يؤكد مايكل أنجلو ياكوبوتشي في كتابه أعداء الحوار، أن الرحلة بين أعداء الحوار دائما ما تبدأ من خلفية دينية، باعتبار أن الدين أحد أضخم الموضوعات التي تفرض نفسها في كل حديث عن اللا تسامح، ودائما ما تحظي منه بنصيب الأسد، وحتي وقت قريب كان الكثيرون يدعون أن شمس الدور الذي يلعبه الدين قد غربت إلي الأبد، لكن علي العكس فلقد عادت من جديد بقوة كأحد العوامل الأساسية علي الساحة الدولية. من المعروف انه بدءا من عام 9791، وقبل نهاية الحرب الباردة كانت الثورة الايرانية الخومينية تشكل صحوة النزعة الاسلامية الجهادية. وعاد الدين من جديد ليكون دفعة قوية من أجل انتفاضة روحانية وسياسية، في جميع أرجاء الامة الاسلامية. وفي نفس الوقت شهدت أمريكا اللاتينية ميلاد ما يعرف بلا هوت التحرر، كما لعبت الكنيسة الكاثوليكية في بولندا دورا بارزا في انحدار الشيوعية العالمية، كذلك الصين التي شهدت في الفترة ما بعد ماوتسي تونج نهضة شديدة للبوذية والكونفوشية، ولعل عملية انتخاب جورج بوش الابن، يرجع جزء كبير منها إلي العامل الديني. معظم هذه الاحداث، وعبر السنوات التالية لها، أكدت أن الدين اصبح علي غير المتوقع، منبعًا أوليا من منابع اللا تسامح، لاسيما فيما يتعلق بكراهية الأجانب، والعنصرية، والاضطهاد، والتي تبدو من أول وهله أنها لا ترتبط بالعامل الديني، لكنها أصبحت بديلة له، أو مرتبطة به، وإلا كيف نفسر أعمال العنف التي شاهدناها خلال الفترة الماضية من القتل الشعائري الي الانتحار الجماعي، ومن اضطهاد المنشقين إلي الحرب المقدسة التي جرت في أماكن مختلفة باسم العقيدة الدينية. كيف يمكن أن نقتل إرضاء لله؟ سؤال نطرحه اليوم أكثر من الأمس، سؤال طرح إبان الحرب الإيرانية - العراقية، فقد قيل: إن القوات الإيرانية كانت ترسل بأطفال صغار إلي داخل حقوق الالغام كي يفتحوا الطريق أمام جنود المشاة، وكانوا يعلقون علي صدورهم مفتاحا صغيرا هو مفتاح الفردوس الذي سيفتح لهم مقابل هذه التضحية. نفس السؤال حينما قام شاب يهودي بقتل اسحاق رابين رئيس وزراء اسرائيل الاسبق عام 5991، والذي صرح عقب القبض عليه قائلا لقد أمرني الله بذلك!!.. وهكذا نجد أن البعض استخدام الدين هنا وهناك لتبرير أعمال اجرامية يقومون بها، وهي أبعد ما تكون عن الدين. ومن هنا نجد أن هناك ارتباطًا بين اللا تسامح الديني، والعديد من العوامل الاجتماعية والسياسية، فعندما يقوم الدين علي مسلمات، يصل اللا تسامح الي ذروته، حيث لا تكفي الطاعة المطلقة لتعاليم الدين، والمستقاة من قبل بعض رجال الدين المتشددين، بل سيكون المطلوب هنا السيطرة علي نفوس المؤمنين، وضمائرهم وطريقة تفكيرهم، ومن ثم يكتسب احتكار المؤسسة الدينية لتفسير النصوص المقدسة اهمية قصوي، حيث يعتبر بعض رجال الدين أنفسهم هم المؤهلون لتحديد ما يمكن أن يمس من العقيدة، والجزء الذي لا يجوز المساس به مهما كانت الظروف أو الأسباب. وهنا نجد أن السلطة الدينية قد اضطلعت لنفسها بواجب يفوق القيمة الحرفية لكلمة الله. من هنا تبدو أهمية الفصل بين الدين والسياسة بكل أشكالها، وذلك لن يتأتي إلا من حرمان الزعامات الدينية من دعم السلطة المدنية، وحرمان الزعماء السياسيين من ارتداء العباءة الإلهية مع التأكيد علي أن هذا فقط لن يكون هو الحل الجذري لمشكلة اللا تسامح المشتقة عن تسييس الدين، بعد أن تحولت المشكلة إلي مشكلة سياسية من خلال فتح الباب امام العديد من الأيديولوجيات الشمولية والاستبدادية التي نصبت نفسها مفتشا علي الضمائر، وجعلت من اللا تسامح المطلق نحو المخالفين في الرأي، أحد أهم المعالم المميزة لها.