من المفهوم بداهة أن السبيل الوحيد لإعادة الرهائن المتبقين سالمين هو من خلال صفقةٍ تفاوضية. لم يكن استهداف الاحتلال لقيادات حركة حماس مفاجئاً، فقد أعلن نتانياهو وعدد من قياداته العسكريين بتهديدهم السافر لكافة قيادات حركة حماس سواء من يختبئون فى أنفاق غزة، أو أولئك الذين يقيمون فى خارج القطاع. وقالوا بوضوح ليست هناك حصانة لأحد منهم. وقد أشرنا إلى هذا التهديد فى هذه المساحة قبل أسبوعين فى مقال بعنوان «لم يعد للسرية مكان» وذلك على أثر إعلان إسرائيل عن استهداف واستشهاد أبو عبيدة المتحدث العسكرى لحركة حماس. أما المفاجئ حقًا فهو ارتكاب هذه الجريمة على أرض العاصمة القطرية التى تلعب دورًا جوهريًا فى الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل لإحراز صفقة إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس، والتى تستضيف واحدة من أهم القواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة؛ قاعدة العيديد. يعنى على أقل تقدير هى دولة إن لم تكن حليفة فهى ليست عدوًا، ومن ثم لا ينبغى استعداءها أو النيل من سيادتها على أرضها أو إحراجها مع ضيوفها أو الإخلال بأمنها كما حدث مع إيران عند استهداف رئيس حركة حماس الشهيد اسماعيل هنية على أرضها. خطورة الأمر أنه يؤدى إلى توتر العلاقات الدولية والإقليمية، حتى ولو الهدف الهامشى هو دفع قطر لطرد قيادات حركة حماس المقيمين على أراضيها، وتحذير باقى الأطراف الإقليمية من استضافتهم بحيث لا يجدون ملاذًا آمنًا. بصرف النظر عن الجدل الدائر فى إسرائيل حول تقييم مدى نجاح أو فشل الضربة الإسرائيلية الأخيرة على العاصمة القطرية فى تحقيق أهدافها، إلا أن الواضح أنها قد فشلت خاصة وأن الهدف الرئيس من هذه المحاولة قد نجا وهو كبير مفاوضى حماس خليل الحية، ولكن هذا يعنى أن المحاولات الصهيونية لن تتوقف وأنه قد تكون هناك محاولات أخرى. أما الغريب، بل والصادم حقًا، فكان التعليق البارد للرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى يتصور ان ما حدث سيكون بمثابة زوبعة فى فنجان، وأنه من الواجب أن تتقدم الأطراف فى عملية التفاوض (to move on) من أجل استعادة الرهائن وكأن شيئًا لم يكن! « فالرئيس الأمريكى يعتقد أن هذا الحادث المؤسف يمكن أن يكون فرصة للسلام! على حد صياغة بيان البيت الأبيض. من البديهى إدراك أن هذه الضربة من شأنها أن تعيد مسألة التفاوض إلى المربع رقم واحد، ولا سيما أن الواقع على الأرض لا ينبئ باحتمال إحراز أى تقدم فى مسألة إنهاء الحرب على غزة، أو إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس. وفى كل التصرفات الإسرائيلية الأخيرة كانت هناك شواهد على أن رئيس الوزراء الإسرائيلى لا يأبه لمصير مواطنيه المحتجزين، على الأقل من لا يزال منهم على قيد الحياة وهم عشرين حسب أحدث التقديرات، أو لعودتهم سالمين إلى ذويهم، رغم أنه وبعض أعضاء حكومته يحرصون على ارتداء الدبوس الأصفر الذى يعود إلى منظمة إسرائيلية تدعى bring them home now وتعنى «أعيدوهم إلى البيت الآن». بل إن الأرجح أن أحد أهداف هذه الضربة الإسرائيلية الأخيرة هو تفجير المفاوضات والحيلولة دون مواصلتها. ولا سيما أنه من المفهوم بداهة أن السبيل الوحيد لإعادة الرهائن المتبقين سالمين هو من خلال صفقةٍ تفاوضية. كما أن الرهائن محتجزين فى أعماق الأرض، ومحاطين بعناصر حمساوية مما يُصعّب عمليات الإنقاذ العسكرية. فضلًا عن أن حركة حماس كانت أعلنت أن أى محاولة لإنقاذ الرهائن ستؤدى حتمًا إلى وفاتهم، مما يعنى أنه فى غياب صفقة، لن يُطلق سراح الرهائن.