اليوم ولدت هدي سلطان، المطربة دافئة الصوت، والممثلة البارعة في السينما والمسرح والتليفزيون، والإنسانة التي عرفت التوازن والانسجام في أطوار حياتها المختلفة، فهي لا تعاني من المفارقات والتناقضات، وينعكس صفاؤها النفسي علي أسلوب أدائها في الغناء والتمثيل معًا. الأغلب الأعم من المطربات دخلن إلي ساحة التمثيل من بوابة الغناء، لكن هدي سلطان من القليلات اللاتي تألقن في المجالين، مثلها في ذلك مثل شادية، فهي ممثلة موهوبة متمكنة قديرة، ولم تجد صعوبة في التمثيل بلا غناء، وحتي بعد اعتزالها واقتصارها علي التمثيل وحده قدمت أدوارًا لا تُنسي، في السينما والتليفزيون، وكانت أنموذجا للنضج الذي يتحول فيه الحضور إلي توهج بلا شبيه. درسان هما الأكثر أهمية يمكن استخلاصهما من حياة هدي سلطان يتمثل الأول في حقيقة أن الفن لا يعرف الواسطة ولا يعترف بها، فلم يقل أحد في سياق الحديث عن هدي أنها شقيقة العملاق محمد فوزي، أو زوجة وحش الشاشة فريد شوقي، ذلك أنها اقتحمت الساحة الفنية مسلحة بالموهبة وحدها، ولم يشفع لها أخ أو زوج. الدرس الثاني عن العلاقة بين الفن والدين، فقد اختارت الفنانة الكبيرة في سنواتها الأخيرة أن تلبس الحجاب، ولم تفكر يومًا في الاحتجاب عن جمهورها العريض، ولم تجد تناقضًا بين عملها الفني المحترم والتزامها الديني علي النحو الذي تراه وتؤمن به. يبدو الأمر في العقدين الأخيرين مختلفًا، فما أكثر الذين يحترفون الفن بالميراث وحده، وكأنه مهنة من لا مهنة له، وما أكثر الذين يصنعون صراعا وهميا بين الدين والفن، وقد جاء حين من الدهر كانت الاحتفالات لا تتوقف لأن ممثلة مغمورة قد قررت الاعتزال لتتخذ من الحجاب عملا بديلاً، ثم تتحول بعد أيام إلي داعية تفتي وتصدر الأحكام الفقهية. هدي سلطان أدارت ظهرها لهذا العبث كله، وعاشت بلا ضجيج، ثم رحلت في هدوء، لتحظي في حياتها وبعد موتها بكل الحب والتقدير والاحترام.