خلال وبعد هذا الرمضان الذي تسلسلت فيه العفاريت "وتسلسلنا نحن" بمجموعة كبيرة من المسلسلات القيمة وشديدة القيمة والخالية من أي قيمة ظهر حزب من المشاهدين فرحاً مرحاً بما يشاهد حيث يمتلك معدة ثقافية تهضم حتي الحديد. وظهر حزب آخر لا يعجبه العجب يحمل غيظاً وسخطا شديدا للغاية لأنه لم يستطع أن "يهضم" مثلا الفنانة الجميلة التي جسدت أو حاولت أن تجسد ليلي مراد وصرخت الجماهير: هذه ليست ليلي مراد - شاشه أونطه - هاتوا فلوسنا. وتعجب البعض الآخر من غرابة الأداء والحضور وتفاصيل شخصية الأستاذ أنور وجدي. وثار الكثيرون متحاملين علي الصديق اللذيذ أشرف عبدالباقي فهو فنان جميل له ضحكة جنان "جديدة وطازة" لكنه ليس "في مخيلة الناس" هو إسماعيل يس "تماماً" أعني سمعه بتاع زمان ولأن الجمهور هو مرآه الممثل أو الممثلة - ولأن الجمهور يمتلك "أرشيفا" في ذاكرته السمعية والبصرية من تراكم تجاربه ومشاهداته السابقة واللاحقه لهؤلاء النجوم الراحلين - فقد "إنغاظ" الجمهور - لأنه فقد شيئاً مهماً جداً هو "مصداقية الأداء" أو "النسخة البديلة المقلدة" لم يجد الجمهور "تطابقا". ولأننا أسرفنا في "تتويه" الجمهور في ندواتنا وحواراتنا ومقالاتنا حول ما نسميه خطأ وبإصدار جماعي غريب السيرة الذاتية لفلان أو لعلان علما أن كل ما يقدم ليس إلا سيرة لا ذاتية ولا حاجة -لأن السيرة الذاتية هي التي يكتبها الشخص عبر ذاته وبس. والمسلسل الوحيد الذي يحمل رائحة السيرة الذاتية هو القطعة العبقرية لطه حسين والتي اسمها الأيام ولعل الأيام بكوكبة المبدعين الذين قدموها ترجموا بدقة ما يقصده صاحب السيرة من خلال "نجم" قريب وليس مطابقاً تماما لطه حسين هو أحمد زكي إذن الحكاية "تقارب نسبي" وليس مطابقة - الحكاية نسخة فنية وليس صورة بديلة أو مزيفة للشخصية ولقد اجتهد كل من حاول تقديم هذه الشخصيات الشهيرة عندما "اقتربوا" روحاً وشكلاً وأداءً من الشخصية الشهيرة. هنا يأتي إيمان المشاهدين بأن ما يرونه "صدقا" أو مقبولاً وليس "منافيا - أو بعيداً - أو مش ممكن".. حاول نجوم هذه الأعمال التي لاقت هجوما الدفاع عن مجهودهم واجتهادهم وحاولوا حسم "الخلاف" بأنهم تركوا الشكل وامسكوا بروح الشخصية.. المتفرج لا يعنيه هذا التبرير الملتوي فالمرآة التي يجب أن "يضبط من خلالها" الممثل نفسه ليس "مرآته" أو مرآة من حوله أو مرآة من ورطوه لكنها مرآة بريئة تماما من الغرض إنها مرآة صادقة - مرآة الجمهور فهي لا تعرف الغش ولا تملك القدرة علي فصل الشكل عن الروح والمشاهد يصدق بشكل نسبي إن تقاربت الصور لكن إن كانت ليلي مراد تشبه شادية فهذا أمر - لا يمكن الدفاع عنه مطلقاً وإذا كان الناس "بلعوا" تيم الحسن في الملك فاروق لنسبة مش بطالة من التشابه - فلقد صدقوا أكبر نسبة من المصداقية وإمكانية التقارب الممكن بين نسرين وأم كلثوم بين أسمهان والنجمة التي جسدت دورها واسقطت مرآة الجمهور مصداقية العندليب - وسعاد حسني. الفن ليس مجرد نقل من الواقع هكذا يقول "الأساتذة" وهذا هو الصحيح لكن التزييف أمر لا يؤمن به الجمهور الذي يحب أن يصدق ويؤمن بما يراه ويقبل عليه ولا ينساه أبداً. وهذه مسئولية صناع العمل ولا يتحمل المسئولية مطلقاً "الممثل" فالمرآة الجماهيرية لا تغش - أبداً أما صناع العمل فلديهم مرايا مختلفة.