عجيب أمر هذا الرأي العام الذي طالب بإقالة المهندس محمد لطفي منصور وزير النقل احتجاجًا علي الحادث الأليم لقطاري العياط ثم سرعان ما أبدي شيئًا من التعاطف معه بعد استقالته، والأعجب موقف بعض الصحف الخاصة والمعارضة التي خفت صوتها المدافع عن دماء ضحايا الحادث وهي التي تصرخ دائمًا باسم الفقراء والمطحونين وغيرها من الكوارث.. هل إعلانات وزارة النقل طويلة المفعول هي ما أخرست صوت هذه الصحف المناضلة لتقتصر تغطيتها علي نشر خبر الحادث متجاهلة مطالبها المتكررة باستقالة أي مسئول يخطيء.. في حين أن صحفًا قومية يزعمون أنها حكومية هي التي دافعت عن دماء الضحايا وطالبت الوزير عضو الحكومة بالاستقالة فاستجاب. في ندوة لروزاليوسف مع منصور لمناقشة مشكلات وزارة النقل قال إن في الصين 15 ألف جرار تنقل يوميًا 3 ملايين مواطن بينما في مصر 48 جرارًا فقط تنقل 1.5 مليون مواطن يوميًا مشيرًا إلي أن لديه خطة لزيادة عدد جرارات القطارات إلي 710 جرارات تنقل المواطنين ما بين 700 محطة. لم تشغلني الخطة بقدر ما أثار داخلي التساؤلات.. الصين عدد سكانها 1.3 مليار كيف يقطع 3 ملايين رحلة يومية بينما مصر 80 مليونًا يقطعون 1.5 مليون رحلة يومية عبر القطارات ألا يدل ذلك علي أن المشكلة لدينا في مركزية القرار ومركزية المدن الإنتاجية ومركزية الوزارات التي تتطلب اللجوء إليها لقضاء مصالح المواطن العادي بحيث يضطر إلي السفر يوميًا من المحافظات المختلفة للقاهرة في هجرة داخلية بحثًا عن الرزق أو قضاء مصلحة. ألا يدل ذلك علي الحاجة لاستراتيجيات لتحويل المحافظات إلي وحدات إنتاجية تحظي بتنمية مستدامة ومتوازية بالشكل الذي يجعل منها بيئة مناسبة للاستقرار وتخفيف التنقل والهجرة الداخلية؟! عاطفة المصريين ورغبة الإعلام في ملء مساحات جعل الكثيرين يناقشون القضايا بأسلوب قشري دون الغوص في الأعماق فبقدر إيجابية استقالة الوزير كنموذج لتحمل المسئولية بقدر ما هي مسكن للرأي العام بينما فيروس الإهمال متجذر والأمراض مستوطنة ولن ترحل برحيل الوزير بل بتخطيط استراتيجي يكفل تطويرًا للمنظومة بشكل كامل بنية أساسية وعنصر بشري وإدارة اقتصادية ليتحول مرفق النقل إلي قطاع قادر علي تغطية نفقاته. بمناسبة الصين فإن المثل الصيني يقول ليس مهمًا لون القط أبيض أم أسود المهم قدرته علي التهام الفئران فليس مهمًا اسم الوزير: منصور أو الدميري أو غيرهما المهم هو القدرة علي التهام الإهمال والقدرة علي التطوير، لتتوقف الكوارث. الوزير منصور الذي زار الصين مستندًا إلي تجربتها في تبرير تباطؤ الإصلاح في وزارته لجأ إلي من يطلقون علي أنفسهم مستشارين اعلاميين ليسوقوا له انجازات وهمية في حملة تكلفت 14 مليون جنيه أوهموه بأنها ستكفيه شر انتقادات الصحف ووسائل الاعلام تجاهل المثل الصيني القائل: البيت الذي تمارس فيه الدجاجة عمل الديك يصير إلي الخراب والديك يجب أن يكون أهل العلم والخبرة في إدارة الأزمات والتخطيط واستثمار الموارد والتطوير لصناعة انجاز حقيقي.. كما يقول المثل الصيني أيضا: طالما فتحت الباب علي مصراعيه فلابد أن يدخل بعض الذباب والذباب يدخل مع الانفتاح والحرية الاقتصادية والذباب هنا هو الفساد لكن الصين ابتكرت من القوانين الرادعة للفاسدين مبيدات قاتلة فليست المشكلة في دخول الذباب بل في القدرة علي مقاومته لكن نحن اكتفينا بهش الذباب وفي رواية أخري نشه فالقوانين غير رادعة والثغرات تسمح بمرور الفساد وحمايته في القطاعات المختلفة وكأن الحكومة تحولت إلي فكهاني جالس أمام دكان يمسك بيده منشة يهش بها الذباب ليبعده عن بضاعته فما يلبث أن يعود مشهد يتكرر في أفلامنا القديمة. لذا أهدي ما تبقي من جاموسة العياط التي أوقفت القطار فلم يعط اشارة لمن يليه إلي وزير النقل السابق.. الذيل هو ما تبقي ليهش به علي قطاراته علي أن يكون له فيه مآرب أخري شريطة ألا يحتكره وأن يعيره إلي من يأتي بعده وغيره من الوزراء حتي يبتكر برلماننا الموقر وسلطتنا التشريعية مبيدًا للإهمال والفساد.