تضامن بورسعيد تعلن شروط التقدم لمسابقة "الأب القدوة"    السيدة انتصار السيسي تهنئ جموع المصريين والأمة الإسلامية بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إعداد معلمي رياض الأطفال ب«تربية القاهرة للطفولة المبكرة»    الإنتاج الحربي: الرد على 762 شكوى واردة للوزارة بنسبة 100%    زحام على منافذ بيع اللحوم ب الدقهلية قبل ساعات من عيد الأضحى (صور)    «الحياة اليوم» يرصد أعمال توزيع اللحوم والملابس تحت مظلة التحالف الوطني بالجيزة    الهلال الأحمر الفلسطيني: 15 ألف طفل شهيد خلال الحرب.. ومئات الآلاف بلا غذاء    هيئة بريطانية: السفينة التجارية المستهدفة من قبل الحوثيين في البحر الأحمر مهددة بالغرق    ممدوح عباس: إبراهيما نداي كنز إفريقي ويجب التجديد لثنائي الزمالك    محمد هاني ينتظم في مران الأهلي الجماعي    مصر تحتل المركز ال18 عالميا في المؤشر العالمي للتأثير السياسي للرياضة    نجاح نفرة حجاج الجمعيات الأهلية عقب غروب شمس يوم عرفات إلى مزدلفة    فصائل فلسطينية: استهداف دبابة إسرائيلية في الحي السعودي غرب رفح الفلسطينية    محمد إمام يعلق على تعاونه الأول مع أسماء جلال في "اللعب مع العيال"    بمناسبة صيام يوم عرفة، توزيع وجبات الإفطار للمسافرين بالشرقية (فيديو وصور)    «على كرسي متحرك».. صفية العمري تؤدي فريضة الحج وتوجّه رسالة لجمهورها (صورة)    وكيل صحة دمياط يتابع سير العمل بمستشفى كفر البطيخ المركزي قبل إجازة عيد الأضحى    أسامة رسلان بقناة الناس: عرفة يوم المباهاة الإلهية والمناجاة العلية    الأوقاف: خطبة العيد لا تتعدى 10 دقائق وتوجيه بالتخفيف على المصلين    «من كل فجٍّ عميق».. السعودية تكشف عدد الحجاج هذا العام    تحذير مهم من «الإفتاء» بشأن تلويث البدن والثياب والممتلكات بدماء الأضاحي    «الزراعة»: متبقيات المبيدات يستقبل ويصدر 1500 عينة منتجات غذائية اليوم    موعد صلاة العيد 2024 في الأردن.. اعرف الأماكن    لكل مشتاق لزيارة بيت الله الحرام.. شاهد| دعاء مؤثر لأزهري من جبل عرفات    د. أيمن أبو عمر: يوم عرفة فرصة للطاعة والتوبة    مساجد الإسكندرية انتهت استعداداتها لاداء صلاة عيد الأضحى    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل؟.. الإفتاء تُجيب    الإسماعيلى متحفز لإنبى    «الغذاء والدواء السعودية»: شرب الماء بانتظام وحمل المظلة يقي الحاج الإجهاد الحراري    لا تتناول الفتة والرقاق معًا في أول يوم العيد.. ماذا يحدث للجسم؟    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    نقل حفل كاظم الساهر من هرم سقارة ل القاهرة الجديدة.. لهذا السبب    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحذر الحجاج من الوقوف في منطقة تقع على حدود جبل عرفات في السعودية ويشير إلى أنها "يفسد الحج".    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    وزير الصحة السعودى: انخفاض حالات الإجهاد الحرارى بين الحجاج    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثالث من يونيو 2024    ميسي يتصدر قائمة الأرجنتين النهائية لبطولة كوبا أمريكا 2024    وفاة حاج عراقي علي جبل عرفات بأزمة قلبية    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    أخبار الأهلي : هل فشلت صفقة تعاقد الأهلي مع زين الدين بلعيد؟ ..كواليس جديدة تعرف عليها    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعي تدخل «جينيس» ب4 أرقام قياسية جديدة    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    بقايا الجيل الذهبي تدافع عن هيبة تشيلي في كوبا أمريكا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    هالة السعيد: 8.6 مليار جنيه لتنفيذ 439 مشروعا تنمويا في البحيرة بخطة عام 2023-2024    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    يورو 2024.. أسبانيا تسعى لانطلاقة قوية أمام منتخب كرواتيا الطموح    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة في وقفة عرفة    «تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارك فكرية.. خصوم شوقى
نشر في المصري اليوم يوم 07 - 09 - 2009

يتصور البعض أنه تم تتويج أحمد شوقى أميراً لشعراء العربية بإجماع نقدى بلا منازع شعرى، والحقيقة غير ذلك فمثلما كثر مبايعوه فقد كثر معارضوه أميراً للشعراء.
ومهما يكن من أمر فإن هناك معركة حامية بين المؤيدين والمعارضين حتى إن هذه المعركة لم تهدأ بعد مبايعة أحمد شوقى أميراً للشعراء بل ظلت مضطرمة الأوار إلى أن شاء الله لها أن تنتهى، وفى واقع الأمر فإنها لم تنته حتى بعد موت شوقى حتى إن البعض رأى أن حافظ إبراهيم شاعر النيل والند الشعرى القوى لأحمد شوقى كان أحق بهذه الإمارة، ولعل شاعرا لم تدر حول شعره كل هذه المساجلات ولم يلق هذا القدر من الهجوم مثل شوقى وقدراً من أسباب الهجوم لا يخلو من كونه شاعر السراى.
كما أن شوقى كان صاحب سيف وذهب وكان حلقة الوصل وسفير الخديو إلى أصحاب القلم، كما كان شاعر الأمير إلى أن نفى فى أوائل الحرب العالمية الأولى فلما عاد تحرر من سلطان القصر غير أن رأى خصومه فيه ظل كما هو رغم ما طرأ عليه من تحول وتحرر من سلطان القصر.
وممن هاجموه وشككوا فى أحقيته بإمارة الشعر كان المازنى والعقاد وطه حسين ثم ما لبث أن هاجمه هيكل رغم أنه دبج له مقدمة «شوقياته» فلما حميت الحملة على شوقى آثر ألا يقف فى مهبها تفادياً لمغبتها وإيثاراً للسلامة، ورغم أن طه حسين والمازنى غيرا رأيهما فى شوقى فإن العقاد ظل ثابتاً على موقفه ورأيه فى شوقى وشعره.
ويذكر أن هيكل قبل انقلاب رأيه فى شوقى كان قد خصص عدداً استثنائياً فى جريدة السياسة فى شكل ملف عن شوقى إثر تتويجه أميراً للشعراء فى دار الأوبرا الخديوية القديمة عام 1927م ومهما يكن من أمر فإننا هنا نعرض لمقالات ثلاثة فى هذا السياق، الأول لزكى مبارك وهو مقال متحفظ لا يتضمن مدحاً ولا قدحاً وآخر للعقاد وثالث لهيكل.
هيكل: شاعر اللاأخلاق
علمت أن شوقى بك لفق بعض أخبار عن السياسة ومحرريها وانطلق وأطلق جماعة من صبيانه يذيعونها فى القهاوى وفى الطرقات فأصغرت ذلك منه وأعرضت عنه وأبيت أن أحدثه فيه لكيلا أحرجه بأن أصارحه بهذا التدلى إلى حضيض الخلق.
ولكنه لم يقف عند رواية أخباره الملفقة وإرسالها على ألسن صبيانه، بل جرت السفاهة على صفحات «نشرة» ينفق عليها لتصفق له ويدير تحريرها باسم مستعار لتنال من أعراض من يحسبهم خصومه، جرت بالطعن فى أعضاء اللجنة التى كرمته باتهام أعضائها جميعاً بأنهم «أرادوا أن يتخذوا من تكريمه أداة للنصب والظهور، ويتخذوا منها إعلانا عن أنفسهم وعن سلعهم البائرة وصحفهم الخاملة»، لم يستثن منهم أحدا على كثرة عددهم كما جرت بالأسف على أن لم يتول العمل أشخاص معينون ذكر اسمى من بينهم.
أنا لا أستطيع أن أجد لهذا التطور العجيب مبرراً من روية أو تفكير وإنما هو إسلام النفس للبطانة من الصبية فبعد ما كان شوقى يقدر بنفسه ما فى إصدار جريدة كالسياسة الأسبوعية لعدد خاص من التكريم وسوس إليه الصبية الملقون أنهم لا يرضون عن أن ينتقد، ويعتبرون أى نقد فى حضور رجال الأدب من مختلف بلاد الشرق العربى جناية على مجده تكاد تثله ففزع ثم اضطرب ثم لفق ثم جاء إلى الاسم المستعار.
كان شوقى يضيق بالنقد بل كان لا يطيقه، أما حافظ فكان يضيق بالنقد ولكنه يطيقه، أذكر يوماً من أربعين سنة خلت كنت فيه بمنزل عبدالرازق خلف قصر عابدين، وكان فى المجلس المرحوم مصطفى عبدالرازق وأخوه على عبدالرازق وحافظ.
وقد كانت بينى وبين شوقى مودة دامت عشر سنوات، وكان شوقى يضيق بالنقد ولا يطيقه ولعله كان يحسبه عيباً فى ذات أمير الشعراء كالعيب فى الذات الملكية، وكان الدكتور طه ينقد شوقى فى جريدة السياسة وأنا رئيس تحريرها وكنت التقى بشوقى كل مساء وكثيراً ما كنا نصطحب فى سيارته إلى منزلى وإنها لفى إحدى الليالى إذ قال لى: ما الذى يَقْصِدُ إليه صديقك طه من توجيه النقد إلى فى كل مناسبة، أيظن نفسه قديراً على أن يهدمنى؟ قل له إننى مجد تكوّن ومن المستحيل هدم مجد تكون وأنه ينطح بنقده صخرة لا تستجيب له.
ولم أعجب لهذا الكلام، إنما كان عجبى لأن شوقى كان يسرع إلى مقاطعة من ينقدونه، ثم كان يسرع إلى استرضائهم بكل وسيلة مستطاعة.
العقاد: يصنع اسمه بالتهليل
كنا نسمع الضجة التى يقيمها شوقى حول اسمه فى كل حين فنمر بها سكوتا كما نمر بغيرها من الضجات فى البلد لا استضخاما لشهرته ولا لمنعة فى أدبه عن النقد، فإن أدب شوقى ورصفائه من أتباع المذهب العتيق هدمه فى اعتقادنا أهون الهيئات، ولكن تعففنا عن شهرة يزحف إليها زحف الكسيح، ويضن عليها من قوله الحق ضن الشحيح، وتطوى دقائق أسرارها ودسائسها على الضريح، ونحن من ذلك الفريق من الناس الذين إذا ازدادوا شيئًا بسبب يقنعهم لم يبالوا أن يطبق الملأ الأعلى والملأ الأسفل على تبجيله والتنويه به فلا يعنينا من شوقى وضجته أن يكون لهما فى كل زفة، وعلى كل باب وقفة.
فإذا استطاع أن يقحم اسمه على الناس بالتهليل والتكبير والطبول والرموز فى مناسبة وغير مناسبة وبحق أو بغير حق فقد تبوأ مقعد المجد وتسنم مقعد الخلود، وعفاء بعد ذلك على الإفهام والضمائر وسحقا للمقدرة والإنصاف، وبعدا للحقائق والظنون، وتبا للخجل والحياء، فإن المجد سلعة تقتنى ولديه الثمن فى الخزانة وهل للناس عقول.
ومن كان فى ريب من ذلك فليحققه فى تتابع المدح لشوقى ممن لا يمدح الناس إلا مأجورا فقد علم الخاصة والعامة شأن تلك الخرق المنتنة تعنى بها بعض الصحف الأسبوعية، وعرف من لم يعرف أنها ما خلقت إلا لسلب الأعراض والتسول بالمدح والذم، وأن ليس للحشرات الآدمية التى تصدرها مرتزق غير فضلات الجبناء وذوى المآرب والجزازات، خبز مسموم تستمرئه تلك الجيفة التى تحركها الحياة لحكمة كما تحرك الهوام وخشاش الأرض فى بلد لو لم يكن فيه من هو شر منه لماتوا جوعا أو تواروا عن العيون. هذه الصحف الأسبوعية وهذا شأنها وتلك أرزاق أصحابها تكيل المديح جزافا لشوقى فى كل عدد من أعدادها وهى لا تنتظر حتى يظهر للناس بقصيدة تؤثر، أو أثر يذكر.
بل تجهد نفسها فى تمحل الأسباب واقتسار الفرص، فإذا ظهرت له قصيدة جديدة وإلا فالقصائد القديمة فى بطون الصحف، وإن لم يكن شعر حديث ولا قديم فالكرم والأريحة والفضل واللوذعية.
إن امرأ تبلغ به محنة الخوف على الصيت هذا المبلغ، لا يدرى مم يستكنف فى سبيل بغيته وأى باب لا يطرقه تقربا إلى طلبته والحق أن تهالك شوقى على الطنطنة الجوفاء قديم عريق ورد به كل مورد وأذهله عما ليس يذهل عنه بصير أريب، وليس المجال بمنفسح للتفصيل ولا الفرصة سانحة لجلاء الغوامض.
المازنى: ليس بشاعر
ليس شوقى عندى بالشاعر ولا شبهه، وإنه لقطعة قديمة متلكئة من زمن غابر لا خير فيه، يغنى عنه كل قديم ولا يضيف هو إلى قديم أو حديث، وما أعرفنى قرأت له شيئًا إلا أحسست أنى أقلب جثة ملئت صديدا وشاع فيها الفناء علوا وسفلا، وعسى من تستفظع هذا ويرى فيه غلوا.
ولهذا يقول إن مقياسنا كان ولازال، أن الجيد فى لغة جيد فى سواها والأدب شىء لا يختص بلغة ولا زمان ولا مكان لأن مرده إلى أصول الحياة العامة لا إلى المظاهر والأحوال الخاصة العارضة، فمن كان يكابر بالخلاف فى أن شعر شوقى كما نصف، فما عليه إلا أن يتناول خير ما يذكر له وأبرعه فى رأى أنصاره ثم فلينقله إلى لغة أخرى ولينظر بعد ذلك مبلغه من الفساد والاضطراب والاعتساف والشطط والسفه والغلو والخلو من الصدق والعجز عن صحة النظر.
وليت شوقى لا يسمو عن المطروق والمألوف والمبتذل، إذن لكانت على الأقل مزية الفطنة إلى ما كانت له فى زمنه طلاوة الجدة فإن المطروق اليوم كان مبتكرا بالأمس، وإنا لنمط شفاهنا الآن إذا نرى كاتبا أو شاعرا يشبه وجه الحبيب بالقمر أو غيبته بالنجوم.
والمرء إما أن يكون شاعرا أو لا يكون ولا وسط هناك، أفإن كان شوقى عندكم شاعرا فقيسوه إلى شعراء الدنيا من مثل شكسبير وجوتيه وملتون وهاردى ودانتى. فإن لم يقف به مكانه بينهم فهو ما زعمتم، وإلا فاعلموا أن الشعر ليس الوزن والقافية وأن من أول خصائصه قدرته على النقل ولسنا نعنى المقدرة على التصوير بالألوان بل تناول الأشياء بحيث يوقظ هذا التناول فى نفس القارئ إحساسا تاما قويا بالشىء وبصلتك به.
لا سيدى هيكل بك: هذه معابثة لا مطايبة فيها تقيمون كل هذه الضجات والضوضاء حول شوقى وتحفونه بالزمر والطبل فى أرجاء المعمورة كلها ثم تعمدون إلى رجل خفيض الصوت مثلى تدعونه إلى أن ينهض وسط هذه الزفات المجلجة ليفضى إليكم برأيه الصريح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.