الدكتور حسانين فهمى حسانين أستاذ اللغة الصينية المشارك بكلية الألسن جامعة عين شمس، ترجم العديد من كنوز الأدب الصينى إلى العربية وفى مقدمتها أعمال الكاتب الصينى مويان الفائز بجائزة نوبل عام 2012 وترجم حسانين له روايته الشهيرة «الذرة الحمراء الرفيعة» والتى صدرت بعد أيام قليلة من فوز مويان بالجائزة، والصبى سارق الفجل، وكذلك ترجم أعمال الروائى ليوجين يوين ورائعته «الموبايل»، ويأسف للتواجد المحدود للأدب العربى فى الساحة الثقافية الصينية مقارنة بنظيره الأمريكى اللاتينى، ونحن بحاجة إلى حكمة الصين باعتبارها رسالة أمل إلى عالم تمزقه الحروب، ويعانى فقدان هدف روحى. ولا سيما بعد تنامى الإخفاق الروحى للحضارة الغربية، والمستقبل الممكن والوحيد يتمثل فى العمل على إنجاز نوع ما من التناغم بين علم الغرب وروحانية الشرق. وترجمات حسانين فهمى تمثل جسراً للتواصل الثقافى والفكرى بين العالم العربى والأمة الصينية التى تمثل قارة متعددة القوميات والإثنيات والأعراق. ■ لماذا اخترت التخصص فى الأدب والثقافة الصينية؟ - أذكر أنه بعد التخرج وتعيينى معيدًا بالجامعة، كنت أخطط للالتحاق بدبلومة الترجمة التى تمنحها كلية الألسن والمعادلة للماجستير، ولكن فوجئت بأن الكلية وجهت عدداً من المعيدين فى تخصصات مختلفة للتسجيل فى تمهيدى الماجستير رغبة منها فى تشجيع البحث فى مجال الدراسات اللغوية والأدبية، فقررت حينها اختيار تخصص الدراسات الأدبية لميولى الأدبية وللتعمق فى دراسة الأدب الصينى الثرى والغنى بحكمة وفلسفة الصين القديمة وما وصلت إليه الصين الحديثة من تقدم كبير فى شتى مناحى الحياة. ■ كنت أول من ترجم أعمال الكاتب الصينى الفائز بجائزة نوبل إلى العربية «الذرة الرفيعة الحمراء».. كيف تنظر إلى هذه التجربة؟ - تجربتى مع صاحب نوبل مويان وترجمة رائعته المعروفة «الذرة الرفيعة الحمراء» تعد نقطة تحول مهمة فى مسيرتى العلمية، وذلك لأسباب مختلفة، أهمها أنها كانت أول ترجمة لرواية صينية للكتاب الصينيين المعاصرين من الجيل الذى ولد فى مطلع تأسيس جمهورية الصين الشعبية، والذين استفادوا بشكل كبير من التراث الأدبى الصينى الغنى بحكمة الصين وأطلعوا على التيارات الأدبية العالمية على العكس من سابقيهم، كما كانت أول تجربة لى فى مجال ترجمة الرواية الطويلة، وكنت قد وجدت كل التشجيع من السيد مويان الذى رجعت إليه كثيراً خلال الترجمة، بل وأذكر أننى بعد قراءة الرواية أكثر من مرة، وقبل البدء فى الترجمة، جلست معه فى بكين (20نوفمبر 2007) وتناقشنا لأكثر من ساعتين حول هذه الرواية، وأهدانى نسخة الرواية بتوقيع منه، وموافقة خطية لترجمة عدد من أعماله إلى العربية. ■ الملاحظ أن الترجمة العربية صدرت بعد أيام قليلة من فوز مويان بالجائزة.. هل كانت مصادفة؟ - نعم صدرت الترجمة بعد فترة وجيزة جداً من حصول مويان على الجائزة، ولكن ذلك لم يكن من قبيل المصادفة، لأنى كنت انتهيت من الترجمة وسلمت نسختها الأخيرة للمركز القومى للترجمة قبل أكثر من عام على حصول مويان على الجائزة، وقد ساعد إعلان فوزه بالجائزة على دفع إصدار الترجمة العربية للرواية. ■ ما فلسفة اختيار ترجماتك؟ - بداية أشير إلى أن المترجم لا يترجم لنفسه، وإنما يترجم لغيره. وهنا يأتى أهمية الاختيار والتدقيق فى النص المراد ترجمته. فأنا أميل فى معظم الأحيان لاختيار الموضوعات التى تندرج تحت ما هو إنسانى، الأعمال التى تهتم بالقضايا التى تمس الإنسان فى كل مكان، والتى تتشابه ظروفها مع الواقع الذى يعيشه القارئ العربى، خاصة أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين الصين ومصر سواء فى الجوانب الثقافية أو الظروف التى عاشها الشعب الصينى والمصرى على مدار التاريخ الحديث، ونأخذ بعين الاعتبار أهمية العمل على المستوى المحلى والعالمي. ومثال على ذلك رواية «الذرة الرفيعة الحمراء» التى وفقنى الله لاختيارها قبل خمسة أعوام من حصول صاحبها على نوبل الآداب، لما تتمتع به من تصوير دقيق للنفس البشرية، بالإضافة إلى أهمية الرواية على المستوى المحلى داخل الصين وخارجها أيضاً (حيث ترجمت هذه الرواية قبل فوز مويان بالجائزة إلى خمسة عشر لغة مختلفة) وحازت جوائز محلية وعالمية عدة. وكذلك الأعمال التى تهتم بالقضايا الحياتية التى تعبر عن واقع الإنسان المعاصر وهمومه مثل رواية «الموبايل» وما تضمنته مجموعة «مختارات قصصية لكاتبات صينيات معاصرات». ومعاناة الإنسان وتضحياته من أجل البقاء على قيد الحياة كما فى رواية «مذكرات بائع الدماء». ■ ما أفضل نص ترجمته؟ - أعتقد أن «الذرة الرفيعة الحمراء» كانت أفضل نص ترجمته حتى الآن، هذا بالرغم من أنها كانت كما ذكرت أول تجربة لى فى مجال ترجمة الرواية. ■ هل حاولت الاتصال بأدباء ترجمت لهم؟ - أرتبط بعلاقة صداقة جيدة مع معظم الكتاب الذين ترجمت لهم، مثل السيد مويان والذى تعرفت عليه منذ عام 2007، والروائى ليوجين يوين (وترجمت له رواية «الموبايل» ويوهوا (ترجمت له «مذكرات بائع الدماء» والكاتبات تييه نينغ رئيس اتحاد كتاب الصين (ترجمت لها قصتى «شيانغ شويه» و«موضوع شهر يونيه» وتشه تزه جيان (ترجمت لها «الأعمى بائع الصحف» وجانغ كانغ كانغ (ترجمت لها «جبال الذهب والفضة» وآخرين، وكنت قد تعرفت على بعضهم قبل ممارستى للترجمة خلال إقامتى ببكين لدراسة الدكتوراه فى تخصص الأدب المقارن والعالمى بجامعة اللغات ببكين، وأحافظ على التواصل مع عدد من الكتاب والنقاد المعاصرين من خلال مشاركتى فى المؤتمرات واللقاءات التى تعقد حول الأدب الصينى ودراساته وترجماته. وخاصة من خلال عضويتى بالجمعية الدولية لدراسات الأديب لوشون (مؤسس الأدب الصينى الحديث) والتى تضم فى عضويتها نخبة من كبار النقاد والباحثين الصينين والأجانب، وتعقد مؤتمراً سنويا توجه فيه الدعوة لعدد من الكتاب الصينين، وكذلك عضويتى بجمعية دراسات أديب نوبل مويان، ومؤتمر «ترجمات الأدب الصينى إلى اللغات العالمية» الذى ينظمه اتحاد كتاب الصين مرة كل عامين، ويحضره نخبة من أهم مترجمى الأدب الصينى إلى مختلف اللغات الأجنبية، ويشارك فى ندواته عدد كبير من الكتاب الصينيين والذى تعقد بينهم جلسات خاصة مع المترجمين الأجانب. وعقد المؤتمر الأخير فى أغسطس من العام الماضى 2014، ألتقيت خلاله بالكتاب مويان، جيابينغ وا، ماى جيا، ليوجين يوين، شيو شياوبين، آلاى، لى إر، تشين شى وأخرين. ■ كيف تنظر إلى حضور الأدب العربى فى الصين؟ - يمكن القول بأن الأدب العربى له حضور محدود فى الصين، فبالرغم من أنه يوجد الآن فى الصين 26 قسما للغة العربية وآدابها بمختلف الجامعات الصينية، بالإضافة إلى 5 مراكز بحثية، وجمعية خاصة بالدراسات الأدبية العربية، يشرف عليها مجموعة من الباحثين الأكاديميين المتميزين فى مجال دراسات وترجمات الأدب العربى، إلا أن انتشار الأدب العربى لايزال محدوداً جداً مقارنة بغيره من الآداب العالمية، وأدب أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص، بعد الإقبال الكبير الذى تشهده ترجمات أدب أمريكا اللاتينية وعلى رأسها أعمال الراحل ماركيز، فقد تخطت مبيعات رائعته «مائة عام من العزلة» حاجز المليون نسخة. فللأسف الشديد لا يوجد جهات داعمة لترجمة الأدب العربى إلى الصينية ونشرها فى الصين، إلا من خلال مشروعات محدودة. أما عن أهم الكتاب الذين صدرت لأعمالهم ترجمات إلى الصينية، فهناك من مصر طه حسين، محمود تيمور توفيق الحكيم، يوسف إدريس، يوسف السباعى، يحى حقي، عبدالرحمن الشرقاوى، إحسان عبدالقدوس وآخرين، وصدرت هذه الترجمات فى الثمانينيات من القرن الماضى والتى تعد حتى الآن أفضل الفترات التى شهدت إزدهار ترجمة والتعريف بالأدب والثقافة العربية فى الصين. وهناك أعمال أخرى للراحل جمال الغيطانى الذى ترجمت له حتى الآن ثلاثة أعمال روائية، خاصة أنه كان رحمه الله قريب جداً من الباحثين الصينيين فى مجال الدراسات الأدبية العربية، وقد جمعنا به أكثر من لقاء فى بكين وسط محبيه من الباحثين والقراء الصينيين. ومن الدول العربية صدرت ترجمات للشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش، وهناك ترجمات صدرت لأدونيس، ولكتاب آخرين من لبنان والمغرب العربى. وتتم حالياً ترجمة روايات «قرية ظالمة» للراحل د.محمد كامل حسين و«فساد الأمكنة» لصبرى موسى. و«الزينى بركات» للراحل الغيطانى. خلاصة القول أن نشر الأدب العربى فى الصين لايزال بحاجة لجهات عربية داعمة، تحمل على عاتقها مسئولية نشر الأدب والثقافة العربية فى الصين. وتشير الإحصائيات إلى أن اجمالى ما تم ترجمته من الأعمال الأدبية والثقافية من العربية إلى الصينية حتى عام 2011 بلغ 154 عملاً، ويوجد الآن أكثر من 20 عملا تحت الترجمة والنشر. ■ هل هناك كلمات عربية تسربت إلى اللغة الصينية؟ - يعود تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب إلى ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً من الزمان. حيث كانت البداية قديماً فى عصر أسرة تانغ الصينية التى حكمت خلال الفترة (618-907 ميلادية) وشهدت تلك الفترة دخول الإسلام إلى الصين، وبالتالى بدأ منذ ذلك الحين ظهور تأثير واضح للثقافة العربية والإسلامية فى الصين، وتسربت مفردات عربية إلى الصينية لاتزال تستخدم حتى اليوم خاصة بين أبناء الأقليات الصينية المسلمة. ومنها مفردات الحلبة، الزمرد، الإمام، الدعاء، الإيمان، الجمعة، الخطبة، التسمية، السلام وغيرها من الكلمات العربية. ■ بماذا تنصح من يفكر فى تعلم اللغة الصينية؟ - لا شك أن اللغة الصينية باتت اليوم واحدة من أهم اللغات التى تشهد إقبالاً كبيرا من الدارسين حول العالم، وتشير الإحصائيات الصينية الرسمية إلى أن عدد دارسى اللغة الصينية حول العالم حتى عام 2014 قد تخطى حاجز 100 مليون دارس، مع الاهتمام الكبير الذى توليه الحكومة الصينية لتشجيع دراسة اللغة الصينية ونشر الثقافة الصينية حول العالم، من خلال معاهد وفصول كونفوشيوس التى يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 2004. وعليه فإننا ننصح من يفكر فى دراسة هذه اللغة المهمة بأن يبدأ الدراسة فى أحد الأقسام العلمية المتخصصة بقدر الإمكان، أو فى معاهد وفصول كونفوشيوس، وأن يتحلى بالصبر فى بداية علاقته بالصينية نظراً لخصوصيتها واختلافها عن غيرها من اللغات ومنها العربية، سواء فى الصوتيات أو الكتابة، وكذلك عدم الاستعجال فى تحقيق تقدم فى المستوى يأتى على حساب الإتقان الجيد لأساسيات اللغة. ■ كيف ينظر الصينيون إلى الثقافة العربية؟ - حال الثقافة العربية فى الصين لا يختلف كثيراً عن حال الأدب العربى هناك، فالكثير من الصينيين لا يعرفون من الثقافة العربية إلا القليل. فبالرغم من التبادلات الثقافية الوثيقة التى ربطت بين العالم العربى والصين منذ القدم، ووصول الكثير من أمهات الكتب والفنون العربية والعلوم العربية إلى الصين منذ عصر أسرة تانغ الذى شهد تطور كبير فى التبادلات الثقافية بين البلدين، إلا أن الوضع الحالى للثقافة العربية فى الصين لا يمثل حجم العلاقات الصينية العربية والتقارب الكبير بين الجانبين، وهذا يتطلب المزيد من الجهد فى نشر الثقافة العربية فى الصين، ونتمنى أن يكون للمكاتب الثقافية العربية هناك دورها فى ذلك. ■ ما هو تقييمك لواقع الترجمة من الصينية إلى العربية فى مصر؟ - لا شك أن الترجمة من الصينية إلى العربية فى مصر تعانى من ندرة شديدة فى المترجمين المتخصصين (فى الترجمة عن الصينية بوجه عام والترجمة الأدبية على وجه الخصوص)، وما تم إنجازه فى هذا المجال يعد كماً ضئيلاً جداً بالنسبة لأهمية الكتاب الصينى، ويعد الأساتذة د.محسن فرجانى والذى أعتز به أستاذاً وقدوة، ود.عبدالعزيز حمدى رواد الترجمة من الصينية إلى العربية فى مصر والوطن العربي، بالإضافة إلى جيل الشباب الذى بدأ يخطو خطوات واثقة فى هذا الطريق. ونشير هنا إلى أن جميع المتخصصين فى الترجمة عن الصينية حتى الآن تخرجوا من قسم اللغة الصينية بكلية الألسن جامعة عين شمس قلعة اللغة الصينية فى مصر والعالم العربى. أما عن أهم جهات الترجمة المهتمة والداعمة لنشر الترجمات الصينية فى مصر، فنجد المركز القومى للترجمة الذى يولى الترجمة عن الصينية وعن اللغات الشرقية والنادرة اهتمام كبير، وهناك أيضاً سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب، التى أصدرت مؤخراً ثلاثة أعمال فى مجال القصة الصينية («مختارات قصصية» و«الصبى سارق الفجل» لمويان ورواية «رب جملة بعشرة آلاف جملة» للروائى الصينى ليوجين يون)، وهناك أعمال أخرى قيد الترجمة والنشر، ولكن يبقى هذا المجال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام بمشكلات المترجمين والتنسيق بين الجهات المعنية بنشر الترجمات.