تمر هذه الأيام الذكرى السابعة والستون على ميلاد شاعر المقاومة محمود درويش وحملت الكثير من قصائده القضية الفلسطينية فلُّقِب بشاعر الجرح الفلسطيني. وُلِدَ محمود درويش عام 1941 بقرية البروة ثم انتقل مع عائلته إلى لبنان بعد نكبة 1948 وعاد إلى فلسطين بعدها بسنتين متخفيًا ليجد أن قريته قد دُمِرت، فعاش فى قرية «الجديدة» ثم انتقل فى شبابه إلى موسكو للدراسة، وذهب ليعيش فى القاهرة ومنها إلى بيروت ثم تونسوباريس، قبل أن يعود ليعيش أواخر حياته فى مدينة عمان الأردنية ورام اللهالفلسطينية. ترك محمود درويش أكثر من 30 ديوان شعر ونثر و8 كتب، وتميز شعره بالوطنية حتى لقبوه بشاعر فلسطين وفى الوقت نفسه بالرومانسية والحنين الدائمين والحب، سواء كان حب الوطن أم غيره. ساهم محمود درويش فى تطوير الشعر العربى الحديث واكتسابه للرمزية أكثر. بدأ محمود درويش الشعر فى سن صغيرة فكانت أول قصائده وهو فى المرحلة الابتدائية، وفى تلك الفترة فى الوطن اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه له تحت قبضة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسى فى الشعر العربى المعاصر مقتديًا بشعراء أمثال نزار قبانى، وكان نصه الشعرى مباشرًا، حتى خرج ليعيش فى القاهرة ومن ثم بيروت فبدأ شعره فى أخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية. ورويدًا رويدًا تطور أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير. اعتقلته قوات الاحتلال الصهيونى مراتٍ عديدة بتهمة القيام بنشاطٍ معادٍ لدولة إسرائيل لآرائه السياسية وتصريحاته المعادية؛ فاعتقلوه خمس مرات أولها عام 1961 ثم 65 و66 و67 و69، كما فُرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970. كانت تلك الفترة شديدة الصعوبة على الفلسطينيين عامةً وعلى محمود خاصةً. مرت حياة محمود درويش بالعديد من المحطات منها المحطة الأولى: موسكو (1970): حيث حاول محمود درويش السفر إلى باريس عام 1968 لكن رفضت السلطات الفرنسية دخوله الأراضى الفرنسية لأن هويته غير محددة لجنسيته، فأعادته السلطات إلى الأراضى المحتلة. خرج بعدها عام 1970 متوجهًا إلى موسكو – عاصمة الاتحاد السوفيتى سابقا – للدراسة وكانت هذه أول غربةٍ له بعيدًا عن الوطن. المحطة الثانية: القاهرة (1972-1971): لم يتحمل محمود درويش الحياة فى موسكو فقرر الذهاب للقاهرة وهناك اتخذ قرارًا صعبًا بعدم العودة لفلسطين. المرحلة الثالثة: بيروت: (1982-1973): انتقل بعد ذلك لبيروت لتصبح ورشة أفكاره ومختبر تياراته الأدبية والفكرية والسياسية، ولسوء الحظ اندلعت الحرب الأهلية فى لبنان بعد فترةٍ من انتقاله فصار الدم والقصف والموت والكراهية والقتال فى لبنان ومات بعض أصدقائه هناك مثل غسان كنفاني، فتحول من الشعر العاشق الرومانسى لشعر الرثاء والأوطان. بعد أن هدأت أوزار الحرب بقى فى لبنان ولم يخرج منها كما خرج آخرون حتى احتلت إسرائيل لبنان – على خلاف ما توقع – فقضى أيامًا صعبة جدًا لا يعرف فيها أين ينام فكان ينام فى مطعم حتى لا يقبض الإسرائيليون عليه حتى حدثت المجزرة الكبرى – مجزرة صبرا وشاتيلا – فأيقن أن وقت الهرب مرةً أخرى قد حان. رتب الهرب عن طريق السفير الليبى فى بيروت إلى الأشرفية ومنها إلى سوريا ومنها إلى تونس ثم إلى باريس ليقضى هناك حوالى 10 سنوات على فترات متقطعة فى الثمانينيات. المحطة الرابعة: تونسوباريس (1994-1983): غادر محمود درويش لبنان إلى دمشق فى سوريا كمرحلة مؤقتة فى الطريق إلى تونس، ومنها ذهب إلى باريس ليعيش فيها عشر سنوات لكن على فترات متقطعة وليست متصلة حيث كان يسافر باستمرار، وهناك كانت ولادته الشعرية الحقيقية على حد قوله لجمالها الذى أتاح له فرصة للتأمل والنظر إلى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة. بعد ذلك فى التسعينيات أصبحت العودة لرام الله متاحةً، فقرر العودة إليها لأنه لن يكون مرتاحًا فى منفاه بأى شكل فاختار العودة إلى عمان لأنها قريبة من فلسطين ولأنها مدينة هادئة وشعبها طيب. المرحلة الخامسة: العودة وعمانورام الله (2008-1995): ذهب إلى عمان الأردنية عام 1995 ولم تختلف حياته فيها كثيرًا عن حياته فى القاهرةوبيروتوباريس، وكان أبرز ما يميزها أنها كانت للعمل الجاد وخير دليل على ذلك أنه صدر له دواوين شعرية كثيرة فى تلك الفترة. ذهب محمود درويش إلى مدينة هيوستن إلى مركز تكساس الطبى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ليجرى عملية القلب المفتوحة، فدخل بعدها فى غيبوبة جعلت الأطباء هناك ينزعون أجهزة الإنعاش كما كان قد وصّاهم ليتوفى يوم السبت التاسع من أغسطس عام 2008 وليعلن الرئيس الفلسطينى محمود عباس الحداد ثلاثة أيام حزنًا على «شاعر فلسطين». عاد جثمانه إلى الوطن – رام الله – فى 13 أغسطس، ودُفن فى قصر رام الله وأعيد تسميته ليكون «قصر محمود درويش للثقافة».