لقد تقدمت باستقالتك ولا بأس، فهذا شأنك.. وقد تلقفتها الآلة الإعلامية بحفاوة بالغة وضجيج مفتعل وتهاتفت لتسويقها علي خلفية أنك لم تعد تستطيع صبراً علي تردي الأحوال العامة وتردي حال القضاء بصفة خاصة. وتعددت في هذا السياق الأحاديث والتعليقات التي صنفت تلك المبادرة بكونها عملاً بطولياً بل زايد البعض عليها بمقولة إنها مقدمة لاستقالات تعقبها من القضاة لنفس الدوافع والأسباب. وأياً كانت هذه الدوافع والأسباب التي استندت إليها في ذلك فإنه يمكن تفنيدها والرد عليها بمعرفة أصحاب الاختصاص.. وليس هذا شأننا وإن كان لنا في ذلك حق. ولولا مروءة واقدام ونفس أبية قد عهدناها فيك ما كنت أتجاسر علي أن أناشدك إعلانها صريحة وفي قول واحد وجيز بما يتضمن أنك اعتزلت العمل القضائي الوظيفي لممارسة العمل السياسي.. ولاتثريب.. أما أن تعرض الجرائد لحيثيات الاستقالة علي صفحاتها وفيها ما يمسنا فهنا فقط يتولد لمنا حق والرد والتعقيب وإن اقتصر علي ما يتناول هذا المساس من دون غيره علي اعتبار أننا جميعاً كقضاة إنما نقاتل بهدف واحد ونخوض معركة واحدة كمنظومة متكاملة كما أنه لا فضل لكم علي زملائكم الذين هم بالطبع ليسوا أقل منكم خبرة أو كفاءة أو غيرة علي العدالة وليسوا أيضا أقل منكم التزاماً. ولكن.. طالما آل أمر هذه الاستقالة إلي أن أصبحت هي الطعام الرئيسي علي المائدة الإعلامية حاليا، فإن من واجبنا أن نتصدي لبعض ما ورد بها ذلك أن المقام لا يتسع هنا لكي نتعرض لكل ما استندتم إليه في معرض قولكم بوجود دوافع عامة أو خاصة للتقدم بهذه الاستقالة. وبناء علي ما تقدم فإنني سأكتفي فقط بما جاء بحديثكم لجريدة المصري اليوم يوم 2009/9/22 متعلقاً بعدم استقلال القضاء. ولنا هنا ملاحظة وقول ياسيادة المستشار الجليل ذلك أنني أدرك شأن غيري من الزملاء ما يعنيه اصطلاحاً هذا القول باعتباره شأنا مرفقياً يتعلق بممارسة سلطة القضاء في مواجهة باقي سلطات الدولة وبمعني أكثر تحديداً فهو لايتعلق البتة بالمعني المتداول في أوساط العامة متمثلا في إملاء الاحكام علي القضاة افتئاتاً علي هذا الاستقلال وهو ما يهم المجتمع والمتقاضي. وملاحظتنا أن هذه المسألة فيها خلط متعمد للأمور ربما إذا ما وضعت علي المائدة الإعلامية علي هذا النحو ووفق هذا المعني وعلي اعتبار أنها أيضا حلقة من حلقات ما سمي بانتفاضة القضاة. ويهمنا أن نقول إن هذا الاصطلاح وفق هذا المعني قد لاقي رواجاً إعلاميا كثيفاً إلي الحد الذي اتخذ منه فصيل انتخابي في نادي القضاة عنواناً له إذ كانت هناك قائمة أطلقوا عليها قائمة الاستقلال وأخري كأنها معارضة لهذا الاستقلال.. ألا تلاحظ معي حساسية هذه المسألة ياسيادة المستشار، أعتقد أنك الآن سلمت بأحقيتي في التدخل بهذه الكيفية، كما سلمت أيضا بكون هذا التدخل ليس من زاوية الدفاع أو الهجوم أو من باب مع أو ضد لا ليست هذه ولا تلك. فقناعتي الشخصية لها ولائي الكامل وماذا كنت انتظر وقد أدليت بشهادتك للإعلام كشاهد من أهلها.. ماذا أقول لابني عندما يسألني: هل يتدخل أحد في اصدار الأحكام القضائية؟ وإزاء هذا الخلط المتعمد في المعني بما يمثله من خطورة تتمثل فيما يستقر في وجدان عامة الناس وقد ساورهم الشك في أحكام القضاء وأعمال السلطة القضائية، فلا شك أنك تشاطرني الرأي موضوعياً وفعلياً أنه قول مردود وكلام مرسل يستحيل اقامة الدليل عليه واقعاً فاستقلال القاضي كما تعلم إنما يكمن في ضميره وفي خياراته الشخصية. كما أن استقلال القاضي وليس القضاء هو ما يهم المواطن المتقاضي بالدرجة الأولي وأن تناول هذه المسألة إعلامياً علي هذا النحو مع الإصرار والتكرار فإنه يرتكب بواسطتها أعظم الجرائم في حق العدالة والقضاء وكأنها قميص عثمان ذلك أنه ما أن تتلقفها مسامع العامة حتي يتبادر إلي أذهانهم المعني الأخير الملتبس. وعندما تدفع بها ياسيادة المستشار الجليل كسبب لاستقالتك فقد قدمت الدليل لهم أن يستخفوا بالقضاء ورجاله وأحكامه ولا شك أنه أمر غير مقبول وغير حقيقي وكفانا ما أصابنا كقضاة نتيجة هذا الطرح الإعلامي لمشاكلنا خلال الانتخابات البرلمانية الماضية.. ومما انعكس بدوره علي العمل القضائي إلا أن لذلك قولاً آخر ومجالاً مخالفاً. هناك مسألة أخيرة وردت بحديثكم المنشور أود أن أتعرض لها علي عجل وإن كانت من ضمن ما لايعنيني آسف هي من ضمن ما لست معيناً بالرد عليه ولكنها استفزتني، هذه المسألة تتعلق بما ذكرته في معرض القول بتردي وسائل حفظ الملفات والقضايا بالمحاكم خاصة دار القضاء العالي وعلي حد تعبير سادتكم فقد قلت إنها من "برة هلا هلا ومن جوة يعلم الله". وأياً كانت حقيقة هذا المعني المقصود فإنه تعبير عامي لايليق، غير أنني سألتفت عن هذه الجزئية وإن كنت أقرر أنه قد جانبكم فيها الحق والصواب ذلك أن الشمس لاتنكر فمسألة حفظ الملفات والقضايا كانت من أولويات اهتمام وزارة العدل منذ زمن وقد زادت في عهد الوزير الحالي وبما مفاده أنه تمت تزويد دور المحاكم بالميكرو فليم وجار ميكنتها بأحدث وسائل التكنولوجيا فضلا عن ترميمها وتجديدها بشكل لافت وجار العمل. في النهاية أنا لم أقصد التقليل من آثار هذه الاستقالة ذلك أنها خيارات شخصية لا دخل لي بها ولكنني تعرضت فقط لما تصورت أنه يتعلق بشخص وصفتي داخل بيتي، فكان طبيعياً أن ازود عنه وقد فعلت إما غيره فليس مخولاً لي.