قلت لنفسي أكثر من مرة، حلمي سالم شاعر وحنون ورقيق وطيب، لكنني فيما بعد استدركت كأنني مذنب، إن لحلمي سالم ولحسن طلب ولمحمد سليمان ولي ولآخرين سوانا أن يكتبوا ما شاءوا من قصائد يمارسون فيها حرياتهم الإبداعية، وللشيخ يوسف البدري، ولأي شيخ آخر، حق -تمنحه له حداثتنا وحداثتكم- حق أن يعلن رأيه فيما نكتبه عبر الوسائط المشروعة، راديو تليفزيون صحافة، وله أيضا حق أن يحتج علي ما نكتبه ويري أنه يخدش عقيدته وربما يهينها، مادامت فهارس القوانين التي خرجت من خزانة النظام تسمح له بذلك، ما دامت تحضه علي أن يفعل ذلك، بمعني آخر مادامت نصوص القوانين تجعل الحرب التي يخوضها المثقفون من أجل ما يسمونه حرية التعبير، حربا مغلوطة، تتجه نيرانها إلي صدر الإنسان العادي يوسف البدري، الذي هو -سواء عرف ذلك أو لم يعرف- مجرد أداة ليبتعدوا عن الحرب الصواب التي لابد أن تكون ضد فهارس القوانين ونصوصها، ضد الروزنامة كلها، لكن الحرب المغلوطة أكثر رأفة وخسائرها أفدح من الحرب الصواب، لذا سيتواطئون، رعاية لمصالح، أو رعاية للاستجمام، نحن نعرف، ونتكتم ما نعرفه، نعرف هشاشة الشعوب التي كانت في أزمنة أخري قوي كاسحة ونعرف أن الأنظمة العريقة في بيروقراطياتها تعرف ذلك، ونعرف أن الشعوب، الأغنية القديمة للرومانسيين الثوريين، لم يعد إحدي القوي الفاعلة التي ينبغي مراعاتها، وأصبحت القوي محل المراعاة، قوي ملائمة لعصرنا، تظهر في أماكن علي شكل قوي طائفية دينية، وفي أماكن أخري علي شكل قوي طائفية عرقية، أو الشكلين معا، وفي أماكن ثالثة ومنها مصر، علي شكل قوي طائفية مهنية (العسكري، البوليس، رجال الأعمال)، ويدخل في حسابات موازين القوي مدي الدعم الذي يتنزل عليها من بعض القوي الخارجية المهيمنة والرئيسة، قبل عصرنا، كان المثقفون يستمدون قوتهم من قوي الشعب عندما كان قويا، ولكنهم وبسبب وعيهم الشقي أدركوا قبل سواهم أنهم قد أصبحوا يتامي، محرومين، لذا بحثوا عن أب جديد يستمدون منه بعض النفوذ الضائع، وفي مصر أيضا وجدوا أن النظام هو الأب الوحيد مع بعض الأعمام والأخوال الخليجيين والأمريكيين، فتسابق النهابون إلي إعلان أنهم أبناء النظام المخلصون، وأن دماءهم الزكية من دمه الزكي، وأحلامهم من أحلامه، وأنهم حسب شجرة النسب أبناء أخوة الخليجيين وأبناء أخوات الأمريكيين، في بيت الراحل غالي شكري، وقبل تفجير أزمة نصر حامد أبي زيد، وإخراجها من أسوار الجامعة إلي الشارع، حضرت جلسة ضمت عدداً من يسار المثقفين شعراء وروائيين ومفكرين، وسمعت بأذني إلماحات غالي شكري الواضحة حول أن (أ . ب . ) وهو أحد المسئولين الكبار قد أشعل بقداحته الذهبية شمعة الضوء الأخضر للمثقفين كي يخوضوا معركتهم ضد التيارات الدينية والتي موضوعها بالمصادفة نصر حامد أبو زيد، سنعلم فيما بعد أن النظام سرعان ما ضحي بالسيد نصر وتخلي عنه في لعبة الأمم، المهم أننا نعرف ونتكتم علي ما نعرفه، نعرف أن النظام لا يرغب في أن يخوض بنفسه معركة ضد التيار الديني، لا يرغب في أن تراه الكتل العمياء وهو يطعن التيار الديني، فتظن أنه يطعن الدين، هكذا ستعمل آلة لعبة الأمم آلة ادعاء ملكية صحيح الدين، هكذا سينقسم عقل النظام ويتوزع علي رغبات أبرزها رغبتان، رغبة محمومة في النيل من خصوم لا يحملون في النهاية مشروعا بديلا بشكل جذري، خصوم هم محض منافسين علي السلطة، راغبين في الاستيلاء عليها أكثر مما هم منافسون علي التغيير الشامل، أو حتي علي الإصلاح، ورغبة محمومة في الاستتار والخفاء، في أن تكون السلطة مستطيعة بغيرها، في تبني المثقفين اليتامي ومنحهم الامتيازات كأبناء، هاتان الرغبتان انتجتا معا روزنامة القوانين الخارجة من خزانة أيديولوجيا النظام، والتي بموجبها يقوم أبناء النظام المثقفون العلمانيون وكتابهم وشعراؤهم ومفكروهم، يقودهم أفراد نابهون ذوو طموح ومتعطشون للثراء والمجد، هم أنفسهم راسمو سياسات النظام الثقافية ومنفذوها ورؤساء هيئاتها ومجالسها وصحفها ودعاة التنوير فيها والمشمولون برعاية أول حروف الهجاء الألف إلي الياء الأولي جائزة التفوق أو جائزة الدولة التقديرية أو جائزة مبارك ثم إلي الياءات الأخري التي لا تنتهي، أقول يقوم المثقفون هؤلاء بالحرب نيابة عن نظام يستتر لكي يصبح الجميع قوادا و جنودا في حرب ليست حربهم إنها حرب بالوكالة ويصبح يوسف البدري سواء علم أو لم يعلم، ويصبح خصوم يوسف البدري وهم يعلمون، ويصبحون كلهم مجرد أدوات، ويصبح النظام حكما بصافرة يلجأ إليه يوسف البدري بلجوئه إلي النائب العام، كما يلجأ إليه قادة التنوير بلجوئهم أيضا إلي النائب العام، تذكر أن رحلة القادة إلي النائب العام، سبقها التفكير في الحصول علي تفويض ممهور بتوقيعات المثقفين مثلما حدث أيام سعد زغلول، وتذكر أن الرحلة تلك تبطنت وتغطت بإكسير الشجاعة والرئاسة والوجاهة والحكمة، وكما في كل الحروب، القادة يصنعون الشعارات ليستروا الأوساخ الهائلة خلفها، والجنود يصدقون الشعارات، وإذا أنف أحد الجنود تصادف أن شمت رائحة الأوساخ وأعلن ذلك حوكم بتهمة الخيانة العظمي، وهاأنذا أقف مثل شخص محدود وضائع، أقف وأستند علي كتف تحاول أن تفلت مني، وأقول: حلمي سالم شاعر وأنا مع يوسف البدري، داعبتني صديقتي وقالت لي: الفاسدون ينحدرون من الألف إلي الياء، ولكنني عندما فكرت، ظننت أن بعضهم قد لا يحتمل هذا الانحدار، وأن هذا البعض قد يتوقف عند حرف الجيم، عندما تلسعه نيران جهنم ويتألم ويخر صارخا: جاي جاي، أو قد يتوقف عند حرف الحاء عندما تلسعه الحمم ويتألم ويوحوح صارخا: أحْ أحْ، هؤلاء يمكن أن نثق في أنهم قد يعودون. انتهت المقالة التي نشرتها من قبل في جريدة النهار، وكنت قد انتبهت إلي أن جائزة سيد القمني قد فتحت باب تزوير الشهادات العلمية، الذي شاع كثيراً، وهاأنذا أطالب بأن يصر رئيس كل جهة، تتعامل مع شخص يحمل هذه الصفة، ولا يعمل بالجامعة، علي أن يقدم أولا ما يثبت صحة صفته، حتي لا تكون الجهة متواطئة في التزوير، هكذا أطالب محمد سلماوي وعبد المنعم سعيد وأسامة سرايا وإلا أصبحوا شركاء في صناعة الدكاترة الزائفين، سامح الله سيد القمني، وجعل الله قلبي عامراً بمحبة حلمي سالم، عامراً بالاشتياق إليه.