نحن أخطأنا في معركة انتخابات مدير عام اليونسكو.. وخطأنا الأكبر هو أننا رشحنا فاروق حسني لهذا المنصب ولم نهتم برسائل عديدة تلقيناها تطالبنا بالبحث عن مرشح غيره.. لقد قال لنا الأمريكان ومنذ وقت مبكر إنهم يمكن أن يمنحوا تأييدهم لمرشح مصري غيره لكنهم لا يستطيعون تأييد فاروق حسني! هكذا يكتب ويقول البعض الآن بعد أن انتهت معركة انتخابات اليونسكو التي شهدت كل فنون وألاعيب الانتخابات المشروعة وغير المشروعة، وكأنهم دون أن يدروا أو ربما يدرون يجدون الأعذار للولايات المتحدة التي ناصبت المرشح المصري العداء وقادت الحرب المعلنة والسرية ضده لتحول بينه وبين منصب المدير العام لليونسكو، ولم تنفذ وعودها للقاهرة بأن تكتفي بعدم انتخاب وزير الثقافة المصري، ولا تشن حربًا ضده أو تحرض أحدًا علي عدم انتخابه، ولا تمارس ضغوطًا علي أعضاء المجلس التنفيذي صاحب الحق في انتخاب المدير العام لليونسكو لكي ينتخبوا أي مرشح أو مرشحة غير حسني، مثلما فعل المندوب الأمريكي في هذه المنظمة الدولية. فهل صحيح أن واشنطن حاربت شخص فاروق حسني ذاته لأسباب شتي، لأنها لم تنس دوره في أزمة السفينة أكيلي لاورو، وأنها كانت ستمنح تأييدها لمرشح مصري آخر، أو أي بديل له، مثلما لم تعارض في انتخاب د. بطرس غالي أمينًا عامًا للأمم المتحدة، أو د. البرادعي مديرًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو د. فتحي سرور رئيسًا للبرلمان الدولي.. أم أن الاعتراض الأمريكي الواسع الذي واجه فاروق حسني في انتخابات اليونسكو كان أكبر من شخصه، وأهدافه أوسع من مجرد منعه شخصيا من منصب مدير اليونسكو؟ في البداية.. يجب أن نتذكر أن الظروف التي صاحبت انتخابات كل من د. البرادعي ود. بطرس غالي ود. أحمد فتحي سرور للمناصب الدولية كانت مختلفة عن الظروف التي جرت فيها معركة انتخابات اليونسكو.. لقد كانت ظروفًا مناسبة لاختيارهم للمناصب الدولية التي وصلوا إليها علي عكس الظروف الحالية التي جرت فيها معركة اليونسكو. لقد خاض د. بطرس غالي معركة الأمين العام للأمم المتحدة وهو يحظي بدعم ومساندة إحدي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي فرنسا، التي كانت ترعي انتخابه وخاضت في سبيل ذلك مفاوضات مع الولاياتالمتحدة انتهت إلي توافق أو اتفاق يتيح للدكتور بطرس غالي أن يتبوأ هذا المنصب الرفيع. وعندما خالف الرجل طلبًا لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت وقتها بعدم إذاعة أو الإعلان عن تقرير قانا الذي يدين العدوان الإسرائيلي خاضت ضده حربًا ضروسًا انتهت بإبعاه عن الأممالمتحدة، ولم تراع واشنطن اتفاقها السابق مع باريس بخصوصه. ونفس الأمر ولكن بشكل مختلف تكرر مع د. محمد البرادعي الذي انتخب لمنصبه في وقت لم تكن مشكلة الملف النووي الإيراني مطروحة أو قبلها المشكلة التي افتعلتها واشنطن حول أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق التي استخدمتها لتغطية أو تبرير غزوها للعراق واحتلاله، ولم تظهر الانتقادات الأمريكية العلنية للبرادعي إلا وهو يتأهب لترك منصبه، فضلاً عن أنها في غزو العراق تخطت كل المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأممالمتحدة ذاتها. أما انتخاب د. فتحي سرور رئيسًا للبرلمان الدولي أو غيره فإنه أمر لا يزعج كثيرًا الولاياتالمتحدة أو حلفاءها لأنها منظمة شعبية فضلاً عن أن القرار داخلها يتم بأغلبية الأصوات وليس في يد الرئيس بينما مدير اليونسكو في يده الكثير.. في يده إحياء ملف القدس وآثارها مثلما كان سيفعل فاروق حسني أو أي مرشح مصري وعربي، وفي يده أن يبقي هذا الملف مركونًا علي الرف مثلما فعل المدير الياباني الحالي لليونسكو. ولعل هذا هو عدم حماس، أو فلنقل معارضه الأمريكيين والإسرائيليين لوصول مصري أو عربي لمنصب مدير عام اليونسكو، مثلما فعلوا من قبل مع مرشح السعودية وأيضًا مع د. إسماعيل سراج الدين.. وهكذا فإننا نتخلي عن ذكائنا إذا تصورنا أن واشنطن كانت ستؤيد مرشحًا مصريا آخر بدلاً من فاروق حسني. اصحوا يا سادة!