أحدث التدخل العسكري التركي السافر في الشأن الليبي تغييرًا في موازين القوى مؤخرًا لصالح حكومة الوفاق في الغرب الليبي على حساب الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر ورئيس البرلمان الليبي المنتخب السيد عقيلة صالح، وهو الأمر الذي جعل دول المنطقة وتحديدًا دول شمال وجنوب المتوسط تشعر بالتهديد بعد نقل الرئيس التركي أردوغان السيناريو السوري كاملاً إلى ليبيا، من خلال نقله للأسلحة النوعية والقوات التركية والمرتزقة والإرهابيين إلى الداخل الليبي بموافقة من حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج من أجل سيطرة أردوغان على الثروات الليبية ومحاولة إعادة أمجاد أجداده العثمانيين لاحتلال المنطقة، وتمكين تنظيم الإخوان الإرهابي للوصول إلى الحكم مرة أخرى، ناهيك عن سعيه غير المشروع للتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط وتهديد جيرانه والتسبب في زعزعة الأمن والاستقرار بالمنطقة لتعامله المشبوه مع الإرهابيين ومتاجرته بملف المهجرين واللاجئين مع دول أوروبا وغيرها من أساليبه ومخططاته الإجرامية بمساندة قطر ودول أخرى وعمله الدءوب على إفشال كل المبادرات السياسية لحل الأزمة الليبية، والعمل على إجهاض جهود المجتمع الدولي الرامي إلى إحداث المصالحة الوطنية في ليبيا وإعادة الأمن والاستقرار للمتوسط، وإضافة لكل ذلك يسعى الآن من أجل تحسين صورته عند الإخوان وحزب العدالة والتنمية المتراجع في تركيا من خلال تحويل كاتدرائية آيا صوفيا التاريخية إلى مسجد وهو الأمر الذي أغضب كلاًّ من دول الاتحاد الأوروبي وواشنطن واليونان باعتبارها حامية الإرث البيزنطي، ولكل تلك الأسباب وغيرها فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حظر الرئيس التركي من مغبة أفعاله في سوريا وليبيا، واتهامه بارتكاب جرائم حرب في ليبيا، وتهديده للحقوق البحرية المشروعة لكل من قبرص واليونان، ومؤخرًا بعد عدم استجابة إحدى السفن العسكرية التركية المحملة بالأسلحة والمتجهة إلى ليبيا لمهمة تفتيش ومراقبة الأسلحة المهربة إلى ليبيا عبر المهمة إيريني المعينة من الأممالمتحدة ومجلس الأمن، والأخطر من ذلك هو تهديد السفينة التركية للفرقاطة الفرنسية واليونانية المكلفة بالمتوسط لمنع تهريب الأسلحة وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة التصعيد بين فرنساوتركيا، وإعلان وزير الخارجية الفرنسية جون إيف لودريان احتجاجه الرسمي لتركيا على ذلك، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وذلك بعد أن قدمت فرنسا شكوى إلى حلف الناتو لمحاسبة تركيا على انتهاك حظر وتهريب الأسلحة إلى ليبيا وتهديد تركيا للقوات الدولية المكلفة بتلك المهمة الدولية بالمتوسط، وهو الأمر الذي أدى إلى انسحاب فرنسا مؤقتًا من مهمات الناتو البحرية احتجاجًا على هذا الأمر الذي يستوجب معاقبة تركيا، وبخصوص هذا الأمر دعت فرنسا وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى الاجتماع في بروكسل خلال هذا الأسبوع لبحث تداعيات التدخلات التركية في الشأن الليبي، وتهديد سفن المهمة البحرية إيريني من البحرية التركية بالمتوسط، وسعي تركيا لتوريط الناتو في حرب عالمية جديدة. ويأتي هذا التصعيد الفرنسي تجاه التدخلات العسكرية التركية غير الشرعية وغير الأخلاقية في شأن البلدان العربية وتهديد أمن واستقرار المتوسط والمنطقة منسجمًا مع الموقف المصري والإماراتي والسعودي، وذلك بعد أن رفضت تركيا وحكومة الوفاق الليبية المبادرة المصرية للسلام في ليبيا، وإصرارها على خيار الحل العسكري للسيطرة على الشرق الليبي والخروج على اتفاق برلين حول ليبيا، الأمر الذي أدى بمصر للخروج عن صمتها واعتبار كل من سرت والجفرة خطًا أحمر بالتوافق مع روسيا والإمارات والموقف الفرنسي المتجه نحو التصعيد ضد تركيا الآن. يحدث ذلك في الوقت الذي أصبحت فيه مدينة سرت الليبية فعليًّا خط مواجهة أحمر قابل للتفجير في أي لحظة ما لم يأخذه أردوغان على محمل الجد، وبخاصة أن الجيش المصري أعلن بأنه على أتم الاستعداد كما أن روسيا هي الأخرى لن تقف في تلك المعركة مكتوفة الأيدي من أجل الحفاظ على مصالحها بالمنطقة والدفاع عن الشرق الليبي ناهيك عن التصعيد الفرنسي الشديد اللهجة مؤخرًا تجاه تركيا والذي يمكن أن يتحول أيضًا بعد نفاد صبرها بتحويلها التصعيد السياسي والدبلوماسي لمواجهة عسكرية محتملة ضد تركيا، فهل يغامر أردوغان بورقته الأخيرة؟