لم يكتف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بتحويل تركيا إلى وكر للتطرف والإرهاب بل حولها ايضا إلى قبلة للاستغلال السياسى والرد على خصومه الأوربيين والذى جسده فى أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم . فبدلا من العمل على رفع المعاناة عن الاقتصاد التركى الذى يعانى أشد المعاناة من مقاطعة الدول العربية للمنتجات التركية يخرج علينا أردوغان بادعاءاته لحماية الإسلام والمسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يكف عن قتل المسلمين الأكراد أيضًا بدم بارد فى شمال سوريا والعراق.
هذا الأمر يدفعنا إلى معرفة الأسباب الحقيقية وراء تصعيد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ضد فرنسا فهذا التصعيد يأتى قبيل فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على تركيا بخصوص تحركاتها فى شرق البحر الأبيض المتوسط وفى ظل السجال التركى الفرنسى حول أزمة شرق المتوسط والتى اتخذت طابعا شخصيا بين رئيسى البلدين، حيث تبادل أردوغان وماكرون الإهانات على مدى شهور بعدما اتّخذا مواقف متناقضة حيال عدة نزاعات بدءا من ليبيا ومناطق أخرى فى الشرق الأوسط، ووصولا إلى خلاف تركيا مع اليونان بشأن الحدود البحرية. تصعيد شخصى ماكرون قصف أردوغان بقوة خلال استقبال سابق للرئيس القبرصى نيكوس أناستاسيادس قائلا «سيكون خطأ جسيما ترك أمن شرق المتوسط فى يد أطراف أخرى، خصوصا تركيا» ليتفاقم العداء بين الرئيسين بتحذّير ماكرون من أن عدم رد حلف شمال الأطلسى على العملية العسكرية التركية فى شمال سوريا يكشف أن الحلف يعانى من «موت دماغى» ليرد عليه أردوغان خلال اجتماع عبر الإنترنت لحزبه الحاكم «العدالة والتنمية» إن منطق ماكرون فى تحميل تركيا مسؤولية مشاكل المنطقة غير مجد. وتصاعدت حدة النزاع بعدما أرسلت فرنسا قطعا بحرية إلى شرق المتوسط، لمساعدة السفن الحربية اليونانية أمام أى تهديد تركى ورأى أردوغان أن الاتحاد الأوروبى يتعامل «بمعايير مزدوجة ثم أعلن أن بلاده التى قد تواجه عقوبات أوروبية، ولكننا لن تنحنى أمام «لغة التهديد» وإن «شركاءنا فهموا أن لغة التهديد لن توصل إلى أى مكان وأن تركيا لن تخضع للابتزاز وأعمال النهب». تحرش غير مبرر وسرعان ما تحرشت سفن بحرية تركية بأخرى فرنسية، غير أن تركيا اعتبرتها مجرد سوء تفاهم، أما حلف شمال الأطلسى فقد اعتبرها نقطة تحول بالنسبة له وقالت وزارة القوات المسلحة الفرنسية، إن ثلاث سفن تابعة للبحرية التركية ترافق سفينة الشحن تحرشت بالفرقاطة، وأضافت أن سفينة تركية أضاءت أنوار رادارها وارتدى طاقمها سترات واقية من الرصاص ووقفوا يشهرون أسلحتهم الخفيفة فيما ردت تركيا قائلة: إن سفينة الشحن التركية كانت تنقل مساعدات إنسانية، واتهمت البحرية الفرنسية بممارسة سلوك عدوانى. وكانت الأزمة الليبية وما زالت محل نزاع قوى بين باريسوأنقرة، حيث اتهم ماكرون أردوغان أكثر من مرة، بأنه المسئول عن النزاعات فى ليبيا، واتهم ماكرون خلال زيارته إلى مدينة مسيبرغ فى ألمانيا، تركيا بأنها تتحمل فى النزاع الليبى «مسؤولية تاريخية وإجرامية» بوصفها بلدا «يدعى أنه عضو فى حلف شمال الأطلسي» وكان ماكرون، قد اتهم أنقرة فى 22 يونيو الماضى بممارسة «لعبة خطيرة» فى ليبيا. تدخل براجماتى لتدخل الأزمة الأرمينية على الخط حيث هنّأ الرئيس الفرنسى المؤرّخ التركى تانير أكشام، بعد تأليفه كتابًا نشر فيه برقيات عثمانية أمرت بتنفيذ «الإبادة الأرمنية»، ومنحه «ميدالية الشجاعة»، قائلا لأكشام: «أخرجتم ما أراد البعض إغراقه فى النسيان»، مشيرًا بذلك إلى تركيا، ومضيفًا: «لا نبنى أى تاريخ كبير على كذب» وهو ما اعتبره أردوغان دعما من فرنسا لمواقف الارمن ضدها ليخرج الرئيس التركى بوصف مهين لرئيس دولة كبيرة كفرنسا بالاتحاد الاوربى قائلا «أنه مهووس به ليل نهار ويجب عليه الخضوع لفحوص». وأكد طارق أبو السعد الباحث فى شئون الحركات الاسلامية انه بات من الواضح ان تركيا فشلت فى تقديم نفسها كدولة متحضرة عصرية، تصلح للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي، فقررت الاستثمار فى الإسلام السياسي، فى مطلع الألفية الثالثة ومع صعود حزب العدالة والتنمية ذى التوجه الإسلاموي، قرر النظام الحاكم ورئيسه رجب طيب أردوغان أن يكون رأسا فى الشرق، وكيف يكون رأسا للشرق؟ وقد خرج منه مهزوما قبل ثمانية عقود؟ وأدرك رجب طيب أردوغان ورفاقه أن القناع الإسلامى أفضل الأقنعة للتغلغل فى المجتمعات العربية والاسلامية، لما تتميز به المنطقة من انتماء فطرى للإسلام وحب له ودفاع عنه. وأضاف بدأ أردوغان بالتعاون مع الجماعات الإسلاموية، بأطيافها المتعددة، فناصر جماعة الإخوان بما تمثله من رصيد سياسى وكان ظهيرا لجبهة النصرة بما تحتويه من خبرات قتالية باعتبارها امتدادا طبيعيا لتنظيم القاعدة، قامت أبواق تلك الجماعات بتقديمه كنصير للقضية الاسلامية الكبرى وهى فلسطين، وضخموا من انتقاداته التلفزيونية لإسرائيل وجعلوه ايقونة اسلامية. شعبية وهمية وتابع عندما تنامت شعبية أردوغان وسط العالم العربى، وكان كل زعيم يريد ان يتقرب للبسطاء كانوا يطلقون عليه (أردوغان العرب)، ومع ثورات الربيع العربى ظن أن بإمكانه تنصيب الحكومات العربية الموالية له بدلا من الحكومات السابقة، ساند حكومة الاخوان فى المخلوع مرسي، وحكومة ليبيا فى البداية، وحكومة تونس، ثم قام بخلق مساحة من الفوضى فى دول الجوار لتركيا مثل سوريا والعراق، هذه الفوضى سمحت لتنظيم داعش بالتواجد والسيطرة، وسعت لتوطين التنظيمات المتطرفة فيها، كما استقبل المتطرفين المنضمين لتلك التنظيمات عبر الأراضى التركية عبرها، ثم سيطر على باقى التنظيمات المتطرفة إسلاميا الصغيرة؛ واستخدمهم كميليشيات مرتزقة يحقق بها مصالحه فى الشرق الأوسط. وكما يقولون «جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن»، جاءت فثورة 30 يونيه كصاعقة له، فقد أوقفت مشروعه وهدمته، ورويدا رويدا خسر أردوغان الرهان على التيار الاسلاموى وما كان يسعى إليه من ريادة شرق أوسطية، وتأثر اقتصاد بلاده كثيرا بسبب الاستثمار فى الجماعات الإسلاموية والتكلفة العالية لمساندتهم، فاكتفى باستخدامهم لابتزاز المجتمع الدولي، فأرسل المرتزقة إلى ليبيا وسعيا وراء أموالهم، وأرسلهم إلى «إقليم ناغورنو كاراباخ». وأشار إلى أن فرنسا لم تكن بعيدة عن استفزازات أردوغان، وتحركاته غير المسئولة فى المنطقة وخصوصا فى شرق المتوسط وتهديدها للسلام العالمى ولحركة التجارة، فوقفت له بالمرصاد ونددت باستفزازاته فى المتوسط، وأبطلت كثيرا من مؤامراته على المنطقة، فحاول أردوغان أن يتفاهم مع كل أطراف الخلاف معه، لكن التجربة أثبتت إخلاله بأى اتفاق وإصراره على إشعال المنطقة مستعديا كافة القوى الوطنية، مستندا على اموال قطر وعلى تحركات الميليشيات المسلحة التابعة له وأبواق فصيل جماعة الإخوان الإرهابية ومنصاتهم الإعلامية التى تروج لأكاذيبه. مؤامرات لا تنتهى وأوضح واصل أردوغان مؤامراته على المنطقة وتهديده لأمنها وسلامة أراضيها، فقررت دول محترمة تخفيض التبادل التجارى مع تركيا ووقف شراء منتجاتهم لعلها تكون صفعة يفيق بعدها أردوغان عن غيه ولم يدر كيف يخرج من تلك الأزمة التى أوقع نفسه فيها، لكنه وكعادة الاسلامويون فى نشر الشائعات، استغل فرصة قيام صحيفة صغيرة فى إعادة رسم الصور المسيئة للرسول الكريم وزعم كذبا أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون سب الرسول وأنه يدعى أن الإسلام دين مأزوم، وأنه يحارب الله ورسوله، ثم أعطى إشارة البدء فى الهجوم على فرنسا، سواء بالهجوم اللفظى عبر منصات الاخوان والسوشيال ميديا، أو الهجوم الإرهابى بعمليات قتل وذبح لمواطنين فرنسيين، ربما تتطور لعمليات إرهابية أكثر عنفا فى ظل وجود متطرفين مرتزقة فى المجتمع الفرنسي، الذى استضافهم باعتبارهم فارين من الإرهاب! وهؤلاء يستخدمون الرسول والقرآن والإسلام ستارا يتخفون خلفه وهم فى الحقيقة يدافعون عن مؤامراتهم التى اكتشفها الجميع. واختتم حديثه بقوله أردوغان والجماعات الاسلاموية والاخوان يستخدمون الدين ستارا، والشعب المصرى يعلم أن مرادهم وهدفهم ليس الدفاع عن النبى، فحب الرسول فرض عين على كل مسلم ومسلمة وأن الدفاع عنه واجب وأن أعظم ما نملكه نحن البسطاء هو حب الله والرسول وآل بيته الكرام وصحابته الطيبين، لكن أليس الله ورسوله أجل وأعظم وأطهر وأكبر من أن يستخدموا فى معركة سياسية اقتصادية، وأن يكونوا وقودا فى معركة سياسية. أحلام زائفة من جانبه أكد هشام النجار الباحث فى شئون الحركات الاسلامية على أن أردوغان استغل حاجة دول أوربا لشريك اسلامى لتحجيم التطرف فصنع هو هذا التطرف وغذاه وغزا به قلب أوربا ومجتمعات القارة البيضاء بهدف إحياء وبعث الإمبراطورية العثمانية. وأضاف يعتمد أردوغان لتحقيق هذا الهدف على جملة من الأدوات الخطيرة أولها التنظيم الدولى للإخوان وجماعات الانفصال الإسلاموى فى أوربا وغالبيتهم سلفية جهادية والأئمة الأتراك المبتعثين بأوربا والمساجد والجمعيات التى تمول وتدار عن طريق جماعة الإخوان علاوة على آلة إعلامية موجهة تسند جهود تلك المنظومة التى تهدف لعزل المسلمين عن مجتمعاتهم الأم بأوربا وتجعلهم تابعين وموالين لخلافة أردوغان المفترضة.