27 - 10 - 1927 المناخ والكسل اليوم ولد المخرج السينمائي الكبير توفيق صالح، العلامة البارزة في تاريخ السينما المصرية، والموهبة المثقفة المتوهجة التي لم تقدم إلا أقل القليل من الناحية الكمية، لكن هذا القليل يحمل كل مؤهلات البقاء والتأثير، فما أكثر الذين قدموا الكثير بلا محصول، أو بمردود سلبي! في العام 1955 قدم توفيق فيلمه الأول المختلف عن المألوف والمعتاد: "درب المهابيل"، وبعد سبع سنوات ظهر فيلمه الثاني "طراع الأبطال"، وفي سنة 1968 عُرض فيلماه "المتمردون" و"يوميات نائب في الأرياف"، وفي العام التالي "المخدوعون" و "السيد البلطي"، ثم مرت أكثر من عشر سنوات قبل أن يخرج في بغداد، 1981، فيلمه الأخير المثير للجدل: "الأيام الطويلة". روائع مستمدة من ابداعات روائية لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وصلاح حافظ وصالح مرسي وغسان كنفاني، لكن المخرج الكبير ينتمي إلي طائفة غير قليلة العدد في تاريخ الثقافة المصرية، يتسمون بالإنتاج القليل عظيم الشأن، أما عن المحدودية فمردودة إلي أسباب شتي، أهمها قوانين السوق السائدة، والمناخ الرديء الذي يتحكم في الإنتاج، والزهد الذي يقترب من دائرة الإحباط، وربما الكسل واللامبالاة أيضًا! كان المأمول من توفيق صالح أن يقدم من الأفلام أضعاف ما قدم، لكنه آثر الابتعاد كأنه يحتج علي طريقته، وعند المقارنة بصلاح أبوسيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ، علي سبيل المثال، نجد أن هؤلاء المخرجين الكبار قد تشبثوا بالإبداع والعمل إلي اليوم الأخير، وتغلبوا علي كل المعوقات والعراقيل بإرادة حديدية، فما الذي دفع فنانا مثقفا واعيا مثل توفيق صالح إلي السير في الاتجاه المعاكس؟! قد يكون صحيحا أن الإبداع ليس قرارًا يتم اتخاذه، وأن العوامل الموضوعية تلعب دورًا بالغ الأهمية في صناعة المبدع والتأثير علي مسيرته، وبخاصة في السينما التي تتطلب جهدًا جماعيًا وتحتاج إلي تكلفة عالية، لكن الصحيح أيضًا أن الاستسلام لهذه العوامل ليس بالأمر الإيجابي، فالفنان المؤمن برسالته هو من يحارب ولا يعرف الرضوخ.