الشهادة الإعدادية 2024| 16807 طالبا وطالبة يؤدون أول امتحاناتهم ب108 لجان بالأقصر    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    وزير الري يلتقي سفير دولة بيرو لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجال المياه    آخر تحديث لأسعار الذهب في محال الصاغة اليوم السبت.. بكم عيار 21؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    توريد 575 ألف طن قمح للشون والصوامع بالشرقية    انطلاق المؤتمر الدولي الأول ل«التقدم في العلوم» بالإسكندرية    وفود سياحية تزور المناطق الأثرية بالمنيا    قتلى ومصابون.. إسرائيل ترتكب مجزرة جديدة في جباليا    محمد فايز فرحات: مصر أحبطت محاولات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين    القوات الروسية تستهدف المراكز اللوجستية للجيش الأوكراني في منطقة أوديسا    3 منهم قرروا البقاء.. 17 طبيبا أمريكيا يغادرون غزة بعد محاصرتهم بالمستشفى    طيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنان.. وحزب الله ينفذ هجوما صاروخيا    الزمالك بالزي الأساسي "الأبيض" في مواجهة نهضة بركان بنهائي الكونفدرالية    "قبل نهائي دوري الأبطال".. أبرز أرقام مارسيل كولر مع النادي الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. مران خفيف للاعبي الأهلي في فندق الإقامة    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    محافظ الجيزة: مسافات آمنة بين الطلاب في امتحانات الشهادة الإعدادية    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    ضبط 14 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مصرع وإصابة 10 في حادث تصادم بالشرقية    سقوط 3 تشكيلات عصابية تخصصت في سرقة السيارات والدرجات النارية والكابلات بالقاهرة    بعد زفافها.. ريهام حجاج توجه رسالة ل ريم سامي (صور)    سينما الزعيم عادل امام.. أفلام قضايا الوطن والمواطن والكوميديا الموجعة    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    محسن أحمد يروي قصة اصابته في "زهايمر" وظلمه لأبنائه    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت 18-5-2024 في سوق العبور    وزير التعليم يصل بورسعيد لمتابعة امتحانات نهاية العام.. صور    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    مسلسل البيت بيتي 2، موعد عرض الحلقة 9    "الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف".. افتتاح متحف الفن الإسلامي في القاهرة    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    باحث مصري يتمكن من تطوير حلول مبتكرة لاستخدام الفطريات من نباتات الغابات في الصناعات الدوائية    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    انتظام امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالقليوبية (صور)    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفلام المهرجان من التجارب الناضجة إلي الحكايات الساذجة

ليست أفلام مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الثالثة والثلاثين في مستوي واحد.. هناك أعمال جيدة تكشف عن مخرج ناضج ومعالجة ذكية، وهناك أعمال فيها بعض الخفة والركاكة وعدم القدرة علي استمرار النفس الطويل حتي النهاية، وهناك أفلام تلتزم السرد التقليدي، وأخري بها محاولات للتجريب وكسر المألوف، ولكنك -في كل الأحوال- تتعرف علي ثقافات مختلفة، ورؤي أخري لمشكلات إنسانية، وتختبر أيضًا تجربة السفر عبر الشاشة إلي أماكن ومناطق لم تألفها العيون.
أحد أكثر الأفلام نضجًا مثلاً الفيلم الأرجنتيني "هوميرومانزي" -شاعر العاصفة، الذي كتبه وأخرجه "ادواردو سبانيولو".. الحكاية عن أحد كبار الشعراء الراحلين- ولكن الأهم هو المزج الرائع بين الموسيقي والشعر والغناء والصورة، بين الأجزاء الدرامية والأفلام التسجيلية، يستعرض الفيلم قصة "هوميرو" الذي ولد عام 1907، وأطلق عليه والده اسم "هوميرو" إعجابا بشاعر الإغريق الأعظم هوميروس، ويربط بين أجزاء السرد مشاهد ل"هوميرو" عجوزًا وهو داخل قطار يتذكر فلاشات من حياته: أسرته التي تحتفل بتولي زعيم راديكالي للبلاد عام 1916، حكاية حب "هوميرو" المراهق مع فتاة مراهقة مثل معها "روميو" و"جولييت" وتبادل معها قبلة، أغنية له كتبها عنوانها "قبلِّني".. دخوله السجن ومطاردة البوليس له بعد أن أصبح راديكاليا زواجه وإنجابه طفلاً عام 1931 من حبيبته "كاسيلدا".. عمله في الصحافة وكتابته لأغنية شهيرة اسمها "مالينا" غنتها مطربة معروفة هي "نيللي عمر" استلهامه أغانيه من الناس، وتجربته في عالم إخراج الأفلام، كتابته لأغنيات يؤيد فيها "خوان بيرون"، مرضه بالسرطان ووفاته في 3 مايو عام 1951.. يستغل المخرج شريط الصوت فيقدم الأغنيات بذكاء، كما يقدم عناوين لصحف تلك السنوات، ويكتب علي الشاشة كلمات قالها "هوميرو" مثل قوله: "أنا لا أكتب إلا ما عشته".. أداء متميز للغاية للممثل "كارلوس مورتالوبول" في دور "هوميرو"، سرد سلس وعذب يجمع باحتراف بين التسجيلي والروائي، ويجعلك حزينًا علي شاعر رقيق لم تكن تسمع عنه بالتأكيد قبل مشاهدة الفيلم، والتجربة بأكملها تستحق أن يشاهدها صناع الأعمال الدرامية عن الشخصيات الحقيقية.
انتحار عجوز
وفي الفيلم الفنلندي "توماس" للمخرج "ميلكا سانياي" ستجد قدرة علي نقل الشعور القاسي بالوحدة الذي يعاني منه رجل عجوز في الثالثة والثمانين من عمره.. اسمه توماس نشاهده يلعب الشطرنج في أول الفيلم مع شقيقه العجوز "جوهانسون" الذي يتهمه بأنه يخاف الموت، لكن الموت يختطف "جوهانسون" ويترك "توماس" في منزله وحيدًا.. الكاميرا ثابتة طوال الوقت والمشاهد طويلة، وقطع الإكسسوار تستكمل خلق الإحساس بالوحشة، ساعة علي الحائط، وبومة محنطة، وطقوس يومية لا تتغير مثل حلاقة الذقن، وصنع الشاي، ثم محاولة "توماس" أن يلعب الشطرنج مع نفسه، ليس هناك أحداث وإنما تفصيلات صغيرة متكررة، عندما يخرج "توماس" مثلا يتعرف في الحديقة بعجوز آخر عمره ثمانون عاما، أو عندما يسقط علي الأرض أثناء تعليق لمبة فتعالجه سيدة في منتصف العمر، كل الطرق تقود "توماس" إلي مواجهة الموت الذي قال له شقيقه إنه يخاف منه.. في لحظة يأس يفتح "توماس" الغاز، ويغلق النوافذ، ويجلس بهدوء إلي مكتبه.. يمسك زجاجة الخمر ويصب كأسًا، ويتأمل في شجن صورة زوجته الراحلة.. أهمية الفيلم في أداء بطله العجوز وفي نقل أحاسيس ومشاعر بعدم الارتياح، الذين تعودوا علي الإيقاع السريع سيصابون حتما بالتململ، ولكنهم قطعًا لن ينسوا معاناة "توماس" العجوز.
في الفيلم الإيطالي "بولشينيللا الأخير" للمخرج "ماورتيزيو سكابارو" حفاوة حقيقية بالفن باعتباره قادرًا علي بعث السعادة في نفوس متعبة.. "مايكل أنجلو" ممثل مسرحي لا يجد عملاً، انفصل عن زوجته "باولا" مصممة الأزياء، وعلاقته سيئة مع ابنه "فرانشيسكو" الذي يغادر "نابولي" إلي باريس فيتبعه الأب، في عاصمة النور، سيحاول "مايكل" أن يستأجر دار سينما ويحولها إلي مسرح يقدم عليه مسرحية بعنوان "بولشينيللا الأخير"، ويساعده في ذلك البروفيسور "دور يانت" الذي يقوم بالتدريس في السوربون، وتلميذته المغربية "فايزة"، والابن الهارب "فرانشيسكو" وصديقته "سيسيليا"، وأفراد من جنسيات مختلفة، و"باولا" التي تحضر إلي فرنسا لتقوم بتصميم الأزياء، لن تكتمل التجربة مع ملاحقة البوليس ل"فرانشيسكو" بسبب هروبه من الشهادة علي جريمة قتل في "نابولي"، ولكن "مايكل انجلو" يصر علي الغناء وحيدًا وسط المسرح الفارغ، لقد استمتع الجميع بلحظات سعادة، "فايزة" المغربية عرفت الحب مع "فرانشيسكو" والممثلة العجوز المعتزلة "ماري" عادت إلي الحياة عندما دخلت إلي المسرح، حتي "باولا" حاولت استرجاع علاقتها مع الممثل العجوز، عمل إنساني مؤثر أجمل ما فيه مزج موسيقات وايقاعات مختلفة في تحية عالمية للفن من كل الجنسيات.
وفي الفيلم السلوفاكي "الفراولة الإنجليزية" للمخرج "فلاديميردرها" تجربة أخري تحاول أن تقدم أحداث الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا السابقة عام 1968 ولكن من وجهة نظر نماذج من الشباب من الطرفين. في نفس الوقت الذي حدث فيه الغزو كان الشباب مهتمًا بفكرة السفر إلي إنجلترا للعمل في جمع الفراولة، الشاب "توماس" يقوم بوداع فتاته "تانيا"، أما والده فهو يتحدث عن الغزو وبوصفه احتلالاً يستدعي المقاومة، نشاهد في الشوارع السكان وهم يبصقون علي الجنود الروس، رجل عجوز يستجمع شجاعته ويتبول عليهم. الجنود أنفسهم لا يقلون تأففًا عن السكان، أحد هؤلاء واسمه "ليبديف" يحلم بالهرب إلي ألمانيا، ويختبئ في منزل يوجد به "توماس" و"تانيا" ويتعاطف الاثنان مع حلم الجندي ويقدمان له ملابس مدنية، وترسم له تانيا علي الخريطة طريق الهرب بعبور نهر "فالتافا" ويبدو وهو من ناحيته مفتونًا بها، سيفشل الجندي في محاولته ولكن المعني الذي أراده الفيلم هو أن الأجيال الجديدة غير مسئولة عن هذه المعارك التي صنعتها أجيال أقدم، المعالجة مختلفة رغم أن الفيلم ليس كبيرًا أو عظيمًا خاصة مع الأداء العادي من كل الممثلين.
عنبر المجانين
وفي الفيلم الروسي "عنبر رقم 6" للمخرج المعروف "كارين شاخنازاروف" تجربة تستحق التوقف رغم غرابتها وابتعادها عن التقليدية الفيلم مأخوذ عن رائعة الراحل "أنطون تشيكوف" بنفس الاسم والتي تقدم نماذج لا تنسي في مستشفي للأمراض العقلية تعاني من الإهمال الشديد، كما ترسم ملامح الطبيب "اندريه يفيميتش راجين" الذي يعمل في المستشفي ثم يصبح أحد مرضاه، كل المرضي لديهم مشكلات مع العالم المحيط بهم، أما "راجيه" فهو بالاضافة إلي وحدته يطرح طوال الوقت اسئلة وجودية يعصب الاجابة عنها، وتنتهي القصة بموته ودفنه، ما فعله المخرج في القصة هو أنه نقلها إلي الواقع المعاصر، واختار التصوير في مستشفي حقيقي للأمراض العقلية، ومزج بين التسجيلي والروائي، ونسمع في بداية الفيلم أحد الأطباء وهو يشرح لنا طبيعة مرض الشيزوفرانيا، وتقودنا الكاميرا للتعرف ببعض المرضي وهم يقولون أنهم يسمعون بعض الأصوات، ونتعرف علي "د. راجين"، ثم نستمع لشهادات عن بعض الذين عرفوه، باختصار نحن أمام رؤية مختلفة لعمل شهير، ولا شك أن شخوص تشيكوف، التي رسمها بعبقريته قادرة علي الحضور في أي زمان ومكان ومن خلال معالجات متنوعة.
وهذه تجربة أخري يقدمها الفيلم المجري "صنع في المجر" للمخرج "فونيو جرجيلي" حيث يقدم بأسلوب ساخر غنائي وراقص مدي الانبهار بالغرب خلال سنوات الخمسينيات، أسرة مجرية تعود إلي الوطن بعد غياب أب وأم وابنهما الشاب المولع بأغنيات الروك. الشباب المجري يعاملونه كأنه قادم من الفضاء، يحدثونه عن "سيناترا"، فيقول لهم إنه موضة قديمة ولم يعد أحد يسمعه، يرتدي لهم أقمصة هاواي، المزركشة، يغني في أحد الأندية التي يديرها رجل اسمه "بيجالي"، الكل يتجاوب معه شبابًا وفتيات، تصوير ومونتاج ودراسة جيدة للأفلام الاستعراضية، وفي مشهد آخر دال ومعبر، يحضر إلي المجر وفد عسكري من ضابطات ألمانيا الشرقية، وعندما يسمعن موسيقي الروك يتحررن من الجمود ويرقصن بمهارة مع الشباب المجري، فكرة الفيلم بأكملها هي رصد الصراع بين الجمود والقيود والتحرر والانطلاق، إنه صراع الشرق والغرب وأمريكا والاتحاد السوفيتي ولكن في إطار مختلف ممتع ومضحك وأكثر حيوية وذكاءً. وفي الفيلم اليوناني "الذنب" للمخرج "فاسيليس موزومينوس" معالجة غريبة لمعاناة سكان قبرص سواء تحت الاحتلال الإنجليزي وعندما قامت القوات التركية بغزوها عام 1974 . المخرج يستوحي أجواء روايات "كافكا" التي يبدو الإنسان مطارداً فيها ومعرضاً للمحاكمة دون ذنب جناه.
محود الأحداث مسئول كبير نراه يخضع لعملية جراحية، ونعود معه إلي ذكريات عمله في ظل الاحتلال الإنجليزي عام 1959، ثم ما حدث له في أيام الغزو التركي وما بعده من سنوات، وتقطع الأحداث الدرامية مشاهد تسجيلية للزعيم القبرصي "مكاريوس" وتسجيل صوتي له يؤكد فيه لشعبه أنه علي قيد الحياة بعد الغزو، وفي الجزء الأول تظهر آلة عملاقة تقوم بتعذيب وقتل المقاومين تذكرك بروايات الخيال العلمي،وفي المشهد الأخير يظهر المسئول العجوز مرتدياً قميص المستشفي، وفي الخلفية يظهر رجل مشنوق تحيط به أعلام بريطانيا وتركيا واليونان في اشارة رمزية واضحة للدول التي صنعت الكوابيس التي عاني منها القبارصة.. فيلم مختلف لا يهتم بتقدم حكايات عن شخوصه بقدر اهتمامه بنقل الكوابيس التي عانوا منها.
حواديت عربية
وفي الفيلم الفلسطيني "المر والرمان" الذي كتبته وأخرجته "نجوي نجار" واهدته إلي وطنها "فلسطين" محاولة للتعبير عن مأساة الاحتلال ولكن من وجهة نظر امرأة تحلم بالتحرر علي المستوي الشخصي والعام. بطلتها "قمر (ياسمين المصري) تزف إلي عريسها زيد (أشرف فرح) في رام الله".
هي أصلاً راقصة في فرقة فنون شعبية، وهو فلاح لا يهتم إلا بحصاد الزيتون.
تضطرب حياة "قمر" عندما يقوم الجنود الإسرائيليون بمصادرة أرض "زيد" وعندما يقاومهم يتم سجنه وتعذيبه. ستسير حياتها في اتجاهين: زيارة زوجها في السجن، وتنفيذ تعليماته بالبحث عن مشتر لتصريف زيت الزيتون، ولكنها أيضاً ستواظب علي حضور بروفات الفرقة الراقصة، والتعامل مع المدرب الجديد "قيس" (علي سليمان) لدي "قمر" نوع من الحرمان تعبر عنه بتقبيل زوجها من وراء القضبان، ولديها غضب مكبوت تعبر عنه بضرب الأرض بقدميها في البروفات، ومن خلال "أم حبيب" (هيام عباس) تتقارب مع "قيس" الفلسطيني العائد بعد عشرين عامًا والذي يشتري ألعاب الملاهي التي كان يمتلكها والده قديماً، وعندما يخرج "زيد" تعيش قمر صراعاً بينه وبين "قيس" ولكنها تهرب من مدرب الرقص، وتخرج كل أحلامها وكبتها وطاقتها في عرض جديد عنوانه "المر والرمان" .. ربما اسرفت المخرجة في تكرار نفس المعني في مشاهد متكررة، وربما بدت "شخصية قمر" غامضة ومذبذبة، وربما كان المعني شديد الوضوح في التعبير عن الصراعات الداخلية بالحركة، ولكنها محاولة لتقديم معاناة المرأة بسبب الاحتلال، وتجربة كانت تحتاج مزيداً من العمق وضبط ايقاع السرد، وفي كل الأحوال ستجد فيها الحضور القوي للمكان وللطقوس الاجتماعية مثل الغالبية العظمي من الأفلام الفلسطينية مع أداء جيد من "ياسمين المصري" التي شاهدناها في فيلم "كراميل" للمخرجة "نادين لبكي".
أما التجربة المغربية "بحيرتان من الدموع" للمخرج "محمد حساني" فهي أضعف وأكثر سذاجة في المعالجة رغم دلالة الفيلم المهمة عن أجيال جديدة من الفتيات أكثر ميلاً للتمرد، بطلتنا "سعاد درويش" طالبة في السادسة عشر من عمرها، متحررة ومتمردة، تحب "ليلي علوي" وتحلم بأن تكون عالمة طيور، نراها وهي تدخن في حمام المدرسة، والدها رغم أنه ترزي متواضع - إلا أنه يشجعها علي استكمال تعليمها، وشقيقها "العربي" عاطل عن العمل، وكل طموحه أن يعمل مرشداً للسائحين، تتورط "سعاد" دون أي مقدمات، في علاقة مع شاب اسمه "جليل" تقضي معه أوقاتاً في "طنجة"، ويدخل الفيلم في حكاية فرعية علي طريقة المسلسلات عندما تسجن "سعاد" لأنها أوقعت صديقتها "مينا" من فوق الجبل، وبعد خروجها تهرب من جديد إلي "طنجة" بحثًا عن "جليل"، وتفكر في إجهاض نفسها، وتدخل الأحداث في تطويل واستطراد مع بحث "العربي" عن اخته وإعادتها، أما الأغرب فهي النهاية حيث تبارك أسرتها المحافظة زواجها من "جليل"، أفضل ما في الفيلم إشارته إلي أن الأجيال الجديدة متمردة وتحلم بالهجرة أو بالابتعاد عن الأسرة، وأسوأ ما فيه الطابع المسلسلاتي والنهاية الغريبة التي تؤكد أن مخرجه من المعجبين بالمسلسلات المصرية من ذات النهايات السعيدة لإرضاء الجمهور.
الشرق والغرب
وفي الفيلم الروسي "الغرباء" للمخرج يوري جريموڤ تبدو الدلالات واضحة، ورغم الإشارة إلي أن الأحداث تدور في مكان ما في الشرق، إلاّ أن الفيلم صوِّر في مصر، والحكاية عن بلد يعاني من وباء تصل إليه بعثة طبية أمريكية روسية مشتركة، ولكن اللافت أن الشخصيات الأمريكية مقدمة وكأنها تعاني من عقد داخلية، ولديها أمراضها الخاصة. الطبيب "تومي" مثلاً ينتهز الفرصة للحديث عن الديمقراطية والمساواة في أمريكا، وزوجته "چين" تخونه مع أحد الجنود المحليين وتحمل منه، أما الجانب الروسي فمنه جرّاح ودود يغني طوال الوقت ويجري عمليات لإنقاذ الجرحي، ونشاهد جنديا روسيا يضحي بحياته لإنقاذ طفلة من حقل ألغام، وتنتهي الرحلة بعودة "تومي" و"چين" إلي أمريكا ومعهما طفل هو بالتأكيد ابن عشيقها الجندي. المعاني مباشرة جدًا، والسخرية واضحة من فكرة سيطرة الغرب الأمريكي علي الشرق عمومًا، ومع ذلك فهناك عناصر متميزة جدًا في الفيلم مثل التصوير وأداء الممثلة التي لعبت دور "چين"، وتصل السخرية إلي قمتها عندما تكتب علي الشاشة في النهاية كلمات "چورچ بوش" التي قال فيها: "لقد اختار الله أمريكا لكي تقود البشرية"، وهي عبارة لا تستحق التعليق.
ليست كل التجارب جيدة الفيلم السيريلانكي "كان يا ما كان" الذي أخرجه وكتبه "ساناث چوناتيلاك" مأخوذ عن قصة "لإميل زولا" عنوانها "من أجل ليلة حب"، ولكن السرد المملّ والأداء الركيك من الممثلين حوّل التجربة إلي معالجة هزيلة. مثل شخوص عالم "زولا" يبدو البشر مدفوعين بغرائزهم طوال الوقت. الحكاية عن موظف يسير بطريقة غريبة، ويعيش وحيدًا مع كلب، وليس لديه من متع الحياة إلاّ العزف علي الفلوت، تأسره جارته الشابة بنظراتها، الفتاة لها عشيق هو صديق الطفولة الفقير الذي أصبح محاميا، وهما يقضيان أوقاتًا طويلة في حجرتها يتبادلان الحب فيها، ذات مرة تغضب منه فتضربه فيسقط علي الأرض، ولاعتقادها أنه مات تحاول استدراج جارها عازف الفلوت لكي ينقله إلي الخارج مقابل أن يقضي معها ليلة حب، الجار يوافق بعد أن تحقق حلمه في الاقتراب من الفتاة، ولكن عملية التخلص من العشيق تنتهي بمأساة حيث نكتشف أنه لم يمت، ويدور صراع بينه وبين الموظف يسفر عن غرقهما معًا - الفيلم شديد الجرأة في التعبير عن العلاقة الحسَّية بين الفتاة وعشيقها، ولكنه عمل ضعيف في معظم عناصره خاصة التمثيل.
ستجد هذه الركاكة أيضًا في الفيلم الدنماركي "المعسكر" للمخرج "يعقوب بيتش" بسبب عدم الدراسة الجيدة للشخصيات وعدم تبرير دوافعها، وبسبب السطحية التي قدمت بها الأحداث، الفتاة "كوني نيلسن" انتحر والدها في عيد ميلادها، وأمها "بوديل" سكيرة تعيش علي ذكري مشاركتها في مسابقة الغناء الأوروبية عام 1982، وشقيق "كوني" ويدعي "كريستيان" يعاني من البدانة، تخرج الأسرة في معسكر يتيح ل"كوني" تأليف كتاب بعنوان "أبجدية الصمت" ولكنها تعيش قصة حب مع جارهم "راسموس"، بينما يحب "كريستيان" ابنته المعقدة "لورا" العلاقات تتم علي عجل، ونقفز إلي نهاية تعود فيها الأم إلي الغناء، وتتحرر "كوني" من شعورها بالذنب لانتحار والدها. لو تمت دراسة كل شخصية ومتاعبها النفسية والاجتماعية لكنا أمام فيلم جيد بدلاً من هذه الحكايات التي تذكرك بالأفلام التليفزيونية المتواضعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.