"الثأر يحتاج إلي دراسات حقيقية، فهو ظاهرة موجودة وقوية، فنحن في الجنوب لم نتجاوز بعد عهود القبلية، لدرجة أن أصبح نظام الدولة يتصارع مع النظام القبلي، وأنا أفضّل أن نعود إلي النظام القبلي بدلا من هذا الصراع". بهذه الكلمات الصادمة أنهي الشاعر فتحي عبد السميع ورقته التي ألقاها في أولي جلسات مهرجان طيبة الثقافي الدولي في دورته الثانية التي حملت عنوان: "ثقافة الثأر وشعرية الهامه.. قراءة في تجليات عادة أخذ الثأر عند شعراء الصعيد"، بعد أن فتح باب الجدل حول فكرة العدل وتمسك أهل الجنوب بعادة الثأر أو التخلي عنها أمام عدد كبير من أدباء الصعيد الحاضرين، من بينهم الشاعر محمد أبو دومة. أوضح عبد السميع أن الثأر حق وواجب، وهو موجود في كل البلدان العربية، وقال: "ما يحدث في فلسطين ثأر فيجب أن تقتل لكي تعيش، فالثأر ليس سبة وأنا أدعو كل شاعر وأديب أن يكتب عنه". بينما رأي القاص سعيد الكفراوي أن فكرة الثأر في الأدب العربي طويلة وممتدة، وتساءل لماذا عجز الأدب العربي عن تجسيد الثأر في عمل فني كبير، وانحصر معالجة هذا النوع عند الفريد فرج وأمل دنقل في "الزير سالم"، وأكد الشاعر العراقي علي جعفر العلاق أن فكرة الثأر لم تستخدم في الشعر لافتقارها إلي الإيجابية، وأنها عادة وليست أسطورة. فتحي عبد السميع كان قد قدم في ورقته مدخل عن علاقة الشعر بالتراث الشعبي وانتقل لتعريف عادة الثأر ثم قدم أبرز ملامح هذه العادة التي تميزها، وقال:إن رسوخ عادة الثأر في الصعيد لا يمكن رده لسبب بعينه بل هو نتيجة منظومة معقدة جعلت النظام القبلي حيا وفعالا. ولفت عبد السميع إلي أنه كان يتوقع القبض علي محصول وافر من الشواهد الشعرية عن شعراء الصعيد التي تجعل من موضوع الثأر موضوعا متميزا أو مساير لتميز حضور عادة الثأر في الواقع الجنوبي، وقال: شعراء الصعيد لم يدعموا ما ذهبنا إليه، فلم نجد حضورا للثأر يشكل ظاهرة متميزة، ولم نجد شعرا يقبض علي تجربة لها بعدها الشخصي المميز، بمعني أننا لم نجد الشاعر الجنوبي مصغيا لتجليات عادة الثأر في الصعيد ولم نجده مشتبكا معها، وهذا لا يعني غياب موضوع الثأر في شعرهم، بل هو حاضر ولكن في إطار عام جدا لا معني فيه لكون الشاعر يقيم في الصعيد ولا خصوصية فيه تشبه خصوصية الثأر في الصعيد. وأضاف: هذا الأمر لا يخلو من دلالات منها أن ثقافة الثأر لا ترتبط بالصعيد فقط بل تمتد للثقافة العربية برمتها، كذلك أن ثقافة الثأر يمكن أن تظهر بشكل صريح ويمكن أن تكمن في النص بشكل خفي، أيضا أن الشاعر لكونه منتميا لطبقة المثقفين فهو يلتزم بالعرف العام الذي ينظر لعادة الثأر بوصفها عادة مستهجنة وتتعارض مع مفهوم الدولة القائم علي سيادة القانون.