أكتب لكم قبل ساعات من المعركة الفاصلة التي يظهر فيها معدن الرجال المقاتلون الذين سيبذلون الغالي والرخيص في سبيل وطننا مصر. أكتب قبل مباراة مصر والجزائر التي ستؤهلنا بإذن لله للوصول لكأس العالم. ****** لماذا لا يعرف شعبنا الفرحة إلا بمكسب في مباراة لكرة القدم؟. لماذا لا نتوحد ويجمعنا إلا لعب الكرة فقط؟. ننسي شكوانا الدائمة بأن حياتنا هباب في هباب، بل ونغني المصريين أهما..حيوية وعزم وهمة جيل بعد جيل...الخ ". ونتباهي بأننا منتخب الفراعنة الذين لا نطلع لزيارتهم في قبورهم أو متاحفهم إذا كنا نحن حقا أحفادهم!. ولماذا تكون الفرحة طاغية ممتلئة بالشماتة إذا كان الفوز علي بلد عربي؟. لماذا نتحدث عنها كأنها معركة ونقول إن فريقنا لعب كالمقاتلين بشراسة وزاد عن وطننا. هل يا تري نتنصل بذلك من عروبتنا التي نتغني بها ليل نهار لنذكر الدنيا بمصريتنا؟. أم تري العكس وهو أننا بالفرحة والشماتة نثبت أننا أكبر الإخوة الأشقاء العرب لعلهم يعترفون؟! هل نفخر بمباراة في الكرة كأننا لا نعرف ولا نفهم إلا في علوم كرة القدم التي يفهمها أي طفل في المرحلة الابتدائية في كل أنحاء العالم؟. أيام كان الإنجليز يحتلوننا كنا نفخر إذا هزمنا فريقا إنجليزيا كأننا فزنا عليهم في الحرب. كنا وقتها نحاول أن نثبت أننا لسنا أقل منهم وذلك بأن نقلدهم في جميع الميادين!. فعندنا دستور وبرلمان ومجلس شوري وجمعيات أهلية وبنوك وصحافة ونحن هوليوود الشرق ثم عندنا زراعة وصناعة ناشئة.وقبل كل هذا فعندنا أصل حضارة العالم. لكن بمجرد رحيل الاستعمار انتهي هذا وأصبحنا نتقبل هزيمتنا منهم في الكرة بلا عقد أو كلاكيع.الآن لا تظهر الروح القومية إلا في مباريات الكرة خاصة في تنافسنا مع الإخوة الأشقاء.( أم الأعداء؟!) فإذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي نثبت بها زعامتنا لهم فلا معني لذلك إلا أننا نعاني عقدة نقص!. البرازيل متوجة علي عرش كرة القدم ولكنها ليست أكثر البلاد تقدما ولا هي البلد الذي يحتذي به. ومثلها بعض دول إفريقيا التي تفوز في الكرة وتنهزم في أهم أمورها. هل نحن ندرك لا شعوريا أننا نعيش أزهي مراحل تخلفنا منذ فترة؟ وبالتالي كرة القدم مجالنا الوحيد لنثبت أننا نجيد إتقان شيء ولو كان لعبة؟!. سعت إسرائيل منذ سنوات بعيدة وقبل معاهدة السلام ومازالت تسعي لأن تتباري مع مصر بالذات في مباراة كرة قدم. ليس لكي يفوزوا علينا..فهم يدركون أنهم سينهزمون أمامنا ولكن ذلك لا يعنيهم. بل يعنيهم الاعتراف بهم، وهو ما يفتح الطريق لأن نعترف بأنهم في المقابل أبرع في أغلب المجالات الحيوية والأكثر أهمية!.يعني أنتم أشطر منا في اللعب ونحن أشطر منكم في الجد أي في أشياء مثل العلم والتعليم والنمو الاقتصادي والقوة العسكرية الخ.. وهو ما نحرص لا شعوريا علي تجاهله رغم أنه لا علاقة بين ذلك وبين كوننا علي حق وكونهم علي خطأ في القضية الفلسطينية مثلا. تماما كما كان الاستعمار في كل مكان علي خطأ لكنه لم يكن ليحدث أساسا لولا أن القوي الاستعمارية كانت هي الأكثر تقدما ولذلك احتلت البلاد المتخلفة، ورغم فرحتنا عند فوزنا علي فرق إنجليزية في الماضي فقد كنا ندرك عند الهزيمة أننا أقل تقدما منهم وكان العزاء حينئذ أننا في طريقنا لتطوير نهضتنا التي بدأت مع محمد علي لنلحق بهم. ومع ذلك كله فنحن لم نصل لكأس العالم إلا مرتين أولاهما مثلنا قارة أفريقيا وكانت المنافسة بين ثلاثة فرق لا غير. والثانية كانت منذ عشرين عاما وكانت هزيمة الجزائر هي طريقنا لتمثيل أفريقيا. ومادامت فرق الدول العربية لن تقف عقبة في طريقنا للعالمية فنحن نشجعها ضد الفرق الأفريقية ربما لأننا نعتبر أنفسنا عربا مثلهم أو نتكلم العربية مثلهم. والأهم لأننا مسلمون مثلهم، فالدين قلعتنا الوحيدة والحصن الأخير الذي نحتمي به من جيش العلم. ذلك العلم الذي يعني الحقيقة (وليس الحق بالضرورة) والحقيقة أننا الأضعف ورغم إسلامنا الظاهري فحالنا يصعب علي الكافر!!. ورغم أن ( المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير) لكننا اكتفينا بخير الضعيف.ويبدو كذلك أننا اكتفينا بالوصول لكأس العالم حتي لو خرجنا من الأدوار الأولي كما حدث من قبل. رأيت بعيني صاحب كشك سجائر فقير وهو يوزع المشروبات علي المارة الذين لا يعرفهم غداة تفجير برجي التجارة في نيويورك، كأن بذلك الحدث وحده يتأكد العالم كله من قوة الإسلام وقوة المسلمين وبأنهم صاروا القوة العظمي!. قد يعني فوزنا علي الجزائر أننا ضمن القوي الكروية في قارتنا وأننا نستطيع ولو أحيانا أن نتقن شيئا.ولكن هل هذا هو كل طموحنا؟. كنا نفخر بالقطن المصري والقمح المصري ونهضة صناعية توشك أن تبدأ ودولة شبه مدنية فشحب طموحنا وأصبح مجرد إتقان اللعب في مباراة كرة. ما يحزن أن الفوز حتي ببطولة كأس العالم في الكرة لا يعني بالضرورة أننا سنحقق أهدافا خارج مستطيل اللعب. ( الكورة أجوان ) والجون يعني الهدف. والهدف يعني دخول الكرة إلي شباك الخصم.والخصم معروف وهو الجهل المؤدي للتخلف. وبالفوز عليه يمكن أن نتغلب علي بقية الخصوم أيا ما كانوا ولو حققنا هدفا واحدا. أو حتي لو تعادلنا معهم في النتيجة سلبا أو إيجابا. وليكن الهدف هو دولة مدنية حديثة.