في مجلات ميكي القديمة، وأفلام هوليوود الأبيض وأسود، كانت هناك شخصية مشهورة تظهر في مشاهد الاحتفالات والمهرجانات والسيرك.. وهي شخصية الهندي الذي يلف رأسه بالعمامة الهندية العالية ويلبس بنطالاً منفوخاً ولا يلبس شيئاً علي النصف العلوي من جسده، بل يرقد علي اللوح الخشبي المليء بالمسامير الحديدية التي تدخل في جسده العاري وهو صامت لا يتأوه.. وكان القراء والمشاهدون يعتقدون أن رقاد الهندي علي المسامير نوع من السحر المشوب بالغرابة مثله مثل الذي يبتلع النار في جوفه مثلاً. وقد تذكرت الهندي والأفلام ومجلة ميكي حينما قرأت خبر إنتاج (المرتبة) ذات الأشواك في السويد علي نطاق واسع ونزولها إلي الأسواق في ستوكهولم العاصمة السويدية.. وتتكون (المرتبة) من (الفوم) والقطن، وبها أشواك بلاستيكية حادة مؤلمة، وكلما قل عدد الأشواك زاد الألم.. ويتراوح عدد الأشواك من 4 آلاف إلي 8 آلاف.. ويتراوح ثمن (المرتبة) المؤلمة بين 50 و115 دولاراً. إذاً فالأمر ليس كما كنا نظن، والمسامير توجع جسد الهندي، وهي بالنسبة له نوع من التصوف المرتبط بتحمل الألم.. ولا تقف القصة عند هذا الحد من التحمل بل اتضح أن ألم الهندي في واقع الأمر ذو فوائد عدة اكتشفها العلم مؤخراً بدليل إنتاج هذه (المراتب) ذات الأشواك.. ويظهر أن السبب الرئيسي وراء التأثير الرائع للألم بالأشواك هو اندفاع الأدرينالين ومن ثم الشعور بالراحة.. ويقول مقتنو (المراتب) ذات الأشواك إنها تعالج اضطرابات النوم، والصداع النصفي، وأزمات الربو، وآلام الظهر.. وبقليل من التأمل نجد أن أهم فوائد الألم هو أنه يحذرنا من الخطر.. فلو لم يكن المرض مؤلماً لما علمنا بوجوده، ولو لم تكن إصابة الجسد مؤلمة لما تنبهنا لجروحنا ولتركناها تنزف.. ولو لم نتألم أيضاً ألماً نفسياً لما عرفنا أن لنا مشاعر تتأثر وتتألم، ولما حاولنا إزالة الألم لتستقيم مشاعرنا وتصح نفسياتنا.. أعرف ولداً لا يتألم نفسياً من أي شيء.. إذا تركه أصدقاؤه، وإذا أهمله أحباؤه، وإذا لم يهتم أحد بما يقوله أو يصنعه، وحتي إذا لم يجد أي أحد من حوله يحبه، لا يتألم ولا يتأثر.. وهو لا يضحك أبداً لأنه لم يبك طوال حياته أبداً.. والذي لا يعرف الحزن لا يمكن أن يعرف الفرح.. وقرأت عن فتاة ولدت بدون شعور بالألم الجسدي، فكانت حياتها سلسلة من المآسي.. بدأت بتشوه يدها من جراء حرقها فوق (البوتاجاز) وهي لا تشعر بالألم لولا تدخل والدتها في آخر لحظة.. إذ لم يكن المخ عند هذه الفتاة يستقبل أي إشارات بالألم من جسدها، وبالتالي لا تشعر هي بأي ألم.. ومن الواضح أن للألم فوائد لم يكن يلتفت لها الإنسان، ولما اكتشفها صار يبحث عن الألم ويدفع فيه الدولارات ويترك الأسرة الوثيرة والراحة المبتغاة ليقتني بعض الألم.. فالألم إذاً دواء ووقاية يشفي من الأمراض ويمنع الإصابات..