«يقف الكاتب العربى ممزقاً بين وضعه المدنى كرجل متزوج من الحكومة ورجل فنيّ يشتهى خيانة زوجته الحكومة، ولكنه لا يستطيع التنفيذ حرصاً على مستقبل الأولاد وشرف العائلة، وإلى أن يوجد الكاتب العربى الشجاع الذى يستطيع تمزيق ورقة زواجه من السلطة، ويمارس الخيانة الزوجية ولو لمرة واحدة، سوف تبقى كتب الأدب لدينا بعيدة عن المنع والمصادرة تماماً ككتب التدبير المنزلى».. كعهد الدبلوماسيين يصفون أكثر الأمور بأقل الكلمات وأبسطها وأكثرها فصاحة وجرأة ولأن حياته بالحب وللحب كانت لقب بشاعر المرأة .. نزار قبانى الذى تحل ذكرى ميلاده فى هذه الأيام إتخذ من الشعر موطناً لكلماته البليغة فى الحب لا ساحة للحرب .. ولد نزار قبانى فى 21 مارس عام 1923 فى العاصمة السورية دمشق ، لعائلة أدبية تجارية فوالده توفيق قبانى كان مالكاً لمصنع شيكولاتة ، بينما الكاتب والمسرحى أبو خليل القبانى هو أحد أقاربه. وكان والده حريصاً على أن يتعلّم ولده الثقافتين العربية والفرنسية بعيداً عن المدارس التى كانت سائدة فى دمشق والتى تهتم بإحدى الثقافتين، ولذلك أدخله الكلية العلمية الوطنية التى كانت تجمع بين الثقافتين العربية والفرنسية، ثم تخرج فى كلية الحقوق بالجامعة السورية سنة 1944.
الدبلوماسى نزار
بعد تخرجه من كلية لاحقوق عمل بالسلك الدبلوماسي، فألحق بسفارة سوريا فى القاهرة، ثمّ تنقل فى هذه الوظيفة من بلد إلى آخر إلى أن استقال سنة 1966؛ ليؤسس داراً للنشر باسمه فى بيروت. أتقن نزار قبانى إضافة إلى اللغة العربية اللغة الفرنسية فى سوريا وفى أثناء عمله فى باريس، كما أتقن اللغة الإنجليزية التى تعلمها فى موطنها فى أثناء عمله فى السفارة السورية فى لندن (19521955)، وتعلم اللغة الإسبانية فى موطنها حين كان يعمل فى السفارة السورية فى مدريد (19621966)، كما عمل فى السفارة السورية فى بكّين وطوكيو.
حياته الأدبية
أصدر نزار قبانى قصيدة طويلة بعنوان دنيا الحروب عام 1941، ثم أصدر بعد ذلك نحو إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، وكانت مجموعته الشعرية الأولى قالت لى السمراء سنة1944 التى كتب مقدمتها منير العجلاني، ثم أصدر بعد ذلك مجموعاته الشعرية الآتية: «طفولة نهد» و»سامبا»، و»أنتِ لي» وقصائد و»حبيبتي» و»الرسم بالكلمات» و»يوميات امرأة لا مبالية» و»قصائد متوحشة» و»كتاب الحبّ»، وهذه المجموعات العشر هى مجموع ما تضمنه المجلد الأول من الأعمال الشعرية الكاملة، كما تضمن المجلد الثانى سبع مجموعات شعرية أخرى هي: أشعار خارجة على القانون وأحبّكِ.. أحبُّكِ والبقية تأتى وإلى بيروت الأنثى مع حبّى و100 رسالة حب وكل عام وأنت حبيبتى وأشهد أن لا امرأة إلاّ أنتِ وهكذا أكتب تاريخ النساء، وتضمن المجلد الثالث بعض أعماله السياسية، وأهمها: هوامش على دفتر النكسة والممثلون والاستجواب وفتح وشعراء الأرض المحتلة، وتضمن المجلّد الرابع من أعماله الكاملة مايأتي: قصيدة بلقيس والحبّ لا يقف عند الضوء الأحمر وسيبقى الحبّ سيّدي. أما المجلد الخامس فقد تضمن الأوراق السّرية لعاشق قرمطى ولا غالب إلاّ الحبّ وهل تسمعين صهيل أحزاني، فى حين يتضمن المجلد السادس بعض أعماله الشعرية السياسية، وهى قصائد مغضوب عليها وتزوجتك أيتها الحرية والكبريت فى يدى ودويلاتكم من ورق وهوامش على دفتر النكسة. أما المجلدان السابع والثامن فهما فى نثر نزار، وتضمن المجلد السابع الأعمال النثرية الآتية: الشعر قنديل أخضر وقصتى مع الشعر وعن الشعر والجنس والثورة والمرأة فى شعرى وفى حياتي، فى حين يتضمن المجلد الثامن الأعمال الآتية: ما هو الشعر؟ والعصافير لا تطلب تأشيرة دخول ولعبت بإتقان وها هى مفاتيحى وجمهورية جنونستان؛ وهى مسرحية، وهناك أعماله الشعرية التى أصدرها فى مجموعات، كأنا رجل واحد... وأنتِ قبيلة من النساء الصادر فى سنة 1993.
شاعر المرأة
من النقاط المؤثرة فى طفولة وحياة نزار قبانى كان انتحار شقيقته رافضة الزواج التقليدى بغير إرادتها، ويقول نزار إن ذلك الحدث قد يكون له الأثر الأكبر فى طبيعة أشعاره التى تدافع عن الحب والمرأة.لذلك فإن نزار قبانى شاعر النصف الثانى من القرن العشرين بلا منازع، فهو أكثر شعراء العربية إنتاجاً وشهرة ومبيعاً وجماهيريةً؛ لأسلوبه السهل الممتنع، وشفافية شعره، وغنائيته الأخّاذة، وقد اشتغل هذا الشاعر على موضوعين رئيسين: المرأة والسياسة. نزار قبانى شاعر المرأة فى العربية، فقد نحت صورتها وسوّاها إلى أن جعلها وردةً دائمة الأريج من جهة، وهو الذى دعاها إلى أن تثور على وضعها الدونى من جهة أخرى، فكان شعره فيها جمالياً وتحرّريّاً، ففى أعماله الأولى «قالت لى السمراء» و»طفولة نهد» و»سامبا» و»أنت لي» و»قصائد» شيء من الحسية ووصف لمفاتن الجسد وجماليته فى الوقت نفسه، وفى شعره فى هذه المرحلة اهتمام بالغ باللغة، مما يقرّبه من المذهب البرناسى من جهة ورمزية سعيد عقل من جهة ثانية، فهو يقول من قصيدة بعنوان «اسمها» . يتعانق فى قصائد نزار فى المرأة الوصفان الحسيّان: الخارجى والداخلي، والجمال والرغبة، والصراحة والتلميح؛ ولذلك كان نزار قريباً من المرأة وإحساساتها، وأراد منها أن تكون ندّاً لرفيقها الذكر وشريكاً له فى المجتمع الإنساني، ولاتكون هذه الشراكة سليمة إلا إذا كانت مبنية على أساس متين؛ هو الحبّ والتفاهم والصداقة والاحترام، فمن ذلك المقطع الأول من قصيدته «صباحك سكِّر»: ذا مرّ يومُ. ولم أتذكّرْ به أن أقولَ: صباحُكِ سكّرْ.. ورحتُ أخطٌّ كطفلٍ صغيرٍ كلاماً غريباً على وجه دفترْ فلا تضْجرى مِنْ ذهولى وصمتى ولا تحسبى أنّ شيئاً تغيّرْ
نزار وبلقيس
بلقيس الراوى تلك الزرافة العراقية كما وصفها نزار قبانى وقد بدأت قصة نزار قبانى مع حبيبتِهِ عندما كان قبانى يلقى إحدى قصائده فى بغداد التى احتضنت آنذاك مهرجانًا شعريًّا دُعِيَ إليه قبانى عام 1962 وألتقى تلك الفتاة العشرينية تلك المرأة التى جذبتْ نظر قبانى فدخلتْ قلبَهُ منذ أول نظرةٍ. وبعد نهاية المهرجان ذهب نزار يستقصى أخبار الفتاة ويسأل عن أحوالها وعن نسبها واسمها، فعلمَ أنّها تعيش فى الأعظمية على ضفاف دجلة، فسارع قبانى وتقدّم لخطبتها من أبيها، ولكنَّ عادةَ العرب أنّهم لا يزوجون من تغزّل بابنتهم، فرفض والدُها أن يزوّجها لنزار، فعاد قبانى من المهرجان فى بغداد إلى مدريد فى إسبانيا حيث كانَ يعمل هناك فى السفارة السورية. لم تتوقّف حكاية قبانى هنا، وكانَ قبانى فى تلك الفترة يتبادل الرسائل مع بلقيس سرًّا دون علم والدها، وبعد مرور السنوات، عامًا تلو عام، دُعِى قبانى للمشاركة فى مهرجان المربد الشعرى فى العراق، فكتبَ قصيدة قال فيها مرحباً يا عراقُ، جئت أغنيك وبعضٌ من الغناء بكاءُ مرحبًا مرحبًا أتعرف وجهًا حفرتهُ الأيامُ والأنواءُ؟ أكلَ الحبُّ من حشاشةِ قلبى والبقايا تقاسمتْها النِّسَاءُ؟ كان عندى هُنا أميرة حبٍ ثم ضاعتْ أميرتى الحسناءُ أين وجهٌ فى الأعظميةِ حلوٌ لو رأته تغارُ منهُ السماءُ؟ فضجّت القاعة لهذا الكلام الذى أجبر الحضور على التعاطف مع نزار، وبدأ الناس يتناقلون أخبار قصة عشق نزار مع الفتاة التى تسكن على ضفة النهر فى حيَ الأعظمية فى بغداد، ونُقلتْ القصة إلى الرئيس العراقى آنذاك أحمد حسن البكر، فبعث الرئيس العراقى شخصيًّا وزير الشباب ووكيل وزارة الخارجية لخطبة بلقيس لنزار قبانى من أبيها، وعندها وافق والدها على تزويجها من نزار قبانى عام 1969 لتبدأ حياة نزار مع امرأتِهِ التى كتبَ لها كتاب الحبِّ خالدًا حتى هذه اللحظة، والذى يقول فى إحدى قصائده: أشهدُ أن لا امرأةً أتقنت اللعبة إلا أنتِ واحتملتْ حماقتى عشرة أعوام كما احتملتِ واصطبرت على جنونِى مثلما صبرتِ وقلمتْ أظافري، ورتبت دفاتري، وأدخلتنى روضةَ الأطفالِ إلا أنتِ.