ومازال الأقصي يستغيث، فبعد أن أوضحنا أمام القارئ العزيز في اللقاء السابق خطورة ما تقوم به إسرائيل من حفريات حول الأقصي، منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، نستكمل الحديث حول الحفريات التي قامت بها في أعقاب نكسة 1967م، حيث بدأت هذه الحفريات في أواخر نفس العام جنوبي الأقصي، وهي مستمرة إلي الآن دون توقف، وعلي الرغم من قرارات مجلس الأمن وهيئة الأممالمتحدة واليونسكو التي طالبت إسرائيل بإيقافها. بدأ التنقيب علي امتداد سبعين مترًا أسفل الحائط الجنوبي للحرم القدسي، أي خلف الأقصي ومسجد النساء والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية. وقد وصل عمق هذه الحفريات إلي (14 م)، وهي تشكل مع مرور الزمن خطرًا يهدد بتصدع الجدار الجنوبي ومبني المسجد الأقصي المبارك الملاصق له. وقد مولت الجامعة هذه الحفريات التي ترأس فريقها البروفيسور بنيامين مزار، ومساعده مائير بن دوف ونشر أول تقرير عن نتائج التنقيب سنة 1969م. أما ما تم اكتشافه في هذه الحفريات فكان آثارًا إسلامية أموية (660-750م)، وآثارًا رومانية وأخري بيزنطية، ولكنه أصر في كتابه علي أن موقع الهيكل المزعوم هو نفس موقع المسجد الأقصي، وأن مدخله من الناحية الغربية، من جهة قوس روبنسون. وقد اختلف معه البروفيسور كوفمان فيما بعد وقال إن مدخل الهيكل من الشرق في موقع الباب الذهبي. وفي سنة 1973م بدأت إسرائيل في إجراء سلسلة جديدة من الحفريات في المنطقة الجنوبية الشرقية من الأقصي، واستمرت حتي سنة 1974 وامتدت علي مسافة ثمانين مترًا للشرق واخترقت في شهر تموز (يوليو) 1974م الحائط الجنوبي للحرم القدسي الشريف ودخلت الأروقة السفلية للمسجد الأقصي المبارك في أربعة مواقع: أسفل محراب المسجد الأقصي وبطول (20 م) إلي الداخل - أسفل جامع عمر (الجناح الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصي) - أسفل الأبواب الثلاثة للأروقة الواقعة أسفل المسجد الأقصي - أسفل الأروقة الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصي. وقد وصلت أعماق هذه الحفريات إلي أكثر من (3 م) وأصبحت تعرض جدار الأقصي الجنوبي إلي خطر التصدع والانهيار بسبب: قدم البناء، وتفريغ التراب الملاصق للجدار من الخارج إلي عمق كبير، فأصبح هناك فرق كبير بين منسوبي الداخل والخارج. إضافة إلي ضجيج الطائرات الحربية يوميا فوق المنطقة واختراقها لحاجز الصوت، وهذه تؤثر علي جميع المعالم الإسلامية الدينية والتاريخية بما في ذلك مبني المسجد الأقصي المبارك وقبة الصخرة المشرفة. أيضًا نتيجة أعمال الهدم التي جرت بتاريخ 11/6/7691م (أي بعد أربعة أيام فقط من الاحتلال الإسرائيلي للقدس) باستعمال الجرافات لحي المغاربة الملاصق للمسجد الأقصي من الجهة الجنوبية الغربية. وكان هذا الحي يشكل حصنًا منيعًا يفصل الحي الذي كان يسكنه اليهود عند المسجد الأقصي، وملاصقًا لحائط البراق الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من الحرم القدسي الشريف. وفي نفس التوقيت، وفي عام 1970م، كانت هناك حلقة جديدة من الحفريات عرفت باسم حفريات النفق الغربي، وتوقفت عام 1974م، ثم استؤنفت ثانية عام 1975م، واستمرت حتي أواخر عام 1988م رغم قرارات اليونسكو، وامتد النفق من أسفل المحكمة الشرعية (وهي من أقدم الأبنية التاريخية في القدس) ومر أسفل خمسة أبواب من أبواب الحرم الشريف هي: باب السلسلة، وباب المطهرة، وباب القطانين، وباب الحديد، وباب علاء الدين البصيري (المسمي باب المجلس الإسلامي)، ومر كذلك تحت مجموعة من الأبنية التاريخية الدينية والحضارية ومنها أربعة مساجد، ومئذنة قايتباي الأثرية، وسوق القطانين (أقدم سوق أثري إسلامي في القدس)، وعدد من المدارس التاريخية، ومساكن يقطنها نحو (3000) عربي مقدسي. وقد وصلت حفريات النفق إلي عمق يتراوح بين (11-14م) تحت منسوب الأرض وطول نحو (450 م) وارتفاع 2.50 مترًا ونتج عن هذه الحفريات تصدع عدد من الأبنية منها الجامع العثماني، ورباط كرد، والمدرسة الجوهرية، والمدرسة المنجكية (مقر المجلس الإسلامي)، والزاوية الوفائية، وبيت الشهابي، ويمر النفق بآثار أموية وبيزنطية عبارة عن جدران وأقواس حجرية، وفي عام 1987م أعلن الإسرائيليون أنهم اكتشفوا القناة التي كان قد اكتشفها قبلهم الجنرال الألماني (كونراد تشيك) في القرن التاسع عشر بطول 80م، ولم يكتف الإسرائيليون بإيصال النفق بالقناة بل قاموا بتاريخ 7/7/8891م، وتحت حماية الجيش الإسرائيلي بحفريات جديدة عند ملتقي طريق باب الغوانمة مع طريق الآلام، واستخدموا فيها آلاف الحفر الميكانيكية، بهدف حفر فتحة رأسية ليدخلوا منها إلي القناة الرومانية وإلي النفق، ولكن تصدي لهم المواطنون في القدس الشريف ومنعوهم من الاستمرار فاضطرت السلطات الإسرائيلية إلي إقفال الفتحة وإعادة الوضع السابق. وكان الهدف من تنفيذ هذه الفتحة هو تهوية القناة والنفق من جهة ثانية غير المدخل، وإنشاء نقطة حراسة إسرائيلية جديدة، والوصول إلي البرك الرومانية بسهولة، ورغم إقفال هذه الفتحة فقد صرح وزير الأديان الإسرائيلي في ذلك الوقت (زفولون هامر) وكذلك رئيس بلدية القدس الإسرائيلي آنذاك (تيمدي كوليك) بأن هذه الحفرية الأثرية سوف تستأنف في الوقت المناسب. وهذا يدل علي عدم الاكتراث والتحدي السافر لكل المثل الإنسانية والحضارية، وفعلاً استأنف الإسرائيليون محاولاتهم لفتح باب ثانٍ للنفق في زمن حكومة رابين إلا أنهم توقفوا عن ذلك أمام الرفض الذي جابهوه من أهالي القدس. ثم أعادوا الكرة مرة أخري. وفي هذه المرة نجح الإسرائيليون بفتح باب ثان للنفق من جهة مدرسة الروضة عن طريق الآلام بتاريخ 42/9/6991م ويهدف الإسرائيليون بفتح الباب الثاني للنفق إلي تحسين تهوية وإضاءة النفق وتسهيل الصلاة في الداخل، وإقناع يهود العالم للقدوم إلي القدس للصلاة داخل هذا النفق وفي موقع تحت المسجد الأقصي المبارك. وعليه فقد أصبح داخل النفق كنيس يهودي، سيحاول الإسرائيليون القفز منه إلي الأعلي مستقبلاً وهذه هي الخطورة الكبيرة التي تكمن وراء بقاء هذا النفق مفتوحًا ومستعملاً للصلاة. للحديث بقية