختلاف العقائدى، هو الأدوم والأثقل والأفظع والأفتك بين الناس! لأنه بطبيعته ممتد الأثر فى الأجيال، ولأنه يتوسل فى احتدامه بحجةٍ خطيرة هى امتلاك (اليقين) وضلال (المخالفين) ولأنه يزعم لنفسه قداسة لا حدود لها، بادعائه النطق باسم الإله.. الله.. الرب.. يهوه.. إلوهيم.. إيل.. أهيه الذى أهيه (أحد أسماء الله التوراتية) ولأن الاختلاف والتناحر القائمين على الخلاف والتنوع المذهبى فى الدين، سجَّلا فى تاريخ الإنسانية أروع المعدلات (الروعة فى اللغة معناها الفزع) فى أطول الحروب زمناً: الحروب الصليبية، التى وإن كانت لها دواعٍ كثيرة، إلا أن شعارها يظل دينياً..
ومن أفظع حوادث البشرية، ما جرى فى غرب أوروبا من قيام الكاثوليك على البروتستانت، حتى ذبحوا منهم فى يوم واحد (يوم واحد) ثمانمائة ألف شخص.. ثمانمائة ألف إنسان قُتلوا فى يوم واحد لأنهم مسيحيون بروتستانت اختلفوا مذهبياً مع مسيحيين كاثوليك اعتقدوا أنهم وحدهم على صواب، وأن اليقين التام فى جانبهم وحدهم، وأن مخالفيهم ضالون.. فذبحوهم!
وقد نسوا معظم كلام السيد المسيح ووصاياه، وتعلقوا فقط بما هو مكتوب فى الإنجيل من قول المسيح: «أتظنون أننى جئت لأضع فى الأرض سلاماً، ماجئتُ لأضع فى الأرض سلاماً بل سيفاً، جئتُ لأفرِّق بين الابنة وأمها، وبين الابن وأبيه» تعلَّقوا بذلك وفهموه على وجه واحد، ولم يتأولوا الوجوه الأخرى لمعنى العبارة.. فهاجتِ الأهوال، وأطلَّ العنفُ من تحت الأرض فالتهم أقدام الناس وارتوى بدمائهم ومضغ قلوبهم وأطاش عقولهم.
لأن العنف الدينى أصيلٌ، نظامىٌّ، مقدس، لا يلبث إن لم تُطفأ شرارات ابتدائه، أن تثور شرور نهاياته، فتندفع فى أرض الله المرعباتُ.. العادياتُ ضَبْحاً، وتدقُّ فى الطرقات سنابكُ الخيل.. المورياتُ قَدْحاً، وتفزع الناسَ الجحافلُ.. المغيراتُ صُبْحاً، المثيراتُ به نَقْعاً.
وبعد، فمقالات الأسابيع التاليات سوف تكون وقفات عند بعض نقاط الخلاف (الدينى) لمعرفة أسرارها، تلافياً لانقلابها من حالة الشرارات إلى احتدام (الشرور) بين الناس فى هذا البلد بمن فيه، ومع مَنْ حوله. والأمر هنا يقتضى الإشارة إلى أن المقالات القادمة لم تُكتب للمبتدئين، ولا لأنصاف المتعلمين، ولا للمفتشين عن السقطات، ولا للساقطين فى مهاوى التعصب، ولا للمتاجرين بالدين وبؤس الناس، الراغبين فى إذكاء الخلاف ابتغاء منافع شخصية ونزعات دنيوية ونزغات شيطانية. وهؤلاء، على كل حال، لهم كتبةٌ كثيرون يكتبون لهم، وقنوات تليفزيونية تطفح بما إليه يشتاقون.
فليصرفوا أنظارهم عن مقالاتى المكتوبة لغيرهم، ورؤاى التى لا تزعم لنفسها (اليقين) ولا تدَّعيه، وإنما توجِّه بعض الانتباه إلى شرارات البدء التى قد تُفضى إلى ويلات المنتهى. وسوف تكون مقالتى القادمة فى هذه (السلسلة) بعنوان: تحصيل الفلوس بالجزية أو بالمكوس. والتى بعدها ستكون بعنوان: القبطية صناعة عربية إسلامية.. فإلى لقاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.