كان أحد الفنانين المصريين المشاهير من بين الذين حضروا مباراة الجزائر في أم درمان يعاني من آلام معوية.. فأوقف الأتوبيس الذي يركبه مع زملاء له.. وطرق باب بيت سوداني طالبًا أن يقضي حاجته!! تخيل المشهد: شخص غريب يطرق بابك دون سابق معرفة.. ومن بلد آخر.. ويريد أن يستخدم حمامك، لابد أنك سوف تدهش كثيرًا.. لكن الأشقاء أصحاب البيت من أهلنا في السودان رحبوا بالفنان المصري.. وأحاطوه بحفاوة تليق به.. وتتجاوز حالته الصحية وظرفه الطارئ. آثرت أن أشير إلي تلك الواقعة المؤكدة.. وأنا أتابع التطورات التي شارك فيها فنانون مصريون.. وإذا كانت الاتحادات الفنية المصرية قد سارعت بأن تقطع علاقاتها.. وتعلن نوعًا من المقاطعة للأنشطة الفنية في الجزائر.. فإن من يمكنه أن يقطع عليه أيضًا أن يكون همزة للوصل.. إذا كنا نعاقب من تعدوا علينا.. ولاحقونا بالسكاكين من همج الجماهير الجزائرية.. فإن علي فنانينا أن يكونوا إيجابيين علي الجانب الآخر.. ويضفون لمسة تزيد من عمق تواصلنا مع السودان الذي أكرمنا.. والاقتراحات في هذا السياق كثيرة. مثلاً: رجال الأعمال الذين سافروا بطائرات إلي السودان يمكنهم أن يمولوا رحلة لمسرحية مصرية شهيرة.. مسرحية عادل إمام مثلاً لماذا لا تعرض في الخرطوم؟ أو أن يقام أسبوع للأفلام المصرية التي توزعها إسعاد يونس.. مجانًا في أم درمان.. أو أن يرسل الإعلام المصري برنامجه الأشهر (البيت بيتك) لإذاعة حلقة خاصة من العاصمة السودانية.. وهذه القنوات المصرية الخاصة التي تتلقي انتقادات متنوعة لأنها وقفت بصرامة ضد السودان.. يمكنها أن تقدم حلقة جماعية علي الهواء من هناك بدورها نتعرف فيها علي جوانب مختلفة من شئون الرياضة وغيرها في السودان. أمور عديدة يمكن أن تجري في هذا السياق.. وكما نقطع فإننا نصل.. وكما ننتقد الآخرين لأنهم أساءوا إلينا فإننا نستطيع أن نعبر عن امتناننا لغيرهم رحبوا بنا. وقد ثار في الأيام الأخيرة سؤال جوهري لم يجد إجابة حتي الآن.. وهو: لماذا اختار اتحاد الكرة من جانبه السودان لكي تكون ملعبًا للمباراة الفاصلة مع الجزائر؟ وقد يكون من اختار قد فضل مكانًا مضيافًا قريبًا.. حيث الأشقاء في جنوبالوادي.. بغض النظر عن أمور لوجيستية عديدة. ولا أريد أن أخوض في تفاصيل هذا الأمر كثيرًا.. في ضوء أن أوضاع الدول المحيطة كلها تقريبًا متشابهة.. وقد هبطنا بالمباراة علي السودان الذي لم يكن له فيما جري ناقة ولا جمل.. ولكنني أجد هذا مناسبة لكي أطرح بعض الأفكار والأمور.. التي تزيد من تواصلنا مع السودان الشقيق.. وأيضًا تعبر عن تقديرنا لضيافته في المباراة الأخيرة.. وهو أمر متوقع في ضوء علاقاتنا التاريخية.. وفي ضوء أننا نستضيف بالفعل بضعة ملايين من الإخوة السودانيين منذ سنوات بعيدة. وأتساءل، قياسًا علي الاقتراح الذي قدمته جريدة جزائرية بإقامة مباراة في الخرطوم بين الجزائر والسودان.. احتفاء بالسودان.. أليس هذا الاقتراح نحن أولي به.. علي أن نذهب بكل النجوم الذين خاضوا مباراة الجزائر.. وألا يمكن لاتحاد الكرة والناديين الكبيرين في مصر الأهلي والزمالك أن يقيما دورة مصغرة في الخرطوم بين الأهلي والزمالك وأهلي السودان والمريخ.. ولن يغلب الاتحاد في أن يجد تغطية مالية للحدث برعاية أي من القنوات الفضائية. ثم لماذا لا نوسع الأمر بعض الشيء.. ونرتب لإقامة مسابقة أكبر بين الأندية الفائزة بالدوري في الدول التي تنتمي لحوض النيل.. علي أن تقام في القاهرة.. وتشارك فيها أندية: مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو ورواندا وبروندي وتنزانيا.. وكلها دول ينمو فيها نشاط كرة القدم.. أو حتي أن نقيم بطولة للمنتخبات بصفة دورية كل عامين.. تسمي بطولة وادي النيل أو بطولة النيل . عشرات من الأفكار التي تمد الجسور.. ومن بينها ما يستفيد من ولع الناس بكرة القدم.. وعشقهم لها.. وانشغالهم بها.. وتؤجج روح التنافس.. وتقرب بين الشعوب.. وتجعل معلقي الكرة قادرين علي أن يقدموا للناس معلومات عن هذه الدول التي تتعلق بها مصالحنا الحيوية ولا يعرف عنها الناس أنفسهم الكثير.. إن كانوا يعرفون عنها شيئًا من الأصل.. لأسباب لا تتعلق بهم هم. وإذا ما عدت إلي السودان.. فإننا في حاجة إلي مزيد من التواجد الثقافي بين إخوتنا هناك.. والتفاعل الفني.. والصحفي.. هذا شعب شقيق.. التواصل معه لا يكون بالكلمات وحدها أو من خلال العلاقات الرسمية فقط.. أين معارض الكتب؟ حتي لو قال الناشرون إن القوة الشرائية ضعيفة.. أين المعارض التجارية؟ أين الأنشطة الفنية؟ أم أن علينا أن نترك الجار القريب لأصدقاء بعيدين ببشرة صفراء.. يتناثرون يومًا تلو آخر بين جنباته.. يأتون من الصين. ويا سلام لو قررت شركة المقاولون العرب أن تتطوع بإصلاح ما حطمته الجماهير الجزائرية في استاد أم درمان.. أو أن تتقدم شركة من شركات مقاولات قطاع البترول لكي تعيد بناء صالة الحجيج التي هدمها غوغاء الجزائر في مطار الخرطوم. هذه أمور لابد من الانتباه إليها.. وهذه جسور لابد أن تقام.. فإذا كنا لا نستطيع ماليا أن نبني الكباري الضخمة كما تفعل الصين في السودان.. فإننا يمكن أن نقيم ما هو أقوي منها.. وما بيننا وبين السودان أعمق وأقوي مما بين السودان والصين أو السودان والجزائر.. أو السودان وغيره.. فكروا قليلاً.. وليس علي الحكومة أن تقوم بكل شيء.. وإنما علينا نحن كقادة رأي وكنخبة أن نقود التحرك الإيجابي.. كما قدنا التحرك الغاضب في اتجاه آخرين. [email protected] www.abkamal.net