منى رزق في موقع العمل حتى الآن.. واستمرار تنفيذ الوصلات لتغذية محطة جزيرة الذهب    مالطا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين سبتمبر المقبل    الملك محمد السادس: تراجع الفقر وارتفاع مؤشر التنمية يدفعان نحو عدالة اجتماعية شاملة    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 دبلوم صناعي 3 سنوات.. الكليات والمعاهد المتاحة (الموعد والرابط)    معاشات أغسطس 2025 للمعلمين.. الصرف يبدأ الجمعة وزيادة 15% تُطبق رسميًا    مالطا تعلن اعترافها بدولة فلسطين في سبتمبر    مكتب ستارمر يؤكد اتصاله بنتنياهو قبل إعلان الاعتراف المحتمل بدولة فلسطين    المفوضية الأوروبية تدعو كييف إلى تعيين مدير لمكتب الأمن الاقتصادي بأسرع وقت ممكن    مسيرات إسرائيلية تستهدف قوات رديفة لوزارة الدفاع السورية فى ريف السويداء الغربى    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    وزير العمل يعلن 68 وظيفة بالسعودية.. تعرف عليها    تغيير إيجابي في الطريق إليك .. برج العقرب اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    أميرة سليم تطلق «أوبرا ريمكس»: الأوبرا ليست مملة وسبقت السينما في تقديم الدراما    تقدم مهني ملموس لكن بشرط.. حظ برج القوس اليوم 30 يوليو    أحمد فؤاد سليم: الجيش شكّل وجداني.. وكنت إنسانًا بلا اتجاه    متحدث "الموسيقيين" يبارك للفائزين بالتجديد النصفى: نحتاج كل صوت مخلص    اليوم، طرح تذاكر حفل الموسقار العالمي عمر خيرت في دبي أوبرا    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    خالد أبوبكر للحكومة: الكهرباء والمياه الحد الأدنى للحياة.. ولا مجال للصمت عند انقطاعهما    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أخبار كفر الشيخ اليوم... إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص    رئيس مبيعات الركوب ب"جي بي أوتو": طرح 5 طرازات تؤكد ريادة شيري في السوق المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    في الجول يكشف سبب غياب كريم فؤاد وأحمد كوكا عن ودية الأهلي ضد إنبي    ثروت سويلم: لن نلغي الهبوط لو تكرر نفس الموقف مع الإسماعيلي    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    آس: روديجر وألابا في طريقهما للرحيل عن ريال مدريد    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    رئيس وزراء فلسطين يبحث مع وزير الخارجية السعودي تنسيق المواقف المشتركة    عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    مفاجأة ممدوح عباس.. الزمالك يتحرك لضم ديانج.. تقرير يكشف    نائب وزير الخارجية الروسي: من المستحيل تحقيق السلام في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطينية    الجامعات الأهلية الأقل تكلفة في مصر 2026.. قائمة كاملة بالمصروفات ومؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    خالف توقعات الأطباء ومصاب بعيب في القلب.. طفل مولود قبل أوانه ب133 يومًا يدخل موسوعة «جينيس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    محافظ الدقهلية يهنئ مدير الأمن الجديد عقب توليه منصبه    قبل الصمت الانتخابي.. أضخم مؤتمر لمرشحي مستقبل وطن في استاد القاهرة (20 صورة)    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور الزمان أكد عدم وجود شريعة دينية غير قابلة للتحايل

بقلم القس : أشرف شوقى ... راعى الكنيسة الانجيلية بالمعادى
تموج الساحة الفكرية والتشريعية في مصر هذه الأيام بتساؤلات كثيرة حول موضوع "الطلاق في المسيحية". وفي الآونة الأخيرة باتت العلاقة بين الكنيسة والدولة علي صفيح ساخن نظرًا لصدور عشرات الآلاف من الأحكام القضائية بالتطليق في الوقت الذي فيه رفضت الكنيسة حكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر مؤخرًا والذي يقضي بإلزام الكنيسة بمنح تراخيص لزواج ثانٍ لكل هؤلاء المطلقين!!
وما بين القوانين واللوائح التشريعية القديمة التي تجيز الطلاق (لائحتا 1938, 1955م) والقرارات الباباوية التي تمنع إعطاء ترخيص بزواج ثان للمطلقين إلا لعلة الزني، ثم إصدار المجلس الملي لتعديل جديد بتاريخ 2 يونيو2008 بين هذه وتلك وذاك تتجرع آلاف الأسر مرارة الطلاق ونتائجه المخيفة.
لقد كانت ولازالت- قضية"الزواج والطلاق في المسيحية" إحدي أكبر القضايا المطروحة علي ساحة الفكر. ولقد اختلف العلماء واللاهوتيون ورجال الفكر في وضع حلول نهائية متفَق عليها لمشكلات هذا الموضوع، وذلك نظراً لتشّعب القضية وتفرّعها، وأيضاً لاختلاف العوامل الدينية، والثقافية، والحضارية، والبيئية، التي تلعب الدور الأكبر في الحكم علي الأمور الخلافية. وإنني في هذا المقام أحاول أن أدرس هذا الموضوع، من عدة زوايا: الزاوية الأولي: هي الزاوية الكتابية واللاهوتية، الزاوية الثانية، هي زاوية القانون والتشريع؛ أما الزاوية الثالثة: فهي زاوية الأخلاق المسيحية.
تمثل قصة الزواج الأول، الذي تم في جنة عدن، الأساسَ الكتابي السليم والكامل لفكر الله عن الزواج. ولا يستطيع أحد أن يجادل أو يدعي عكس ذلك؛ فهذه الزيجة التي حدثت هناك كانت من ترتيب وإعداد وتنفيذ الله نفسه. فالله- في حكمته- رأي بعد إتمام الخليقة أن كل شيء جيد و"حسن"، إلا أن أمراً واحداً لم يكن قد تم بالصورة التي ترضي الله إرضاءً كاملاً. هذا الأمر هو وجود آدم وحده في حياة "الوحدة" بلا معين أو قرين أو رفيق! وفي محبته الكاملة واهتمامه الواضح، رأي الله أنه "ليس جيداً أن يكون آدم وحده".
وكأن الرب أراد أن يشعِرَ آدم بالاحتياج إلي الرفقة أولاً قبل أن يسدًد له هذا الاحتياج، ومن ثم استخدم الرب "وسيلة إيضاح"- إذا جاز التعبير- ليعلِّم آدم معني الصداقة والرفقة، وتمثل ذلك في دعوة الرب لآدم لإشراكه في تسمية الخليقة كلها، فظهر في كل حيوان أو طير الذكر والأنثي، أما هو، - أي آدم- فلم يكن له شبيه أو نظير في عالم "الأنثي"!!
وعند هذه اللحظة الحاسمة من الشعور ب "النقص" و"الاحتياج" تدخل الله لصالح آدم من جديد. "فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَي آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَي الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَي آدَمَ."(تكوين22:2) وفي تجاوب تلقائي وسريع مع محبة الله التي دبَرت وقدَمت هذه "الهدية" الكريمة، صار آدم شاعراً، فنظم أول قصيدة شعرية في التاريخ، ويظهر ذلك بشكل واضح في اللغة العبرية التي كُتِبَ بها العهد القديم:
فقال آدم : هذه الآن.. عظم من عظامي.. ولحم من لحمي... هذه تُدعي امرأة، لأنها من امرء أُخذت!!
إن الآية الواردة في تكوين2: 24 "لِذلِكَ يتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا"، هي آيتنا المفتاحية في تقديم تعريف كتابي للزواج المسيحي، ولعل ذلك يفسِّر علة استخدام يسوع نفسه لهذه الآية، عندما سأله رجال الدين اليهودي عن وجهه نظره في أسباب الطلاق. ومن هذه الآية يمكننا أن نستنتج عناصر الزواج، كالآتي:-
الزواج علاقة تقتصر علي اثنين، رجل واحد وامرأة واحدة. يجب أن يتم الزواج بشكل علني"يتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ". الزواج علاقة دائمة"..... يلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ".
يكتمل الزواج بالاتصال الجنسي "..... يكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا". ولقد شاع بين القدماء كذلك أن الزواج هو عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر علي الوجه المشروع، أو هو عقد يفيد ملك المتعة قصداً.
أما في المسيحية، فالزواج قانوناً هو ارتباط الرجل والمرأة بقصد تكوين أسرة، ويرتِّب القانون علي قيامه آثاراً معينة. ويعتبر المسيحيون الزواج من المقدسات الدينية، وقد رفعه المسيح إلي مرتبة عظيمة، حتي إن الكاثوليك والأرثوذكس يعتبرونه "سراً مقدساً" من أسرار الكنيسة السبعة، أما البروتستانت فالزواج عندهم "رابطة مقدسة"، لكنهم لا يرفعونه إلي مرتبة "السر الإلهي".
ولا يقصَد بهذا التعريف أن الزواج حرفياً "لا فكاك منه" علي الإطلاق، بمعني أنه لا شيء يستطيع أن يعطِّله بالنظر إلي أن الطلاق مسموحٌ به في بعض الظروف القصوي، كما سنري، لكن الطلاق رغم الإذن به هو في النهاية انحراف عن القصد الإلهي، لأن الله يراه "كنقض"للميثاق، وكعمل "غادر"، يعلن الله كراهيته له. (ملاخي13:2).
وفي الفكر الأرثوذكسي، لا يمكن أن ينعقد الزواج باتفاق الرجل والمرأة وحدهما، بل لابد من تدخل رجل الدين الذي يجرِي طقوسًا معينة، ويقيم صلاة خاصة، فإذا قام بالصلاة رجل آخر غير رجل الدين، أو إذا قام رجل الدين بإجراء طقوس أخري غير الطقوس المحددَّة، أو أقام صلاة غير الصلاة المعروفة، فإن الزواج لا ينعقد في أي من هذه الحالات.
ولا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة في وقت واحد، ولا يجوز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل واحد في وقت واحد، وعلي هذا فإن الزوج الذي يبرم عقد زواج ثانِ لا يمكن اعتباره زواجاً، بل هو زني. ولا يحتمل هذا المبدأ في الشرائع المسيحية عموماً أي استثناء .
بحسب الأصل، فإن الشرائع المسيحية عموماً تجعل الزواج غير قابل للانحلال، والاستثناء كما هو معروف- لا يجب أن يتوسَع فيه ولا أن يقاس عليه.
وإذا كانت شريعة الأقباط الأرثوذكس لا تعرف الطلاق، إلا أنها تعترف بالتطليق وتتوسع في أسبابه توسعّاً كبيراً، واعتبر واضعو لائحة 1938م أن ما جاء في إنجيل متي من إباحة التطليق لعلة الزني لا يعني قصر التطليق علي هذه الحالة فقط، فهي قد جاءت كمجرد مثال علي الأمور التي تبرِّر التطليق.(وسيظهر ذلك لاحقاً عند شرح أسباب الطلاق كما وردت في اللائحة الأرثوذكسية الصادرة عام 1938م والتي عملت بها الكنيسة لمدة طويلة بلغت نحو سبعين سنة).
ومن وجهة نظر عكسية، فإن الأمر لم يعُد كذلك تماماً بعد أن تولي البابا شنودة الثالث كرسي الباباوية ليكون البطريرك رقم 117 لكرسي الإسكندرية وذلك في سبتمبر1971م. حيث نري أن التوجه التعليمي(وليس التشريعي أو الرسمي) للكنيسة الأرثوذكسية قد اختلف تماماً، وبشكل صريح منذ ذلك الحين، إذ صارت الكنيسة تضِّيق في أسباب الطلاق، ولا تأخذ إلا بالسببين الذين أخذت بهما شريعة الإنجيليين الوطنيين منذ عام 1905 وهذان السببان هما الزني وتغيير الدين المسيحي.
إن الرب يسوع رفض بوضوح التفسير المنحرف الذي قدَّمه رجال الدين اليهودي فيما يختص بتعليم كلمة الله عن الزواج. وغني عن التكرار أن نقول إن رفض المسيح هنا ليس لكلمة الله بحد ذاتها بل هو رفض واستنكار للفهم البشري الخاطئ أو المنحرف لهذا الإعلان الإلهي المكتوب.
إن الرب يسوع فرَّق بوضوح بين "الوصية"، "السماح". لقد ظن اليهود أن الله "أوصاهم" بالطلاق. لكن الرب يسوع وضَّح أن ذلك لم يكن "وصية"، بل هو مجرد "إذن" أو "سماح"، (ويعرف القانونيون جيداً الفرق الكبير بين الحق والرخصة). وهذا السماح يجد مبرراته في غلاظة قلوب اليهود وقساوتهم، وتأويلهم المنحرف لكلمة الله المستقيمة، لكن مشيئة الله وإرادته الأصلية هي أساساً ضد الطلاق.
إن الرب يسوع يؤكد علي أن الزواج الثاني لأي من الطرفين هو بمثابة "زني"، ما لم يكن الزواج الأول قد انتهي بسبب خيانة أحد الطرفين. وهذه "أقوال قاسية لأنها تفضح بصراحة النتائج المنطقية للخطية. فإذا جري الطلاق ثم الزواج ثانية، وهما لا يظفران بموافقة الله، فإن أي اتحاد بعد ذلك، بالنظر إلي أنه غير قانوني، يعتبر بحكم"الزني". من الواضح أن الرب يسوع وهو يعطي الحق في طلب الطلاق للزوج البريء، لم يكن يعلَِّم بأن الطلاق في هذه الحالة إجباري ويجب وقوعه، ولكنه فقط "مأذون به"، فالمسيح لا يشجِّع الطلاق ولا يمدحه حتي في حالة الخيانة الزوجية، لكنه فقط "أذن أو سمح" به. وكم من المرات يقبل الطرف البريء توبة شريكه الذي أخطأ فتكون بداية جديدة وفرصة لممارسة الصفح والغفران المسيحيين كما تعلِّمهما كلمة الله!!
إن دهشة التلاميذ من هذا التعليم الصارم الذي قدّمه المسيح، تؤكد أن هذا التعليم هو بالفعل "غير صالح" لجميع الناس علي تنوعهم واختلاف مشاربهم، فأولئك الذين لم يتخذوا المسيح ملكاً ورباً ولم يدخلوا تحت سلطانه وسيادته، لا يمكنهم أبداًً تطبيق هذه التعاليم. ليس لأن هذه التعاليم غير صالحة في ذاتها أو لأنها لم تعد مناسبة للبشر، بل لأننا لا نستطيع تطبيق قانون سماوي علي الإنسان في حالة الخطية والعصيان والبعد عن الله. لذلك، ففي حالات التوسط لإصلاح ذات البين بين زوجين متنازعين وعلي وشك الطلاق، يكون من المفيد عملياً- أن نقدِّم لهم المسيح كمخلِّص وملك أولاً، ومن ثم يمكنهم الاقتناع بتعليم المسيح الخاص بالزواج والخضوع لسلطان كلمته.
تطور الأزمة التشريعية والقانونية الراهنة
كانت الفلسفة التي صِيغت علي أساسها الأسباب التسعة للتطليق في شريعة الأقباط الأرثوذكس (الواردة في لائحتي 1938م، لائحة 1955م) أن أياً من هذه الأسباب يمكن أن يؤدي في النهاية بأحد الزوجين أو كليهما إلي طريق الزني، وعليه نصل إلي إنهاء علاقة الزوجية المقدسة بين الشريكين، طبقاً للنص الصريح في الإنجيل. وظلت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تسمح للمطلق أو للمطلقة بزواج ثان، مادام الشخص قد حصل علي حكم نهائي من القضاء بالتطليق، وذلك علي أساس أن الطرف البريء الذي ظلمه شريكه بالإساءة إليه وكسر عهد الزوجية معه، لا ينبغي أن يظْلَمَ مرة ثانية بعدم السماح له بالزواج.
ولكن مع بداية عهد البابا شنودة الثالث بدأ الوضع يتبدل، فقد أصدر المجلس الإكليريكي قرارين باباويين بتاريخ 1971/11/18م (أي بعد تولي البابا شنودة الثالث كرسي الباباوية بنحو شهرين فقط) يحملان رقمي 7 و8 ويقضي القرار الأول بعدم السماح للمسيحيين بالتطليق إلا لعلة الزني. ويقضي الثاني بعدم السماح للمطلقين بالزواج ثانية إلا إذا كان الحكم الصادر من المحاكم المصرية بالطلاق قد صدر بناء علي سبب الزني فقط. أما إذا كان الطلاق ناتجاً عن أحد الأسباب الزمنية الأخري، فلا يعطَي للمطلق أو المطلقة تصريحٌ كنسي بزواج ثان.
وبمرور الوقت بدأت المشكلة تتعقد وتتفاقم وتتضخم، فلقد تزايد عدد الذين تمكنوا من الحصول علي حكم قضائي نهائي بالتطليق (استناداً إلي لائحتي 1938م و1955م المعمول بهما في القضاء المصري)، ولم تعد الكنيسة قادرة علي منح أولئك ترخيصاً بالزواج ثانية، ومن المؤكد أن عدد هؤلاء يقدر بعشرات الآلاف علي أقل تقدير (يقدِّر بعض الدارسين الرقم بنحو 160 ألف حالة!!). ولقد زادت الأمور تعقيداً بصدور حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 14 مارس 2006م الذي يقضي بإلزام الكنيسة بتزويج المسيحي ثانية إذا كان مطلقاً بحكم قضائي.
وفي هذه المرة جاء رد الكنيسة قوياً وواضحاً، فبعد أقل من أربع وعشرين ساعة علي صدور الحكم، صرَّحَ قداسة البابا شنودة في اجتماعه الأسبوعي بأنه "لا توجد قوة علي الأرض تستطيع أن تلزم الكنيسة بشيء ما ضد تعاليم الإنجيل، أو ضد ضمير الكنيسة، ولا يمكن للكنيسة أن توافق علي تزويج المطلق إلا تبعاً لتعاليم الإنجيل!!".
ورجوعاً إلي عام 1979م، اجتمع ممثلون عن الطوائف المسيحية الثلاث في مصر (الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس)، لوضع مشروع قانون موحَّد للأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر بهدف إنهاء هذا الوضع الخاطئ، وبعد جهد طويل ومناقشات مستفيضة، تمكن الحاضرون من الاتفاق حول أبواب وبنود هذا القانون الموحَّد. وضم هذا المشروع باباً خاصاً بأسباب الطلاق، وتقتصر أسباب الطلاق في هذا القانون علي"الزني"، إضافة إلي ما أطلق عليه "الزني الحكمي"، أي تغيير المسيحي دينه إلي ديانة أخري غير المسيحية أو إلي غير دين (الإلحاد). وقد تمت صياغة المشروع بالكامل وسُلِّمَ إلي رئيس مجلس الشعب آنذاك، ولكن هذا المشروع ما زال حبيس الأدراج حتي اليوم إذ لم يقدَّر له أن يري النور إلي الآن. واليوم يواجه المسيحيون وضعاً شائكاً ومتناقضاً، بين تشريعات قديمة تجيز الطلاق، وقوانين كنسية أكثر حداثة لا تعترف بهذا الطلاق، ولا تمنح تصريحًا للمطلقين بزواج ثان!!
نحن اليوم - بلا شك- أمام وضع شاذ وغريب، تجتمع فيه تشريعات متناقضة مع مشكلات معقَّدة ومتراكمة لعشرات الآلاف من المسيحيين الذين يعانون من مشكلات الزواج، وأيضاً من معاناة ما بعد انتهاء الزواج!
الطلاق من وجهة نظر أخلاقية
ما دمنا كمسيحيين- ننظر إلي تعاليم الرب يسوع علي أنها دستور إيماننا، فمن الواجب علينا إذن- أن ندرس الظروف و الملابسات التي تحدث فيها السيد عن موضوع الزواج والطلاق، لأنها تلقي ضوءًا علي هذه القضية وتساعدنا في فهم الأبعاد المختلفة لفكر السيد المسيح فيها. فلقد جاء حديث السيد في هذا الموضوع في معرض رده علي سؤالِ وُجه إليه من قبل رجال الدين اليهودي، وهو ما يجعلنا نفترض بثقة أن إجابة الرب لهذا السؤال- علي طولها- لم تكن إلا مجرد عرض لطريقة تفكير الرب يسوع في قضية ما، دون محاولة التعرض للإجابة عن كل الأسئلة المثارة حولها، ودون الغوص في تفاصيلها! ولقد سأل الفريسيون الرب:"هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟" بشكل آخر، أرادوا أن يسألوه: هل أنت تتبني وجهة نظر الراباي "هليل" الذي توسَّع في الأسباب المؤدية إلي الطلاق توسعاً كبيراً، أم أنك مقتنع بنظرية الراباي "شمعي" الذي حصر أسباب الطلاق في العيوب الأخلاقية؟! ولعلنا نلاحظ- من إجابة الرب يسوع- ما يلي:
كان سؤال اليهود منحصراً في الطلاق وبواعثه، أما إجابة المسيح فقد دارت حول الزواج وأسباب بقائه ونجاحه، وكيف يجب أن يكون الزواج علي الصورة المثلي التي قصدها الله؛ مهندس ومشَّرع الزواج، منذ البدء.
إن المسيح- من خلال إجابته- قد خفَّف من قضاء الشريعة وأحكامها الشديدة علي من يرتكبون خطية "الزني"، فلم يكن عقاب الزانية أو الزانية هو الطلاق، بل القتل رجماً بالحجارة (تثنية22: 24) وربما لأجل قسوة اليهود الشديدة أثناء تنفيذ أحكام الإعدام بغيظ وغل، سمح لهم موسي بالطلاق، كإحدي المحاولات لتجنب المصير الدامي الذي يتعرض له كل من يسقط في هذه الخطية! وكأن موسي قد أراد أن يختار اليهود أهون الشرين، الطلاق بديلاً عن القتل! إن الرب يسوع، وهو يجيب عن هذا السؤال، قد قدم كعادته- إجابة تنم عن أن الكتاب المقدس هو كتاب للمبادئ وليس كتاب تشريع، فقد أرجع السيد سامعيه إلي الحالة الأولي التي خُلق عليها الإنسان؛"خلقهما من البدء ذكراً وأنثي" وفي هذه الحالة الأولي، لم يكن الطلاق فقط مجرد أمر محَّرم أو مكروه أو غير مستحب أو غير جائز، بل في الحقيقية كان أمراً مستحيلاً لأنه لم يكن في العالم إلا رجل واحد وامرأة واحدة، فلو فكَّر آدم في تطليق حواء لما وجد أخري ليتزوجها!!
إن المشكلة الكبيرة في تناول هذا النص(متي19) تتمثل في أن بعض الشّراح والمفسرين قد فهموا أن السيد المسيح قصد فعلاً- ألا يسمَح بالطلاق لأي سبب إلا لعلة الزني "حصراً"، بينما يقول آخرون إنه لم يكن في قصد المسيح أن يضع "تشريعاً" جامداً للطلاق، فوضع التشريعات لم يكن ضمن اهتمامات السيد، لكن حديثه كان مجرد شرح للصورة المثالية للزواج في نظر الله الخالق، وهي ارتباط الزوجين مدي الحياة!
ومما يدعونا إلي تبني وجهة النظر الثانية، باعتبار أنها "الأقرب" إلي المنطق السليم وإلي فكر المسيح من وجهة نظرنا، أن المسيح كان في الأغلب الأعم لا يضع تشريعات، ولا يدخل في تفاصيل الأمور التي يسأل فيها، بل كان- غالباً- يضع المبادئ أو ينبَّر علي القيم الأساسية ثم يترك التفصيلات جانباً، وقد يكون ذلك هو السبب الرئيسي وراء صلاحية تعاليم المسيح لكل عصر ولكل جيل، فالتشريعات- مهما سمت وارتقت- لابد أن تتقادم وتنتهي بمرور الأيام، ومن الواضح أن كل التشريعات الإنسانية، الوضعية منها والدينية (أي التي تستند علي أساس من دين)، قد أثبت الزمان عدم صلاحيتها، فالتطور والتغير الإنساني، علي كل المستويات، لابد أن يصحبه تطور علي مستوي التشريع والقانون، كما أن اختلاف ظروف وأحوال كل مجتمع هو سبب آخر لاختلاف التشريعات من دولة إلي أخري.
والحقيقة أن المسيح، في تصرفه ذاك، كان محقّاً كل الحق، لأنه "لَمْ يكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ."(يوحنا2: 25) فلقد أثبتت التجربة الإنسانية أنه لا توجد شريعة- مهما كانت واضحة أو صارمة- غير قابلة للالتفاف حولها أو التحايل عليها. وهذه هي مشكلة القلب الإنساني الخاطئ. إنه "سمكة أتعبت صياد الإنجيل"-كما يقولون.
ولا توجد تشريعات بشرية أو دينية مهما سمت- قادرة علي السيطرة علي جنوح هذا القلب وتمرده وعصيانه، إنها فقط "نعمة الله وحدها"- كما قال المصلحون- التي تستطيع أن تغير، ليس فقط موقف الإنسان كمتهم أو مذنب في حق عدالة الله، بل أيضاً يمكنها أن تُغير الإنسان نفسه من الداخل! إذ تمنحه طبيعة روحية جديدة حين يولَد بالروح القدس من فوق.
وقد يتبادر إلي ذهن البعض أننا- بهذه النظرة- نقلَّل من أهمية الكتاب المقدس ودوره الأسمي في هداية المؤمن وإرشاده في حياته الأرضية، وطوال رحلة سياحته حتي بلوغه بيته الأبدي بسلام، لكن الحقيقة أن هذه النظرة تُخرِجُ الكتاب المقدس من دائرة المحدود إلي دائرة المطلق، وتجعله صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان، فالمبادئ ثابتة وصالحة علي الدوام رغم أن التشريعات والقوانين قد تتغير حسب الزمان والمكان وتطور الإنسان! إن فهم الكتاب المقدس وتناوله باعتباره تشريعاً يمكن أن يفرِّغ الكتاب من قيمته وأهميته، ويجعل الكتاب المقدس عُرضةً لسهام التشكيك والمزايدة. ذلك لأن التشريعات- مهما كانت- هي بطبيعتها مؤقتة ومتغيرة حسب الحضارة والثقافة والظروف، ولعل آباء الكنيسة ولاهوتييها قد فهموا هذه الحقيقة جيداً واستوعبوها بوضوح. فها هو القديس أغسطينوس يقول في هذا الصدد "أحبب الرب بكل قلبك، ثم اصنع ما بدا لك". ولا شك أن من يحب الرب سيحفظ وصاياه، وسيحيا في مخافته، حافظاً للناس حوله حقوقهم، عاملاً لهم ما يحب لنفسه، فهذا هو الناموس كله والأنبياء. (متي: 12).
إن كلام المسيح لابد أن يفهَم في سياقه وقرينته، ولابد أن يوضع حديثه عن الزواج والطلاق في إطاره وقرينته، فلا يستطيع إنسانٌ عادي لم يقبل نعمة الله بعد، ولم يتمتع بالولادة الجديدة بواسطة الروح القدس، أقول لا يستطيع مثل هذا الإنسان أن يقبل مبادئ الأخلاق المسيحية ولا أن يحيا بها. إن الصورة المثالية التي يرسمها الكتاب المقدس عن الزواج تتطلب شرطاً أساسياً يسبق وجودها، إذ يتعين علي من يطلب منه أن يحقَّق هذا النموذج الكامل في حياته أن يكون مسيحياً حقيقياً حتي يتمكن من تطبيق التعاليم الإلهية، بسبب قوة التغيير التي يمنحها الله في الإنسان الباطن؛ في الإرادة والذهن والشعور. فمن دون معونة الله المستمرة وقوة نعمته المحركة والدافعة يصبح من العبث محاولة تطبيق هذا الفكر الكتابي!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.