فى خطوة فاجأت كلّ التونسيين دون استثناء، قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد، ليل الأحد، تجميد أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن كافة أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولى السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية. وجاءت هذه القرارات فى أعقاب اجتماع طارئ عقده سعيد مع القيادات الأمنية والإطارات العسكرية فى وقت متأخر من يوم الأحد بقصر قرطاج، فى أعقاب مظاهرات شهدتها كافة مدن البلاد تخللتها أعمال عنف وتخريب طالت مقرات حركة النهضة واشتباكات مع قوات الأمن. وكان سعيد، قد شدّد فى كلمته المصوّرة على ضرورة تطبيق هذه القرارات فورا، موضحا أنه سيتولى رئاسة النيابة العمومية حتى تتحرك ملفات الجرائم التى ترتكب فى حق تونس ويتم إخفاؤها فى وزارة العدل. وأضاف أنه سيتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يتولى تعيينه، وأعضاء حكومة يتولى كذلك تعيينهم باقتراح من رئيس الحكومة. وأشار إلى أن هذه التدابير الاستثنائية اقتضاها الوضع الذى وصلت إليه تونس بعد تهاوى المرافق العمومية واندلاع عمليات حرق ونهب وتوزيع بعض الأطراف الأموال لبعض الأحياء من أجل دفعها إلى الاقتتال الداخلي، من أجل إنقاذ الدولة التونسية ومجتمعها. وقال إنه عملا بأحكام الفصل 80 من الدستور، وبعد التشاور مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، سيتم تطبيق هذه القرارات فورا، حتى يعود السلم الاجتماعى لتونس ويتم إنقاذ الدولة والمجتمع، محذرا كل من يحاول اللجوء إلى السلاح أو التطاول على الدولة ورموزها، بأن «من يطلق رصاصة ستجابهه قواتنا الأمنية والعسكرية بوابل من الرصاص». وقال الإعلامى التونسى وليد الفرفيشي، إن ما حدث أعاد إلى الأذهان تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد، قبل سنة من الآن، حين قال ردّا على مطالبة حركة النهضة بإقالة إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة الأسبق إنّ «رئاسة الدولة ليس بالكرسى الشاغر»، مضيفًا «الوسائل القانونية المتاحة فى الدستور موجودة لديّ اليوم، بل هى كالصواريخ على منصات إطلاقها، ولكن لا أريد اللجوء إليها فى هذا الظرف بالذات، ولكن لن أترك الدولة التونسية بهذا الشكل».. وها هو رئيس الجمهوريّة فى ليلة تاريخية يقودُ معركةِ ردّ الاعتبار لمؤّسسات الدولة، بعد ما أصاب عقل الدولة من شللٍ تنفيذى وتشريعيّ وبأدوات دستورية صريحة. وهذهِ المعركة لن تنتهى بحلّ البرلمان فحسب لأن العملية الجراحية التى قادها رئيس الجمهورية تهدفُ أساسا إلى استئصال منظومة أرهقت البلاد والعباد وتسبّبت فى حصيلة صحيّة كارثية شارفت العشرين ألف متوفّى. وطوال الوقت كان الرّئيسُ يتحوّزُ على صاروخٍ باليستيّ لهُ اسمٌ وحيد هو الفصل 80 من الدستور، وهذا الفصلُ يعلنُ بوضوحٍ أنّ «لرئيس الجمهورية فى حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذر معه السير العادى لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التى تحتمها الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة رئيس البرلمان وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ويعلن عن التدابير فى بيان إلى الشعب»، ما يعنى تعليق العمل بالدستور وتعطيل كلّ المؤسسات، وإدارةُ الدولةِ بقبضةٍ من حديد، مستعينا فى ذلك بمؤسستى الأمن والجيش التونسيين. وبلغةٍ أوضح، نقولُ إنّ كان أمام الرّئيس خيارٌ آخر غفلُ عنهُ خصومهُ وهو ردّ كلّ السلطاتِ إليه إلى حين انتهاء الأزمة، وهو ما التجأ إليه فى الأخير. «كرسى الرئاسة ليس شاغرًا» ولقد سبق لنا أن أشرنا فى أكثر من الموضعٍ أنّ الرّئيس يعدُّ الضامن الوحيد لأمن البلاد ووحدة التونسيين، ومن موقعهُ هذا كان على الرّئيس أن يتدخّل. وللتذكير فقط، التزم رئيس الجمهورية، خلال الأزمة الأخيرة، بروح الدستور نفسهِ، إذ قام برفض طبخات الحزام السياسى من أجل تمرير حكومة سياسية يكون فيها رئيس الحكومة مجرّد دمية فى أيدى أصحاب المصالح، ومع ذلك، يعلم الرئيس قبل غيره أن وضع الأزمة الشاملة فى تونس، قد يعيدُ البلاد مجدّدًا إلى مربّع الفوضى، خصوصا مع مجلس نيابيّ منقسمٌ على نفسهِ، استحال العملُ فيهِ بين مختلف مكوّناتهِ، بل وصار التعايشُ بين النواب أنفسهم غير ممكنٍ، بعد أن بلغ الاحتقانُ السياسيّ حدًّا غير مقبول. وأمام وضعيّة كهذهِ، لم يكن أمام الرّئيس، نظريا، سوى خيارين لا ثالث لهما: أوّلا، حلّ البرلمان، بيد أن تفعيل هذا الفصل يقيّدُ تحرّك الرّئيس ويعيد المبادرة للمجلس النيابى الذى يحملُ فى داخله عناوين فشل منظومة كاملة، وقد يهدّدُ بصعود أنواع جديدة من الفاشيّة السياسية، ما يهدّدُ بانحراف البلاد إلى مرّبع الاقتتال الأهليّ. ثانيا، تفعيل الفصل 80 من الدستور أى فصل «الخطر الّداهم»، وهذا الفصل يخوّلُ لرئيس الجمهورية التّدخل فى مجال المشرّع وفى اختصاصات رئيس الحكومة، واتخاذ جميع التدابير مهما كانت طبيعتها، أى بعبارة أخرى يتيحُ هذا الفصل للرئيس تعليق العمل بمبدأ الفصل بين السلطات، ويضعُ كلّ السلطات بين يديهِ. وفى اعتقادنا هذا هو التأويلُ الممكنُ والوحيد لأحد التصريحات المثيرة السابقة لرئيس الجمهوريّة، تصريحٌ جاء فيه: «إنّ الوسائل القانونية المتاحة فى الدستور موجودة لديّ اليوم، بل هى كالصواريخ على منصات إطلاقها، ولكن لا أريد اللجوء إليها فى هذا الظرف بالذات، ولكن لن أترك الدولة التونسية بهذا الشكل». «سلطة تقديريّة» وما عززّ فرضيّة استخدام رئيس الجمهوريّة لفصل «الخطر الداهم» هو غيابُ المحكمة الدستوريّة وانقسام الطبقة السياسية على نفسها وخروج الناس إلى الشوارع مطالبة بحل البرلمان ومحاسبة المنظومة السياسية، الحكومة ناهيك عن تواضع أداء رئيس مجلس نواب الشعب الذى بات عاجزًا عن فرض الانضباط تحب قبّة قصر باردو، علاوة على أنه هو الآخر بات هدفا للتونسيين الذين يحملونه مسؤولية تردى الأوضاع فى تونس طوال عقدٍ من الزمن. «انتصار الشعب» قال حازم القصوري، الخبير التونسى فى الشئون السياسية، إن الأحداث التى جدت فى تونس تتنزل فى صميم الاحتجاج السلمى على الواقع المتردى الذى يتخبط فيه الشعب التونسى رغم أن كان ساخنا ومحاصرا إلا أن شباب تونس رفع الصوت عاليا ضد المنظومة الفاسدة التى تطالب بالتعويضات ما يسمى بزمن كورونا وكان يوما تاريخيا ترجمه الرئيس فى قرار حاسم من خلال تجميد البرلمان وعزل المشيشى وانتصر للشعب والوطن. «شلل النهضة» وأضاف «القصوري» فى تصريح خاص ل«روزاليوسف» أن حقيقة النهضة على وقع الصدمة خاصة وأن قيادتها لهم مواقف متضاربة أمام الشلل الحاصل لهم وغير المتوقع فقط يرددون الانقلاب الذى يفرض على مساندة شعبية للرئيس فى هذه المرحلة لتفويت الفرصة على الأطراف المتربصة بالجمهورية. وأشار الخبير التونسى فى الشئون السياسية، الدعم الداخلى والدولى سيكون حاسما فى تحديد الأطراف التى ستجنح للعنف ولعل المحكمة اللعسكرية هى الفيصل فى جميع الظروف للحسم مع كل من كانت نفسه الأمارة بالسوء للشعب والوطن.