كل التحية والتقدير لبريد روزا وبعد... أنا سيدى الفاضل زوجة فى منتصف العقد الثالث من العمر، بذلت مجهودًا لا بأس به من أجل عائلتى ومن أجل نفسى التى خذلتها فى النهاية، والدى يعمل حرفيًا بسيطًا وأنا كنت طالبة مثالية بكلية التجارة، أثناء دراستى عملت بمكتبة شهيرة لمساعدة أسرتي. وفى السنة النهائية بالجامعة كانت تأتى الى المكتبة سيدة أنيقة ومهذبة تشترى كتبًا قيمة بانتظام، فى إحدى المرات لم تجد كتابًا فوعدها مدير المكتبة بتوفيره وإرساله، وبعد شهر طلب منى الذهاب لبيتها بأحد الأحياء الراقية لأقوم بتسليمه لها، أكرمتنى وفتحت لى قلبها، حقيقة الأمر جذبتنى شخصيتها حيث إنها كانت تعمل مديرة بنك وزوجها كان جراحًا شهيرًا قبل وفاته، بالإضافة لطيبتها وقبولها وتعاملها على طبيعتها دون تكلف،، بعد بضعة أيام من اللقاء الأول اتصلت بى مجددًا تسألنى عن كتاب آخر فوفرته وذهبت إليها فى ميعاد حددته بنفسها، وجدتها قد أعدت وليمة غداء وأصرت على تناول الطعام مع أسرتها الصغيرة، ابنها الأربعينى محاسب ببنك لكنه لم يتزوج والثانى طبيبًا حديث التخرج بمنتصف العشرينيات يقاربنى فى السن، تناولنا الغداء وبعت لها الكتاب وأخذت ثمنه وإكرامية معتادة. قبل مغادرتى طلبت منى الاختلاء بى للحديث عن أمر مهم يخص ابنها الكبير، هو لم يتزوج إلى الآن بسبب تعقده لمروره بظروف خطوبة فاشلة فعزف عن مجرد التفكير فى ارتباط جديد، أخبرتنى بأنها ترانى الإنسانة المناسبة له، وأنا صارحتها بأننى ربما أكون غير مناسبة نظرًا لوجود فوارق اجتماعية بيننا - لكنها لم تبالى بذلك، وقالت: لا يهم - فظروف الإنسان متقلبة بطبيعتها، لكن عليه إثبات كيانه وعراقة أصله وليس غناه أو فقره،، أقنعتنى بفلسفتها الراقية لكننى وجدت نفسى أنجذب لابنها الطبيب، فهو أكثر وسامة وبادلنى الإعجاب كما يمتلك طموحًا كبيًرا فى الحياة، يخطط مع والدته للسفر إلى فرنسا من أجل الحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه من هناك ثم يعود لفتح عيادة والده المغلقة منذ سنوات بنفس منطقتهم الراقية بالقاهرة. والدته لم تلاحظ تغييرى الإجبارى لخطتها فى بادئ الأمر حيث كنت حريصة على إيهامها بأننى أميل لابنها الكبير وأتصنع الحديث معه والإعجاب به، ذلك حتى أوطد علاقتى بفتى أحلامى الذى فرضه عليَّ القدر وهو شقيقه، لكن الأخير بعد أن فاتح والدته أو صدمها فى أمر الارتباط بى تحولت وتبدلت معاملتها وقالت لى بأن ابنها سيتزوج من طبيبة مثله بينما اقتراحها بزواجى من المحاسب كان لتطابق دراستنا، فأكد لها ابنها الطبيب بأنه يحبنى ويريد الزواج منى لأننى أمتلك المقومات المطلوبة كزوجة، ولا يهتم بالزواج من طبيبة مثله، فحذرته أمه بأنها ستحرمه من أى مساعدة وعليه أن يحدد مصيره بنفسه، لكنه صمم على الزواج منى رغما عن والدته، وأنا قررت الوقوف إلى جانبه ومساعدته فى تحقيق حلمه بالسفر - وقد كان - بعت من أجله تحويشة العمر واقترضت من زميلات وأصدقاء حتى سافر، بعد بضعة أشهر من سفره عمل بمستشفى مع دراسته وأرسل لى لأطير إليه، هناك عملت أنا بمطعم ويدًا بيد بدأت رحلة الكفاح حتى تحسنت ظروفنا المادية، سددت ديونى ثم اشتريت منزلاً لا بأس به ورزقنا الله بولد وبنت. مرت بضع سنوات وأراد زوجى زيارة والدته بمصر وأنا كنت فى أمس الحاجة لزيارة أهلى بكل تأكيد - لكن والدته لم تسمح بزيارتى لها، فقط أرادت رؤية أحفادها، حاول هو إقناعى بالذهاب إليها ففعلت لكنها أصرت على عدم مقابلتى كما وجدت منها فتورًا فى تقبل أبنائى لأنهم يذكروها بعلاقة لم تكن ترغب بها، أكملت إجازتى عند أهلى وهو عندها حتى عدنا إلى فرنسا، بعد حوالى عام تبدلت معاملة زوجى لى وزادت الصراعات بيننا، لاكتشف فى النهاية بحاسة الأنثى وجود من دخلت حياتنا فسممتها، زميلة له بالعيادة المتخصصة التى يعمل بها استحوذت عليه، حتى قرأت وتأكدت من رسائل نصية على هاتفه بأنه يقيم علاقة كاملة معها، اتصلت بأمه وأطلعتها على كل التفاصيل لكنها صفعتنى بإنهاء المكالمة من طرفها، واجهته بما عرفت فخيرنى بين أمرين، إما العيش ببيتى فى فرنسا ومواصلة العمل مع مراعاة أبنائى بعد حصولهما على الجنسية الفرنسية ويعيشا حياة ومستوى تعليمى رفيع أو العودة بمفردى لمصر وترك أبنائى معه، الخياران كلاهما مر أستاذ أحمد لأننى على يقين بأنه سيهجرنى ولن أنتظر الخير من رجل سمعته ذات مرة يقول لنفسه بصوت مرتفع دون أن يدرى بوجودى «معقولة أنا اتجوزت الجوازة دي»، ومن جهة أخرى فعودتى لمصر وتركى لأبنائى بعد أن تعلقوا بى وروحى أصبحت معهما أمر لا أتخيله.. فماذا أفعل!؟ إمضاء ه. ق
عزيزتى ه. ق تحية طيبة وبعد... عندما يتعلق الأمر برؤيتنا وتخطيطنا للمستقبل فمعظمنا يجد نفسه أمام اتجاهين من التفكير، أحدهما يرتكز على محاكاة واقعه المعاش فقط دون سعى مطلوب لتحسين ظروفه، والآخر يرتكز على طموحه المشروع فى تغيير هذا الواقع، والاتجاه الأخير تحديدا إذا تبناه المرء فلابد أن يغلفه المنطق دون مجازفة غير محسوبة قد تتسبب فى ضغوط نصنعها بإرادتنا - وهذا للأسف ما فعلتيه أنتِ وأدى لمشاكل تصاعدية مع زوجك الطبيب، فعلى الرغم من وضوح الرؤية أمامك برفض والدته تلك الزيجة وتظاهرها بأنك مناسبة فقط لابنها المحاسب بسبب تطابق مؤهلكما الدراسي، فى حين أن الطبيب متقارب معكِ فى السن ومعجب بكِ - بل وصل بها الأمر لتهديد ابنها بالحرمان المادى وعدم مساعدته إذا أتم زواجه منكِ، ومع كل تلك الشواهد من عدم الاستقرار بينكما مستقبلا، وعلى رأسها الفوارق الطبقية التى اعتبرتيها عائقًا أمام حماتك ثم عدتِ وتراجعتى عن هذا الرفض وأكملتى طريقك تنظرين فقط للوجاهة الاجتماعية وأنت تحلقين إلى مستقبل يعج بالاضطرابات. كان لا يخفى عليكِ أيضًا بكل تأكيد أن رضا أهل الطرفين يعد أمراً مهمًا ولصيق الصلة بصحيح الدين عند الزواج ومهم كمدلول على صلاح شريك الحياة - وإلا ما ضل زوجك طريقه مع صديقته الفرنسية فى بلاد الغربة والتى كان الهدف منها هو طلب العلم لا شىء آخر، كما كسر قلب وخاطر والدته بزواجه منك رغمًا عنها . المقصد من تشريح تلك الأحداث هو توجيه نصيحة بالغة الأهمية لكل الشباب المقبل على الزواج، وهى أن اختيار الزوج المناسب لا يرتكز بالأساس على درجته العلمية رفيعة المستوى أو منصبه - بل على صلاح دينه وتقربه من الله ورضا والديه. وبالعودة للرد على مخاوفك من استمرار حياتك الزوجية مع رجل ربما تزيد الأمور سوءا معه، أو ترك أبنائك لمصيرهم المجهول هناك وعودتك بمفردك لمصر، فكلا الخيارين به تضحية، لكن إذا ارتبط القرار بمستقبل أعز الناس وهما طفلاك فنصيحتى لك هى البقاء بفرنسا إلى جانب صغارك تعملين بشرف وترسخين فيهما قيمًا ربما لن تسنح لهما الفرصة بتعلمها فى غيابك لانشغال والدهما ولو مؤقتًا، انقلى لهما خبراتك وتجاربك فى الحياة وبرهنى لزوجك أنك كنتِ جديرة باختياره لك كزوجة مخلصة، ولا تصدرين له ضغوطا تجاهك بل اتركى الأيام هى كفيلة بإعادة الأمور الى نصابها الصحيح معه دون صراعات تنعكس بأحزانها على نفسية صغاركما، وإذا لم تجدى خيرا فى زوجك بعد منحه فرصة كافية لرؤية تضحيتك وتمسكك به دون خضوع أو تقليل من كرامتك وعدم استفاقته من سكرة تلك النزوة، هنا من حقك مطالبته بالانفضال بشكل ودى والتفكير بعمق فى أولوياتك كإنسانة لها مشاعر ومن حقها أن توازن أمورها للحصول على حقوقها الأدبية والشرعية من رجل يكفلها حق الكفالة، لكن فى الوقت نفسه لا تنسين حقوق طفلاك تجاهك لأنك تتحملين بكل تأكيد قرار هذا الزواج الذى كان به مخاطرة واضحة من البداية خضتيها بكامل إرادتك. دمتِ سعيدة وموفقة دائما ه. ق