منذ أيام قليلة غربت شمس عام 2009 عن العالم بأثره تاركة من خلفها العديد من الأحداث الإيجابية والسلبية علي مختلف الأصعدة، والتي قد يستمر البعض منها إلي ما بعد شروق الشمس عام 2010 م. ولعل من أهم الأحداث التي شهدها العام المنصرم علي المستوي العالمي، والتي أثارت الكثير من الجدل هو الخطاب أو الرسالة التي وجهها الرئيس الأمريكي أوباما من القاهرة إلي العالم الإسلامي، مع كل التقدير والاعتراف بقدرات أوباما الخطابية، وخلفيته الثقافية الجيدة، فإن خطابه جاء مخيباً لآمال الكثيرين علي أكثر من مستوي، ومن وجهة نظري، وقد أثبتت الأيام إن الخطاب لم يكن به أي جديد، سوي التأكيد من السمة الرئيسية لشخصية أوباما، ومن ثم سياسة الإدارة الأمريكيةالجديدة، وهي البراجماتية حتي النخاع، وليس شيئاً آخر. الخطاب اشتمل علي قضايا أخري، ولكنها كانت كلها في نفس الإطار الذي تم الإعلان عنه من قبل فقد ركز أوباما في خطابه علي سبع قضايا هي العنف والتطرف، والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب والمسئولية المشتركة حيال السلاح النووي، والديمقراطية وحرية الأديان، وحقوق المرأة، والتطور والفرص الاقتصادية، لم يتحقق منها شيء حتي الآن، سوي حصول أوباما علي جائزة نوبل للسلام! القضية الأخري والأخطر علي المستوي العالمي أيضاً هي الأزمة الاقتصادية وكما يقول الدكتور سمير مكاري أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، فمنذ أواخر الثمانينيات وحتي أوائل عام 2007 تحقق للولايات المتحدةالأمريكية والعديد من دول أوروبا فترة رواج طالت عن توقعات كل الاقتصاديين ( حوالي 20 عاماً) حيث صاحب ذلك تسهيلات ائتمانية للمستهلك بشكل مبالغ فيه الأمر الذي أدي إلي تزايد الطلب بشكل كبير فاق الطاقات الإنتاجية المتاحة والعرض المتاح من السلع، الأمر الذي شجع المستثمرين والشركات الإنتاجية علي التوسع في الإنتاج من خلال الحصول علي تسهيلات ائتمانية تميل إلي حد التسيب ودون الخضوع لسياسات البنك المركزي والقواعد الحاكمة للبنوك التجارية إذ أن معظم هذه التسهيلات جاءت من خلال بنوك الاستثمار والتي لا تخضع لرقابة البنك المركزي. وقد أدي هذا التسيب في التسهيلات الائتمانية إلي التوسع في الإنتاج بالقدر الذي لا يتناسب مع حجم الطلب والذي أخذ في التراجع نتيجة لتراجع التسهيلات الائتمانية للمستهلكين، والتي استندت علي أوراق مالية لا تعكس القيمة الحقيقية للسلع. وقد كان من الطبيعي أن يؤدي هذا إلي اختلال العلاقة بين العرض والطلب وعدم قدرة الوحدات الإنتاجية علي تصريف منتجاتها وحدوث فائض في السلع الأمر الذي حدا بالشركات والقطاعات الإنتاجية إلي خفض الإنتاج وطرد أعداد متزايدة من العمالة وارتفاع نسبة البطالة لتصل إلي 9٪ - 11٪ ( في الولاياتالمتحدةالأمريكية) وقد ساعد علي ذلك اتجاه العديد من الهيئات التمويلية خلال الفترة 2002 - 2006 إلي المبالغة في تقدير قيمة العقارات وإعادة تقييمها ومنح مزيد من الائتمان لأصحاب العقارات، الأمر الذي أدي إلي تزايد قيمة أقساط السداد بقدر يفوق القدرة الداخلية لأصحاب العقارات ومن ثم عدم القدرة علي السداد. وقد تضافرت كل هذه العوامل في حدوث أزمات مالية لكل من المنتجين والمستهلكين وأصحاب العقارات مما أدي إلي ارتباك النشاط الاقتصادي وحدوث أزمة مالية علي مستوي الاقتصاد القومي لهذه البلاد وفي محاولة لتخفيف أثر الأزمة المالية التي بدأت بوادرها في الظهور، اتجه العديد من الهيئات التمويلية والتي كانت تضارب علي الأوراق المالية إلي المضاربة علي بعض السلع التي تتميز بالتجانس مثل البترول والسلع الزراعية (القمح) حيث أدي هذا إلي ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه يفوق قيمتها الحقيقية حيث أدي هذا إلي مزيد من التدهور، وتفاقم حجم الأزمة المالية (تشوهات سعرية). وعلي الرغم من ذلك فقد لفتت الإجراءات والسياسات الاقتصادية والمالية التي اتخذتها الصين لمواجهة هذه الأزمة اهتمام كل المتابعين، حيث استطاعت تجاوز أصعب المراحل بتحقيق نمو وصل مع نهاية العام لنحو 8.5٪ وفي المقابل أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية إفلاس أكثر من 50 بنكاً منذ بداية العام وحتي الآن. أما علي المستوي الديني، فقد واجه الإسلام ومنذ بداية العام المنصرم العديد من المشكلات داخل المجتمع الغربي، بدأت في يناير الماضي مع دعوة بعض دول الاتحاد الأوروبي لحظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية في مختلف بلدان الدول الأعضاء والبالغ عددها سبعاً وعشرين دولة، وقد رفض البرلمان الأوروبي هذه الدعوة، وما أن انتصف العام حتي سقطت شهيدة الحجاب مروة الشربيني صريعة أمام أسرتها علي يد متطرف ألماني من أصل روسي، أمام إحدي المحاكم الألمانية التي كانت تنظر قضيتها ضد هذا المتطرف، وقبل أن يلفظ العام أنفاسه الأخيرة، أقر الناخبون في سويسرا حظر إقامة المآذن متحدين الحكومة والبرلمان اللذين حذرا من عواقب هذه المبادرة التي تمثل انتهاكاً للدستور هناك. أما علي المستوي المحلي، فكانت ومازالت أزمة النقاب هي الشغل الشاغل للقيادات الدينية داخل المؤسسة الدينية، وداخل الجامعات أيضاً، والتي أمتدت إلي ساحات القضاء. كما شهد أيضاً عام 2009 نمو تيار الليبرالية والعلمانية في العديد من دول العالم، بعضها كان يمثل الفكر المنغلق وذلك في الوقت الذي شهد تراجعاً سياسياً ملحوظاً لدي العديد من التيارات الدينية كما حدث مؤخراً في الانتخابات العراقية، وفي إقليم كوردستان، أيضاً في مجلس الأمة الكويتي، وفي إيران وغيرها. وعلي المستوي الثقافي العربي، وضمن فعاليات الاحتفال بإعلان القدس عاصمة للثقافة العربية هذا العام، حصلت الكاتبة سهاد قليبو علي جائزة أحسن كتاب عن القدس بحثاً ودراسة وتاريخاً، كما حصل الكاتب المصري الدكتور يوسف زيدان علي الجائزة العالمية للرواية العربية النسخة العربية من جوائز بوكر البريطانية للأدب وذلك عن روايته المثيرة للجدل عزازيل. وعلي المستوي المعرفي، فإن انطلاق أول نطاق عربي لمواقع الشبكة العنكبوتية، والذي عرف باسم إعلان مصر هو أحد الأحداث الذي شهدها نفس العام، ذلك إلي جانب الطفرات الهائلة في مجال البرمجيات والأجهزة الإلكترونية. وأخيراً وليس آخراً لعل هذا العام هو الأكثر حظاً بالنسبة للمرأة علي جميع المستويات الدولية والإقليمية والمحلية حيث تبوأت المرأة الكثير من المواقع السياسية لأول مرة في العديد من الدول، وها هي تستعد لخوض الانتخابات التشريعية في مصر طبقاً للنظام الجديد.