أين التسامح؟! في معبد يهودي بمدينة ريستون بولاية فيرجينيا الأمريكية وقف مسلمون أمريكيون مولين وجوههم شطر قبلتهم لصلاة العشاء والتراويح منذ بداية شهر رمضان. المسلمون الأمريكان لم يقتحموا المعبد أو يغتصبوه من أهله بل سلموا عليهم وأستأذنوهم فأذنوا لهم.. نوع من أنواع التسامح بين أبناء الديانات المختلفة يعكس أثر البيئة والثقافة المجتمعية التي تسهم فيها منظومة متكاملة بعناصرها التشريعية والتربوية والإعلامية والدينية ثقافة التعايش مع الآخر. المسلمون في ريستون عددهم يفوق استيعاب مكان عبادتهم الضيق المساحة لم يصرخوا ضد الحكومة الأمريكية متهمينها باضطهاد المسلمين ورفض منحهم تراخيص بناء دور عبادة، بل طالبوا القائمين علي المعبد اليهودي بالسماح لهم بتأدية الصلاة بمقر معبدهم نظرًا لشدة الإقبال علي صلاة الجماعة في رمضان. المشكلة المثارة الآن في مصر بشأن قانون دور العبادة الموحد تطرح تساؤلات هل تعكس حاجة حقيقية لبناء دور العبادة كنائس كانت أو مساجد؟ بمعني أدق هل ضاقت دور العبادة بالعباد أم هي ذرائع لإثارة الفتن.. مشروع القانون في طور الإعداد وسيصدر عاجلاً أم آجلاً ونؤيد حق الجميع في بناء دور عبادة لممارسة طقوسه الدينية لكن هل ستنتهي محاولات إشعال الفتن بعد ذلك؟.. أشك! الحل لا يكمن في التوسع في بناء دور العبادة بل يتمسك أبناء الديانات المختلفة بصحيح دينهم فالإسلام واليهودية والمسيحية ديانات مصدرها إله واحد لا شريك له جميعها تأمر بالسلام والتآخي والتراحم والصدق والعدالة والمساواة.. والمشكلة الحقيقية تكمن في هؤلاء مدعي الحديث باسم الله.. وكلاء الله في الأرض من كل ديانة.. الباحثين عن مكانة اجتماعية وأرباح دنيوية باسم الدين مدعي احتكار الحقيقة. قال تعالي "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا".. "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" سنة الله في الخلق الاختلاف والتعايش والتعارف فلم تكن جريمة مشركي قريش رفضهم اعتناق الإسلام بل رفضهم أن يعيش دين جديد إلي جوار دينهم.. ولا يمكن السماح لمتطرفين إسلاميين رفض أبناء الديانات السماوية الأخري فالأساس في الدول المتحضرة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات وحرية المعتقد واحترام حرمة الأديان وقداستها. المسيح عليه السلام في إصحاح متي 52/26 قال "رد سيفك إلي مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون".. بداية القرن الخامس عشر تسلط رجال الدين علي عقول البشر وصاغوا صكوك الغفران.. مارسوا القمع ضد المسيحيين أنفسهم حتي جاء مارتن لوثر في ثورة الإصلاح الديني قائلاً "ينبغي التغلب علي الملحدين بواسطة الكتابة لا بواسطة النار". الأصل هو الحوار العقلاني لكن ما أسوأ أن يحول بعض المتربحين بالأديان الكتابة إلي نار تطهي لهم ما لذ وطاب وتحرق غيرهم بما فيه الوطن التسامح والموضوعية أين هم الآن؟! [email protected]