وها هي واشنطن تمشي وراء الإسرائيليين كما عودتنا، وتعلن أنها ترفض أي اجراء أحادي الجانب لاعلان الدولة الفلسطينية. ومع ذلك لم يتوقف الانزعاج الإسرائيلي.. أو هكذا يبدو من مجرد ذهاب الفلسطينيين إلي مجلس الأمن للحصول منه علي قرار يقضي بقيام الدولة الفلسطينية علي حدود 7691 وعاصمتها القدسالشرقية.. وبعد نتانياهو انطلق عدد من الوزراء في حكومته يهددون الفلسطينيين بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا هم فعلوا ذلك. ورغم التهديدات الإسرائيلية بإعادة احتلال الضفة بالكامل فإن الفلسطينيين مازالوا يتمسكون بالذهاب إلي مجلس الأمن الذي ينتظرهم فيه الفيتو الأمريكي بالقطع بعد أن عارضت واشنطن علناً خطواتهم وربما ينتظرهم، فيتو أوروبي أيضا، وإن كان صائب عريقات قال: إن الأوروبيين لا يعارضون هذه الخطوة الفلسطينية. الفلسطينيون يقولون إنهم لن يخسروا الكثير، لأن الضفة الغربية محتلة بالفعل، والجيش الإسرائيلي يدخل إلي عمق أي مدينة أو جزء منها وحتي بالقرب من مقر السلطة الفلسطينية وهو يعتقل يوميا من يريد من الفلسطينيين. كما أن حواجزه تخترق الضفة في أماكن شتي، فضلا عن أن كلا من الضفة وغزة تقع تحت حصار بري وبحري وجوي اسرائيلي، ولا يستطيع أي فلسطيني بمن فيهم رئيس السلطة الفلسطينية ذاته الخروج من الأراضي الفلسطينية سوي بإذن من الإسرائيليين. أي أن الفلسطينيين لا يمارسون سلطة فعلية علي أرضهم المحتلة، وسلطتهم التي نشأت بعد اتفاقات أوسلو لا تمارس سوي سلطة ادارة الصرف الصحي وتوزيع الرواتب كما يقول بعض القادة الفلسطينيين الذين كانوا شديدي الحماس لهذه الاتفاقات! بل إن الفلسطينيين يقولون إنهم سوف يكسبون بذهابهم إلي مجلس الأمن.. فهم قد وصلوا إلي طريق مسدود الآن بعد أن رفض الإسرائيليون تجميد المستوطنات وسايرتهم واشنطن في ذلك، وانطلقت تمارس ضغوطا علي السلطة الفلسطينية لكي تستأنف المفاوضات مع حكومة نتانياهو بدون أي ضمانات أو تحديد لمرجعيات هذه المفاوضات، والفترة الزمنية التي يجب أن تستغرقها لإعلان قيام الدولة الفلسطينية. وهم بالتالي لا يستطيعون البقاء هكذا دون تحرك أو اتخاذ موقف، خاصة أن ثمة من يطالب علي الجانب الفلسطيني بالغاء السلطة الفلسطينية، وهناك من يري العدول عن فكرة حل الدولتين والعودة إلي حل الدولة الواحدة الديمقراطية التي تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين معا، وهو الحل الذي يثير فزع الإسرائيليين لأن هذه الدولة الواحدة سيكون فيها الفلسطينيون مستقبلا هم الأغلبية. كما أن اللجوء إلي مجلس الأمن من وجهة نظر الفلسطينيين سيكون كاشفا للمواقف الدولية وبالأخص لمواقف الدول دائمة العضوية في المجلس وفي المقدمة منها الولاياتالمتحدة. بالطبع في مقدور الأمريكيين استخدام حق الفيتو لمنع صدور قرار يؤيد قيام الدولة الفلسطينية علي حدود 7691 وعاصمتها القدس.. بل في مقدورهم منع مجرد مناقشة الطلب الفلسطيني كما حدث مع تقرير جولدستون. لكن الأمريكيين سيكون عليهم مقابل ذلك أن يتحركوا ويتخدوا خطوات عملية في اتجاه تلبية المطالب الفلسطينية الخاصة باستئناف المفاوضات، أو تلبية الاقتراح المصري بمنح الفلسطينيين ضمانات مكتوبة قبل استئناف المفاوضات. هذا ما يتصوره الفلسطينيون بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين اسرائيليا وأمريكيا ايضا.. وتجربتهم مع تقرير جولدستون تشجعهم علي اللجوء الي المنظمة الدولية للخروج من هذا الحصار الإسرائيلي الأمريكي.. فهم يحظون بتأييد دولي مناسب لقضاياهم حتي في ظل الموقف الأمريكي الداعم والمساند للإسرائيليين، رغم كل ما جاء به أوباما إلينا ليقنعنا أنه يبغي صنع سلام دائم لنا، ويريد أن يتعاون معنا واقامة علاقة جديدة تقوم علي الاحترام ورعاية المصالح المشتركة.. فإذا خذلهم مجلس الأمن كما هو متوقع، فانهم سيعوضون ذلك في الجمعية العامة التي ليس من الصعب أن تمنحهم القرار الدولي الذي يبغونه بقيام دولتهم الفلسطينية. وإذا كان الأمريكيون مازلوا يمشون وراء الإسرائيليين فما جدوي أن يسير الفلسطينيون والعرب وراء الأمريكيين؟!