كتب - خالد عبدالله لم تٌقرأ الثورة المصرية علي النحو الصحيح منذ بدايتها، فقد قال الناس في البداية إنها لا يمكن أن تحدث أبدا، وفي غضون أيام حدثت شرارة اللهب في تونس جالبة معها النشاط للانتفاضات المتلاحقة في المنطقة، وحركة دولية خصصت لنفسها كلمة احتلال. هناك ثلاثة أقطاب رئيسية للسلطة في مصر الآن: الجيش والإسلاميون والثورة. ولا يوجد أي شيء حتي الآن من القوة بمكان كي يطمس تأثير أي طرف منهم.. وحده الزمن يستطيع ذلك، والسؤال الحقيقي الآن هو: أي طرف ستكون أيديولوجيته أكثر مرونة؟ بعد أسبوعين فقط من الإطاحة بحسني مبارك، قام الجيش المصري، الذي احتفي بالمساعدة في الإطاحة به، بفض الميدان باستخدام العنف.. وتليت ذلك عمليات من التعذيب والمحاكمات العسكرية للآلاف، كما تم تجريم الاعتصامات قانونياً، وأخيراً قامت قوات الجيش بقتل المتظاهرين تحت المدرعات وزعموا أن المتظاهرين سرقوها منهم. واختنقت كلمة ثورة في حناجر الخبراء حيث أصبحت معركة صراخ وليست وصفاً.. وعادت وسائل الإعلام العالمية من جديد لتسلط الضوء علي الانتخابات في مصر بعد 10 أشهر من قيام الثورة، وما كادوا يستقرون في غرفهم بالفنادق حتي وجدوا أنفسهم يغطون معارك الشوارع مرة أخري، حيث عاد آلاف المتظاهرين للظهور من جديد يقاتلون حتي الموت ضد الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع الذي يلقي عليهم بكميات مميتة. في حين تحول ميدان التحرير إلي أكبر مستشفي ميداني علي الأرض، بدا أن الثورة وجدت صوتها مرة أخري ولكن ليس من أجل الانتخابات، بل لإسقاط الحكم العسكري. وجاءت الانتخابات بعد أيام من التكهنات والتوقعات بتأجيلها، وفرغ التحرير بنفس السرعة التي امتلأ بها. وتحدث جميع المراقبين عن كيف فاجأ السلفيون الكل. ففي يوم 23 يناير، ستنعقد أولي جلسات البرلمان بحضور 1% من النساء مقابل 99% من الرجال، فلذلك يجب الحذر إذا أراد أي أحد أن يقرأ مستقبل مصر من خلال هذا البرلمان.. واعتبر أن الهيئة الممثلة للبلاد بها انحراف أيديولوجي وغير متماسكة في أفضل الأحوال ويغلب عليها الرجال بشكل ساحق. إن الجيش قام قبل شهر فقط بقذف المتظاهرين المعتصمين عند مجلس الوزراء بكل شيء ابتداء من الصخور والأواني الفخارية القديمة إلي أطباق الستالايت والمكاتب من علي سطح البرلمان.. وبالنسبة للعام الماضي، قرأ كثير من الناس الأحداث في أعقاب الاضطرابات الاجتماعية الضخمة كما لو أنها تحولت إلي حملة سياسية علي الطريقة الأمريكية. وتحدثوا كما لو أن السؤال الأكثر أهمية الذي يواجه مصر الآن هو: من الذي سيكون ذكياً بما يكفي لاتخاذ التحركات الصحيحة كي يحل محل مبارك ويسيطر علي البرلمان؟ في حالة ما إذا كانت تلك هي الطريقة التي يري بها التغيير الاجتماعي الجاري، إذن ستكون الثورة قد فشلت وعمدا. فما بدأ في 25 يناير الماضي لم يكن حملة سياسية، بل كانت صحوة للبلاد.. فخلال العام الماضي كانت الشوارع لها القدرة علي إلهام الأجيال لإسقاط المجالس ورؤساء الوزراء والرئيس وتغيير الخرائط السياسية والضغط من أجل التحول الثقافي في هذه الدولة البوليسية. ومرة تلو الأخري خاض المواطنون المعارك في سبيل مبادئهم مستعدين للموت أو الذهاب للسجن، وللمرة الأولي منذ 1919 خرج الآلاف من النساء إلي شوارع مصر في مسيرة ككتلة واحدة. وعندما يأتي أعضاء البرلمان إلي مقاعدهم يوم 23 يناير يجب أن يعرفوا من أعماقهم جيداً أن دم الشهداء هو الذي أوصلهم هناك، وأن كل شهيد ردد هتاف: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. وأولئك الذين فقدوا أعينهم أو تم تعذيبهم أو أصيبوا، سيواصلون حتي يتسني للبلاد أن تشعر بأن هذه الكلمات أصبحت حقيقة وإلا فستظل مصر مضطربة. إذا استطاع الإسلاميون عبر هذا البرلمان المتصدع أن يحققوا ذلك الهدف، فسيكون المستقبل لهم وبجدارة.. لكن بفرض عدم استطاعتهم، فالمجتمع المدني هو من سيكتب المستقبل، حيث يستطيع الشارع تنظيم نفسه وبناء رؤيته الخاصة. كاتب المقال مصري بريطاني ومؤسس لجمعية المصريين ترجمة - داليا طه نقلا عن صحيفة الجارديان