ما من مدينة أولاها الرئيس مبارك من عنايته واهتمامه مثلما أولي مدينة دمياط.. ويشعر الدمايطة بدفء علاقة الرئيس بهم شعورا عاما، ويفخرون أنه أشاد بقدرة شعبها علي تفهم الواقع الاقتصادي المصري، وانفعالهم بكلماته الطيبة تجاه بلدهم الأمر الذي جعلهم يسارعون الخطي في البناء، ويقدمون أروع الأمثلة في التنمية المحلية والتنمية الشاملة! وبداية فإنني أقول إن دمياط.. المكان والمكانة - وهو عنوان كتابي تحت الطبع لم يأت من فراغ، ولكن المكان لا يصنع مكانة، ولا الموقع في حد ذاته يصنع تاريخًا، فالمكان تصدفه الجغرافيا.. والمكانة يصنعها التاريخ، وفي دمياط تلاحمت الجغرافيا بالتاريخ، فكانت نبتا رائعا اسمه دمياط، ولهذا أقول بكل الصدق والأمانة إن المكان التقي في دمياط بالإنسان.. فصنعا هذا التاريخ الباهر، وهذا الجهد الناضر، عبر التاريخ التليد والمعاصر. أؤرخ لدمياط وأسنكب علي كتابة تاريخها لسنوات طويلة تغيرت فيها دمياط وتطورت ونمت وتقدمت فلابد من ملاحقتها، وأعرف أن التاريخ أيام موصولة، وعقد فريد لابد أن تبدأه من أوله لتصل إلي نهايته. ولا شك أن دمياط قد استفادت من موقعها الذي أعطاها قوة فأعطته مكانة، إنها تقع علي ساحل البحر وينتهي إليه ماء النيل، وتحيط بها بحيرة المنزلة، هذا الموقع أعطاها مركزا تجاريا فريدًا تتعامل فيه مع العالم، وجعلها البداية لمن يأتي إلي مصر متاجرا. وهي البداية أيضا لمن جاء إلي مصر محاربا غازيا.. وقد قبلت أن تقوم بدورها عبر التاريخ لم تتخاذل أو تبترم، ولم تشك أو تتألم، كانت دمياط ثانية المدن المصرية بعد الإسكندرية.. وكانت الثانية أيضا بعد القاهرة، بلد لا يمكن تجاوزه أو إهمهاله.. مدينة ذات ضواح وأرباض ومصايف.. وقدر بعض المؤرخين عدد سكانها إبان الحروب الصليبية بسبعين ألفا.. لم يواجه بلد في مصر حروبا وغزوات مثلما واجه ولكنه بشجاعة حارب وبشجاعة سالم حتي عندما احترق وحتي عندما تهدم قامت من جديد وبني. العبرة في حالة دمياط ليس في كبر الحجم أو المساحة ولكن العبرة في قوة التأثير.. العبرة في كيفية الاستفادة من الأرض وكيف تستثمر الاستثمار الأمثل.. تلك دمياط.. كبيرة بجهدها عظيمة في ابتكاراتها معقولة في مساحتها. أرادت دمياط أن تكون سفيرا فوق العادة للإنتاج المصري فتميزت بها صناعات الأحذية والأثاث ومستخرجات الألبان والحلوي وكل ما مسته يد أو أصابع الصائغ لا الصانع الدمياطي لها شكل مميز ومذاق خاص. قال عن دمياط المؤرخ المقريزي في القرن الخامس عشر.. إنها ما برحت تزداد إلي أن صارت بلدة كبيرة ذات أسواق وحمامات وجوامع ومدارس ودورها تشرف علي النيل الأعظم، ومن ورائها البساتين وهي أحسن بلاد الله منظرا! وقد أخبرني يقول المقريزي الأمير الوزير المشير الاستادار يلبغا السالمي رحمه الله، أنه لم ير في البلاد التي سلكها من سمرقند إلي مصر أحسن من دمياط هذه فظننت أنه يغلو في مدحها إلي أن شاهدتها فإذا هي أحسن بلد وأنزهه! إن الدمياطي متدين بطبعه يتجه بكل كيانه في أوقات الصلاة إلي المسجد وهم يجرون وراء الرزق معتمدين علي الله وهو مسالم بطبيعته محب للناس.. بسيط يعرف أن أمواله حصل عليها بكده وعرقه فلا يضعه هباء فيما لا ينفع.. إن الله في ضميره وأنه مثيبه ولا يغيب ذلك عن باله لحظة. والدمياطي محب للفكاهة ويعلق علي الأحداث بطريقة مرحة ساخرة بلهجته المميزة.. واع في حرص.. مهذب مجد.. والمرأة الدمياطية وراء كل هذا النجاح.. بيتها جميل نظيف مرتب.. وهي علي المستوي الإنساني تجيد عرض أنوثتها وتبرز جوانب الفتنة في ملامحها فإذا كان شعرها جميلا أخرجت منه.. قصة.. صغيرة تأخذ حيزا من جبهتها، إذا كان جسمها متناسقا ارتدت من الملابس ما يبرز ما تملكه من فتن.. وهي تجيد مشية الهوانم فهي لا تتأود في مشيتها ولا تبتذل في خطوتها.. ولكن لا مانع أن تكون مشيتها لافتة.. أنيقة والبنات يلبسن بأقل القليل ما يظهر أناقتهن.. أقول في الكتاب قد تظن أن التي أسرت وجدانك من عائلة ثرية ولكن الأمر في النهاية أنها تجيد عرض نفسها للخطاب والباحثين عن الزواج.. ولم أر في حياتي من تجيد ارتداء الملاية اللف.. زمان مثل الدمياطية! قدمت دمياط نفسها في اقليمها وكانت نموذجا لما قاله جمال حمدان عن أن الشخصية الاقليمية شيء أكبر من مجرد المحصلة الرياضية لخصائص وتوزيعات الاقليم، وهي تنفذ إلي روح المكان لتستشف عبقريته الذاتية التي تحدد شخصيته الكاملة.. لهذا كان الاهتمام بدمياط.. كشخصية اقليمية بازغة فرضت نفسها علي القطر كله. لهذا ليس غريبا أن يهتم بها الرئيس ويرفع روحها المعنوية فتقابل اهتمامه بالتقدير والعمل ومضاعفة الانتاج خدمة لاقتصاد الوطن وتقدمه.