ليس من اللائق الحديث عن مساوئ وزير التعليم السابق الدكتور يسري الجمل بعدما ترك موقعه وأدي مهمته في حدود قدراته والامكانات التي اتيحت له، وحال التعليم كان سيئاً قبل أن يأتي الجمل، ولا أعتقد أنه سينصلح بجهود الوزير الجديد الدكتور أحمد زكي بدر، قد يحدث تغيير في الشكل دون المضمون، لأن المضمون يحتاج إلي ثورة تعليمية يشارك فيها كل المجتمع. قد يعالج الوزير الجديد قضايا هامشية تتعلق بمصل أنفلونزا الخنازير مثلاً أو بمد إجازة نصف العام أسبوعاً أو يبقي عليها كما هي أو يرضي العاملين الإداريين في وزارته بأن يشملهم الكادر أو قد يعيد الانضباط إلي الإدارات التعليمية ويشدد علي الحضور والانصراف. أما النهوض بالتعليم فيحتاج إلي مشروع قومي تتبناه الدولة بمشاركة كل قطاعات المجتمع تعمل الحكومة بكل وزرائها علي تنفيذه، حينها يكون وزير التربية والتعليم ومعه وزير التعليم العالي المايسترو الذي يضبط الايقاع والهارموني والأداء. هل يستطيع أحمد زكي بدر أن ينشيء مدرسة في كل حي ليقضي علي تكدس الفصول ويخفف من كثافتها؟ وهل يضمن أن تعود المدرسة مكاناً للتربية بحق والتعليم بجد؟ هل لديه القدرة علي نسف المناهج الحالية واختيار مناهج دراسية تحرك عقول التلاميذ والطلاب وتخلق لديهم قدرات الابتكار والإبداع؟ هل يستطيع أن يواجه مافيا الدروس الخصوصية ويغلق مراكز الدروس الخصوصية ويطارد المدرسين الذين يذهبون إلي البيوت لتلقين الطلاب دروساً خصوصية؟ هل سيعيد الوزير الجديد الثقة لدي الأهالي والطلاب والتلاميذ ويجعل من حضور الحصص ضرورة بغض النظر عن دفتر الغياب؟ هل لدي الوزير خطة للقضاء علي كابوس الثانوية العامة وارتفاع وانخفاض المجموع؟ هل يملك آليات تجعله يحول الشعارات التي ترفعها الحكومات المتعاقبة إلي واقع أم ستبقي الحكومة في واد والناس في واد آخر وبعضهم يعتقد أن "العلم في الراس مش في الكراس"؟ هل سنبقي كلنا أسري مقولة إن تطور التعليم لا تظهر نتائجه سريعاً وعلينا أن ننتظر المستقبل لنري كيف نتطور وهي المقولة التي يرددها كل وزير لا يحقق إنجازاً ملموساً؟ وأبسط من ذلك هل لدي الوزير القدرة للضغط علي أجهزة المحليات لرفع أكوام القمامة التي تكدست خلف اسوار المدارس؟ هل يستطيع فرض نماذج هندسية للمدارس الجديدة تضمن وجود ملاعب ومعامل وساحات خضراء واماكن للترفيه؟ هل يصدق أحد أن تغيير وزير للتربية والتعليم يكفل عودة الكرامة إلي المدرس والمدرسة وحال المدرس يصعب علي أبو لهب وأوضاع المدرسين "لا تسر إلا كل عدو"؟ لم تكن الأسئلة من باب التشاؤم أو إطفاء الأنوار قبل إضاءتها وإنما لتوضيح الأمور ووضعها في مسارها الصحيح حتي لا يتصور البعض أن وزيراً سوف يغير الأحوال في القطاعات التي تتبع وزارته سواء في وزارة التربية والتعليم أو غيرها خصوصاً في الوزارات ذات العلاقة المباشرة بالمواطنين. ليس سراً ان الناس لم تفخر كثيراً بخبر تغيير وزير التربية والتعليم فالغالبية كانوا يتمنون تغييراً وزارياً شاملاً ففاجأهم "التبديل الوزاري" الذي لا يصل إلي مستوي التعديل. ناهيك عن التغيير، أما التلاميذ والطلاب والأهالي فليس أمامهم سوي الانتظار وبعضهم بحث في السيرة الذاتية للوزير الجديد ونقبوا عن إنجازاته أو قدراته الخاصة، وهناك من تساءل هل نجح في تغيير الأوضاع في جامعة عين شمس التي كان مسئولاً عنها فلم يجد تغييراً ملموساً وآخرون أخذوا الأمر بمزاح وهنأوا طلبة الجامعة وأساتذتها علي رحيل بدر عنهم!! لكن الأمر يجب أن يخرج عن مجال السخرية أو إذ يتعلق بالمستقبل وإذا كنا غير راضين عن الحاضر في مجالات مختلفة بينها التعليم فإن ما يدعو إلي الكآبة والرعب أن يبقي الحال علي ما هو عليه فما بالنا إذا تدهور؟. لسنا وحدنا في هذه الدنيا والأمم تتطور من حولنا والتعليم لدينا يتدهور سنة بعد أخري والأمر صار يحتاج إلي أكثر من مجرد تغيير وزير أو حتي حكومة، وإذا أردنا ان نسير مع العصر ولا ننفصل عنه وأن نقترب ولو بقدر من الأمم التي تقدمت فإننا نحتاج إلي مشروع قومي علمي يتجاوز الشعارات إلي العقل والكلام إلي العمل وتدبير النفقات "بالعافية" إلي الإنفاق بوفرة علي المستقبل. أما إذا اختزلنا القضية في رحيل يسري الجمل ومجيء أحمد زكي بدر فعلينا أن ندرك أننا نسير بسرعة وقوة إلي الخلف.. كما كنا نفعل دائماً.