الصورة واحدة فى كل الأحوال، وفى كل القرى التى زارها جمال مبارك، من أول قرية «ننا» فى بنى سويف، إلى قرية بركة غطاس فى البحيرة، الجماهير تلتف حول جمال مبارك تستقبله، وتسعى لمصافحته، وتتعامل معه بروح عالية، تقبّله النساء والعجائز، ويحتضنونه ويدعون له، وفى هذه اللحظة فقط سألت نفسى: لماذا الإجراءات الأمنية الرئاسية، إذا كانت الجماهير تحبه كل هذا الحب، ولماذا كانت الحواجز بينه، وبين جمهور يحبه ويحرسه؟! من المؤكد أن الصورة ليست مصنوعة، وليست خاضعة للجرافيك، فهى صورة حقيقية، فى موقع حقيقى، والبشر الذين فى الصورة، هم أنفسهم أبناء القرى الأشد فقرًا، صحيح أن الفقراء يلبسون البدل، ويلمعون فى ضوء الفلاش، ويلمعون وهم فى مواجهة «جمال» على مائدة الإفطار، لكنهم بشر حقيقيون، وليسوا «كومبارس».. بشر يمكن أن يجلس معهم دون خوف دون أن يمسوه، فلماذا نحول بين المسؤول والجماهير، هل هو الخوف، أم لأن المسؤول يجب أن يكون بعيداً بمسافة معينة؟! لا أدرى. لا شىء حدث فى كل الزيارات التى قام بها «جمال» لأى قرية، ولا شىء يمكن أن يحدث، لأن المصريين لا يعرفون الغدر، ولا شىء قد يحدث، خاصة إذا كان المسؤول فى ضيافة أهل البلد، فلماذا كانت الحواجز البشرية والأمنية؟ ولماذا يحرص الأمن على تشويه الصورة؟ هل يحدث هذا بأوامر عليا، هل يحدث هذا لأن الإجراءات التى تحيط بجمال يجب أن تكون رئاسية؟ وكيف يكون أثر هذه الإجراءات سلباً وإيجاباً؟ نريد أن نعرف. البسطاء يدركون، أكثر من غيرهم، إذا كان المسؤول يحبهم فعلاً أم أنه يمثِّل عليهم، والبسطاء وحدهم يعرفون بالحاسة السادسة إذا كان المسؤول قد جاء يأكل معهم، وهو يريد أن يخفف عنهم أم جاء إليهم من باب «برو العتب»، والبسطاء يستطيعون أن يقيِّموا إذا كان «جمال» قد جاء إليهم، لحل مشكلاتهم، أم لأنه جاء ليأخذ هذه الصورة فقط والناس حوله، كأنه نجم شعبى! كل شىء ممكن تمييزه فعلاً، وكل شىء ممكن فك أسراره على مستوى «جمال» ورفاقه من وزراء التضامن والزراعة والإسكان والمحليات والاتصالات، وعلى مستوى أبناء القرى أيضاً لا توجد ألغاز، ولا توجد أسرار بسهولة شديدة يمكن أن تقرأ المشهد كما هو، وبسهولة شديدة يمكن أن تتعرف على ملامح الصورة، وبسهولة أكبر يعرف أبناء القرى إن كان أبناء البندر يحبونهم، أم يشعرون بالقرف منهم! وإذا كنا لا نختلف حول ما سبق فلماذا أصبح الموكب المصاحب لأمين السياسات أقرب إلى موكب رئاسى، وربما أشد صرامة من موكب الرئيس نفسه؟ ولماذا يسعى طاقم التأمين لمبارك «الابن» إلى الإيحاء بأن «جمال» هو الرئيس، ولماذا يتم تعطيل المرور لأجله؟ ولماذا يتم إخلاء بعض المناطق، التى يمر فيها «جمال»؟.. ولماذا يتم إعطاء سكان بعض المدن إجازة أثناء الزيارة، كما حدث فى الأقصر من قبل.. لماذا يحدث كل هذا، وهو يؤدى إلى آثار عكسية مخالفة للصورة التى تظهر فى القرى الفقيرة وتنشرها الصحف «الحكومية».. فعلاً، لماذا؟ ما هى أسباب الشعور بالخوف حينما يزور «جمال» المدن والحضر؟ وما هى أسباب الشعور بالأمن والأمان، حينما يزور أهل الريف؟ ما الذى يجعله يُضيِّق على الناس هنا، ويغلق الشوارع ويعطى الإجازات، وما الذى يجعله يسمح هنا ويجلس ويضحك، ويقبل ويحتضن؟ هل هؤلاء هم السكان الأصليون، وهم الأولى بالرعاية، أم أن الحكاية أن «جمال» لا يطيق المثقفين، ولا النخبة، ولا يحب الذين يتحدثون عن التوريث، ويفسرون كل شىء بأنه تمثيلية؟! لا أظن أن سكان الحضر يختلفون عن سكان الريف من حيث الطيبة، وكرم الضيافة، المصريون هنا هم المصريون هناك، الفارق الوحيد أن المثقفين يريدون أن يفهموا، وأن يعرفوا الحقيقة، وأن يتأكدوا أن «جمال» يتحرك لأنه يؤمن بحق المصريين فى الحياة، وليس لأنه يريد أن ينتزع الرئاسة، يريدون أن يطمئنوا أن الفرص متساوية، وعندما يتأكدون من هذه الحقيقة ستكون الصورة هنا هى الصورة هناك: سلام وعناق وقبلات، ثم يظهر الكل فى الصورة ويهتف «كلنا كده عايزين صورة»!!