عاصم الجزار: "الجبهة الوطنية" يعكس الهوية المصرية ويدعو لتفعيل المشاركة السياسية الواعية    متحدث "مياه الجيزة": عودة المياه تدريجيًا.. وحل الأزمة خلال ساعات    رئيس حزب الجبهة: الدول التي تسقط لا تنهض مجددًا وتجربة مصر العمرانية الأنجح    ترامب : نرفض اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين    برلماني: كان الأولى إغلاق السفارات الإسرائيلية ولكنهم ينفذون أجندة صهيونية    الأهلي يهزم إنبي 2-0 استعدادا لانطلاق مباريات الدوري    أمن أسوان يبحث لغز العثور على جثة شاب بين العمارات بمنطقة الصداقة    مدير "بروكسل للبحوث": فرنسا فقدت ثقتها في حكومة نتنياهو    خبراء ودبلوماسيون: أمريكا تعترف بالمجاعة فى القطاع بعد كلمة الرئيس بشأن فلسطين    يبدأ العمل بها 1 أكتوبر .. تعرف علي أسباب إنشاء المحاكم العمالية بالمحافظات واختصاصاتها    «شيكودى» يغيب عن بتروجت 3 أشهر للإصابة    ترامب: عقوبات جديدة على روسيا ما لم تنه الحرب في 10 أيام    المؤبد لتاجر وتغريمه مبلغ 200 ألف جنيه للاتجار في الهيروين بالقليوبية    «التعليم» تحدد موعد بداية العام الدراسي الجديد 2025-2026.. (الخريطة الزمنية)    إصابة 3 أشخاص بطلقات نارية فى مشاجرة بمدينة إدفو بأسوان    السفير المصرى لدى لبنان يعزي النجمة فيروز في وفاة نجلها زياد الرحباني    "جالي فيروس".. صبري عبد المنعم يكشف تطورات حالته الصحية    عمرو دياب vs تامر حسني.. من يفوز في سباق «التريند»؟    السياحة: وضع خطة تسويقية متكاملة لمتحف الحضارة    خالد الجندي : الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    أمين الفتوى : الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟    تحذير عالمي| سرطان الكبد يهدد جيل الشباب    لمرضى التهاب المفاصل.. 4 أطعمة يجب الابتعاد عنها    سعر ومواصفات 5 طرازات من شيرى منهم طراز كهرباء يطرح لأول مرة فى مصر    الغندور: صفقة تاريخية على وشك الانضمام للزمالك في انتقال حر    نقابة المهن التمثيلية تهنئ الفائزين بجوائز الدولة التقديرية فى الفنون والآداب    رئيس جامعة برج العرب في زيارة رسمية لوكالة الفضاء المصرية    نصائح للاستفادة من عطلات نهاية الأسبوع في أغسطس    مبابي ينتقل لرقم الأساطير في ريال مدريد    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    محافظ الدقهلية يهنئ مدير الأمن الجديد عقب توليه منصبه    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"من قارورة العطر خرجت"..نزار قباني شاعر المحبين
نشر في محيط يوم 24 - 03 - 2008


ذكرى نزار قباني شاعر المحبين
محيط - سميرة سليمان

نزار قباني
أدمنت أحزاني
فصرت أخاف أن لا أحزنا
وطعنت آلافا من المرات
حتى صار يوجعني, بأن لا أطعنا
شاعر كان يرى أن الحفاظ على المرأة أيا كانت هو خطوة أولى في الحفاظ على الوطن ، هو شاعر ربيعي عشق الورد والطبيعة وأعلى من الحب ، وتحين اليوم ذكرى مولده بعد أن خلف ميراثا كبيرا للمحبين .. في ذكرى نزار قباني.

كان نزار قباني المولود في شهر مارس تربطه علاقة كبيرة بالربيع وخاصة بربيع الشام التي يقول فيها: في الشام تتغير جغرافية جسدي تصبح كريات دمي خضراء وأبجديتي خضراء.
جئتكم من تاريخ الوردة الدمشقية
التي تختصر تاريخ العطر
ومن ذاكرة المتنبي
التي تختصر تاريخ الشعر جئتكم
من أزهار النارنج والأضاليا والنرجس
يقول عن نفسه: "ولدت في دمشق في مارس 1923 بيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها".
كنت الولد الثاني بين أربعة صبيان وبنت هم المعتز ورشيد وصباح وهيفاء، أسرتنا من الأسر الدمشقية المتوسطة الحال، لم يكن أبي غنيا ولم يجمع ثروة، كل دخله من معمل الحلويات الذي كان يملكه، كان ينفق على إعاشتنا وتعليمنا وتمويل حركات المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين، أبي كان يمتهن عملا آخر غير صناعة الحلويات كان يمتهن صناعة الحرية كان أبي إذن يصنع الحلوى ويصنع الثورة.
هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة.
الورد البلدي سجاد احمر ممدود تحت أقدامك..وألوف النباتات الدمشقية التي أتذكر ألوانها ولا أتذكر أسمائها..لا تزال تتسلق على أصابعي كلما أردت أن أكتب. وعشرون صحيفة فُل في صحن الدار هي كل ثروة أمي.
هذا البيت الدمشقي الجميل استحوذ على كل مشاعري وأفقدني شهية الخروج إلى الزقاق.. كما يفعل الصبيان في كل الحارات.
امتازت طفولتي بحب عجيب للاكتشاف وتفكيك الأشياء وردها إلى أجزائها ومطاردة الأشكال النادرة وتحطيم الجميل من الألعاب بحثا عن المجهول الأجمل. عنيت في بداية حياتي بالرسم. فمن الخامسة إلى الثانية عشرة من عمري كنت أعيش في بحر من الألوان.
أرسم على الأرض وعلى الجدران وألطخ كل ما تقع عليه يدي بحثا عن أشكال جديدة. ثم انتقلت بعدها إلى الموسيقى ولكن مشاكل الدراسة أبعدتني عن هذه الهواية.
نزار قباني
مدرستي الأولى هي الكلية العلمية الوطنية في دمشق دخلت إليها في السابعة من عمري وخرجت في الثامنة عشر أحمل شهادة البكالوريا الثانية "قسم الفلسفة" وحصلت عام 1945 من الجامعة السورية في دمشق على الليسانس في الحقوق، لم أقبل على دراسة القانون مختارا وإنما درسته لأنه مفتاح عملي إلى المستقبل واتقن اللغة الفرنسية التي تعلمتها أثناء دراستي في الكلية العلمية الوطنية واللغة الإنجليزية أثناء عملي في السفارة السورية في لندن (1952-1955) واللغة الإسبانية اثناء عملي الدبلوماسي في مدريد (1962-1966).
ولم امارس المحاماة ولم أترافع في قضية قانونية واحدة، القضية الوحيدة التي ترافعت عنها ولا تزال هي قضية الجمال..والبرئ الوحيد الذي دافعت عنه هو الشعر.
حين كانت طيور النورس تلمس الزبد الأبيض عن أغصان السفينة المبحرة من بيروت إلى ايطاليا في صيف 1939 وفيما كان رفاق الرحلة من الطلاب والطالبات يضحكون، ويتشمسون ويأخذون الصور التذكارية على ظهر السفينة كنت أقف وحدي في مقدمتها ادمدم الكلمة الأولى من أول بيت شعر نظمته في حياتي..وللمرة الأولى وفي سن السادسة عشرة وبعد رحلة طويلة في البحث عن نفسي نمت شاعرا.
غزل في نساء القبيلة
تزوج نزار قباني مرتين، الأولى من ابنة عمه "زهراء آقبيق" وأنجب منها هدباء وتوفيق. والثانية عراقية هي "بلقيس الراوي" وأنجب منها عمر وزينب.
يقول نزار في كتاب يحمل مذكراته: بلقيس هي كنز عظيم عثرت عليه مصادفه, حيث كنت اقدم امسية شعرية في بغداد عام 1962م ويضيف , قصتنا ككل قصص الحب في المدن العربية جوبهت ب(لا) كبيرة جداَ..كان الاعتراض الأقوى على تاريخي الشعري, وكانت مجموعاتي الغزلية وثائق أشهرها أهل بلقيس ضدي والقبائل العربية كما نعرف لا تزوج بناتها من أي شاعر تغزل بإحدى نساء القبيلة, ولما يئست من إقناع شيخ القبيلة بعدالة قضيتي..ركبت الطائرة وسافرت إلى أسبانيا لأعمل دبلوماسيا فيها لمدة ثلاث سنوات, وخلال هذه السنوات الطويلة كنت أكتب لبلقيس, وكانت تكتب لي..رغم أن بريد القبيلة كان مراقباَ...وظل وضع نزار على هذا الحال حتى جاء عام 1969م, فيقول نزار "في هذا العام ذهبت إلى بغداد بدعوة رسمية للاشتراك في مهرجان المربد.. وهناك القيت قصيدة من أجمل قصائدي كانت "بلقيس الراوي" بطلتها الرئيسية:
مرحباَ يا عراق,جئت أغنيك
وبعض من الغناء بكاء
أكل الحزن من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء
بعد هذه القصيدة التي هزت بغداد في تلك الفترة, تعاطفت الدولة والشعب العراقي مع قضية نزار ، وتولى القادة البعثيون خطبة بلقيس من أبيها, وكان على رأس الوفد الحزبي الذي ذهب إلى بيت الراوي في "حي الأعظمية" لطلب يد بلقيس, وزير الشباب الشاعر الأستاذ شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية آنئذ الشاعر الأستاذ شاذل طاقة.
ومع بلقيس شعر نزار أنه يعيش في حضن أمه, فظلت بلقيس تعامله كطفل وتعوضه عن بعد أمه فقد كان كثير التنقل ولذا نجد نزاراَ يكتب لها قصيدة بمناسبة مرور عشر سنوات على زواجهما
يقول فيها:
أشهد أن لا امراة
اتقنت اللعبة إلا انت
واحتملت حماقتي
عشرة اعوام كما احتملت
أشهد أن لا امراة
قد جعلت طفولتي
تمتد خمسين عاماَ.. إلا انت
وبعد وفاة بلقيس رفض نزار أن يتزوج ، وعاش سنوات حياته الأخيرة في شقة بالعاصمة الإنجليزية وحيداً.
محن في حياته
كانت أول أكبر صدمة في حياته حين توفت والدته عام 1976م, وقد اهتز وجدان الشاعر, فقد وصل ارتباطه بها إلى أقصى درجاته, فهي التي كتب لها قصيدة "خمس رسائل إلى أمي" عندما كان يسافر بسب عمله في الحقل الدبلوماسي, وكان يصف حاله بدونها في "ديوان الرسم بالكلمات" قائلا:
....لم أعثر
على امرأة تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها إليّ عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشلني إذا أعثر
ايا أمي أنا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطره
تعيش عروسة السكر
فكيف...فكيف... يا أمي
غدوت اباَ...ولم أكبر

ولم تمر سوى أعوام قليلة وتحديداَ في 15 ديسمبر 1981 حتى يصدم نزار صدمته الثانية, وكانت في وفاة زوجته وأمه الثانية بلقيس الراوي, التي ماتت في حادث مأساوي تحت أنقاض السفارة العراقية في بيروت على إثر إنفجار هائل بالقنابل وقع بها ويصف نزار قباني هذه اللحظة
قائلا"كنت في مكتبي بشارع الحمراء حين سمعت صوت انفجار زلزلني من الوريد إلى الوريد ولا أدري كيف نطقت ساعتها: يا ساتر يا رب..بعدها جاء من ينعي إلي الخبر..السفارة العراقية نسفوها..قلت بتلقائية بلقيس راحت .. شظايا الكلمات مازالت داخل جسدي ..أحسست أن بلقيس سوف تحتجب عن الحياة إلى الابد, وتتركني في بيروت ومن حولي بقاياها, كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي .
ويطلق الشاعر صرخة حزن مدوية, في قصيدة تعد من أطول القصائد المرثيةالتي نظمها نزار قباني, وهي قصيدة بلقيس ونذكر منها:

شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
ومن المحن أيضا التي مرت عليه كانت وفاة ابنه توفيق بمرض القلب وعمره 17 سنة، وكان طالباً بكلية الطب جامعة القاهرة .. ورثاه نزار بقصيدة شهيرة عنوانها " الأمير الخرافي توفيق قباني "
يقول :

أشيلك، يا ولدي ، فوق ظهري

كمئذنة كسرت قطعتين..

وشعرك حقل من القمح تحت المطر..

ورأسك في راحتي وردة دمشقية .. وبقايا قمر

أواجه موتك وحدي..

وأجمع كل ثيابك وحدي

وألثم قمصانك العاطرات..

ورسمك فوق جواز السفر

وأصرخ مثل المجانين وحدي

وكل الوجوه أمامي نحاس

وكل العيون أمامي حجر

فكيف أقاوم سيف الزمان؟

وسيفي انكسر..
وأوصى نزار بأن يدفن بجواره بعد موته ويقول عن موت ابنه: مات ابني توفيق في لندن توقف قلبه عن العمل كما يتوقف قلب طائر النورس عن الضرب، عمره اثنتان وعشرون سنة..وشعره كلون حقول القمح في تموز"يوليو" كان توفيق أميرا دمشقيا جميلا..كان طويلا كزرافة، وشفافا كالدمعة، وعالي الرأس كصواري المراكب.
إن رحيل توفيق المفاجئ أكد لي حقيقة لم اكن أعرفها وهي أن الصغار أشجع منا وأكثر منا قدرة على فهم طبيعة هذه الرحلة التي يسمونها الموت.

كما حزن على أبيه عند وفاته وكتب إلى أمه قائلا:
أتى أيلول يا أماه
وجاء الحزن يحمل لي هداياه
ويترك عند نافذتي
مدامعه وشكواه
أتى أيلول، أين دمشق؟
أين أبي وعيناه؟
وأين حرير نظرته، وأين عبير قهوته
سقى الله مثواه!

يتنفس شعرا
أتجول في الوطن العربي
لأقرأ شعري للجمهور
فأنا مقتنع
أن الشعر رغيف يخبز للجمهور
بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة ، وأصدر أول دواوينه " قالت لي السمراء " عام 1944 وكان طالبا بكلية الحقوق ، وطبعه على نفقته الخاصة .
له عدد كبير من دواوين الشعر، تصل إلى 35 ديواناً ، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن، كما له عدد كبير من الكتب النثرية أهمها : " قصتي مع الشعر، ما هو الشعر ، 100 رسالة حب " .
أسس دار نشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني" .
يقول عن الشعر: لقد فهمت معادلة الحداثة على أنه لا شعر يجب ان يكتب خارج اطار الحديث اليومي. لقد حاولت ما امكنني ان اجعل القصيدة جزءا من المصطلح اليومي للتخاطب. ان انزل من اللغة القديمة أو القاموسية، إلى الشارع العام .
وبحسب النقاد كان القباني رائداً ل "قصيدة التفاصيل الصغيرة" أو ما أطلق عليها "قصيدة التفاصيل اليومية" حيث نجح القباني في خلق ملاحم صغيرة كبيرة في آن واحد.. صغيرة لأنها تعرض لحياة الإنسان العادي البسيط ولهمومه ولأحلامه المنكسرة، وكبيرة لأنها استطاعت أن ترقى إلى صفة الملحمي.
المرأة في شعر نزار

تأثر نزار قباني كثيرا في شبابه بانتحار اخته "وصال" - وهي من عائلة دمشقية عريقة - انتحرت عندما أرادوا أن يجبروها على الزواج من رجل لا تحبه، فنذر شعره لحب المرأة منذ صدور ديوانه الاول "قالت لي السمراء" عام 1944 ! وأصبح نزار قبانى من وجهة نظر مثقفى الخمسينات مجرد شاعر مترف برجوازي يكتب عن المرأة وجسدها.
وعندما اتهمه المثقفون والنقاد بالإباحية في شعره وطالبوا بتكفيره كتب قصيدة يدافع عن نفسه فيها قائلا:
يقول عني الأغبياء أني دخلت مقاصر النساء وما خرجت
ويطالبون بنصب مشنقتي لأني عن شؤون حبيبتي شعراً كتبت
أنا لم أتجر مثل غيري بالحشيش .. ولا سرقت ولا قتلت
لكنني أحببت في وضح النهار .. فهل تراني كفرت ؟ !
وبعد أن كان نزار يقول عن نفسه أنه:".... مسئولا عن المرأة حتى الموت " و "أننى حارس ليلى على باب المرأة! " نجده يصرح فى لقاء لجريدة الشرق الأوسط قائلا: " أهل من الممكن، إكراما لكل الأنبياء، أن تخرجوني من هذه القارورة الضيقة، التى وضعتنى فيها الصحافة العربية، أى قارورة الحب والمرأة " .
معارك شعرية
كثيرة هي المعارك التي خاضها نزار عبر شعره ومن هذه القصائد " خبز وحشيش وقمر " التي أثارت ضده عاصفة شديدة وصلت إلى البرلمان وطالب رجال الدين في سوريا بطرده من الخارجية وفصله من العمل الدبلوماسي في منتصف الخمسينات بعد نشرها. كما أثارت جدل بين رجال الدين فاعتبروه كافرا وملحدا وفيها يقول:
ما الذي يفعلهُ قرصُ ضياءْ
ببلادي..
ببلادِ الأنبياء..
وبلادِ البسطاءْ..
ماضغي التبغِ، وتجَّارِ الخدرْ
ما الذي يفعلهُ فينا القمرْ؟
فنضيعُ الكبرياءْ
ونعيشُ لنستجدي السماءْ
وعن رد الفعل الذي وجده نزار حينما كتب قصيدته "خبز وحشيش وقمر" يقول: "ضربتني دمشق بالحجارة والبندورة والبيض الفاسد حين نشرت في عام 1954 قصيدتي خبز وحشيش وقمر وكانت هذه القصيدة أول مواجهة بالسلاح الأبيض بيني وبين الخرافة" ، ويؤيده في ذلك مؤلف كتاب "أسرار القصائد الممنوعة لشاعر الحب والحرية نزار قباني قصائد خلف الأسوار" محمد رضوان الذي يرى أن نزار كشف الزيف عن حقيقة مجتمعاتنا الشرقية المتواكلة التي تتكلم أكثر مما تعمل بينما الآخرون يتقدمون بالعلم والعمل الجاد المخلص.
أيضا أثارت قصيدة "هوامش على دفتر النكسة" جدلا واسعا بعد نشرها لأن شعر نزار قباني قبل نكسة 5 يونيو 1967 وقال:
أنعي لكم يا أصدقائي، اللغة القديمة، والكتب القديمة
أنعي
كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة
ومفردات العهر، والهجاء والشتيمة
أنعي لكم..أنعي لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
ويقول :
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
وبادرت أقلام كثيرة في مصر تدعو بمنع دخول نزار قباني مصر ومنع أغانيه في الإذاعة المصرية، ولكن الرئيس عبد الناصر حسم هذا الموقف إذ علق على الرسالة التي بعث بها إليه نزار قباني في 30 أكتوبر 1967 بما يلي: تُلغى كل التدابير التي قد تكون اتخذت خطأ بحق الشاعر ومؤلفاته، يدخل الشاعر نزار قباني إلى الجمهورية العربية المتحدة متى أراد ويُكرم فيها كما كان في السابق.
ويكتب نزار قصيدة رثاء بعد وفاة عبد الناصر 28 سبتمبر 1970 وقال :
السيد نام..السيد نام
السيد نام كنوم السيف العائد من إحدى الغزوات
السيد يرقد مثل الطفل الغافي في حضن الغابات
السيد نام..وكيف أصدق أن الهرم الرابع مات؟
القائد لم يذهب أبدا، بل دخل الغرفة كي يرتاح
وسيصحو حين تطل الشمس، كما يصحو عطر التفاح
الخبز سيأكله معنا
وتشغل نزار القضايا القومية ومنها قضية فلسطين وكتب عن أطفال الحجارة قائلا:
بهروا الدنيا
وما في يدهم إلا الحجارة
وأضائوا كالقناديل وجائوا كالبشارة
قاوموا وانفجروا واستشهدوا
وبقينا دبباً قطبية
صفحت أجسادها ضد الحرارة
وكتب عن نصر أكتوبر 1973 قائلا:
تركت عصور انحطاطي ورائي
تركت عصور الجفاف
وجئت على فرس الريح والكبرياء
لكي أشتري لك ثوب الزفاف
رحيل شاعر الحب
مات نزار قباني بعيدا عن بيروت التي احبها حيث هجرها بعد مقتل زوجته بلقيس عام 1982،وتوفي بتاريخ 30 أبريل 1998 في لندن ، بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان ومقتل زوجته بلقيس انتقل نزار قباني للعيش في مصر عام 1983 وتعرض لهجوم عنيف هناك من قبل الاعلام المصري على خلفية قصيدة ضد الرئيس أنور السادات انتقده فيها وانتقد اتفاقية كامب ديفيد للسلام المصري مع اسرائيل.
ورغم وجود أصدقاء وقفوا إلى جانبه مثل يوسف ادريس ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين ومحمد عبد الوهاب واعتباره أن مصر أم الدنيا لم تتوقف الحملة ضده طوال عام كامل وخاصة من قبل أنصار التطبيع مع اسرائيل آنذاك وخاصة أنيس منصور .
وقرر نزار الانتقال إلى سويسرا عام 1984 وبقي فيها 5 سنوات ثم ذهب إلى لندن عام 1989 وقضى فيها 9 سنوات حتى رحيله.
ورحل نزار عن عمر يناهز 73 عاما ، وحتى وإن اختلفنا معه إلا أنه شاعر رحل وبقت كلماته شاهدة على الحب في كل زمان ومكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.