«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى العاشرة لرحيل فارس الشعراء
نشر في محيط يوم 29 - 04 - 2008

في الذكرى العاشرة لرحيل فارس الشعراء..نزار قباني....!
* د. صلاح عودة الله

ولد نزار قباني في 21 اذار 1923 م في أحد بيوت دمشق القديمة. يقول نزار"يوم ولدت كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة،وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء.. هل كانت يا ترى أن تكون ولادتي في الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها،وترمي فيه الأشجار كل أوراقها القديمة؟أم كان مكتوبا علي أن أكون كشهر اذار...شهر التغيير والتحولات"؟.
وأسرة قباني من الأسر الدمشقية العريقة، ووالده توفيق قباني، كان من رجالات الثورة السورية. حصل نزار قباني على الشهادة الثانوية من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق، وبعدها إلتحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرج فيها عام 1945،ولقد عمل بعد تخرجه في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السورية، وتنقل في سفاراتها بين مدن عديدة، وظل نزار في عمله الدبلوماسي حتى إستقال منه عام 1966, وبعد تركه للعمل الدبلوماسي أسس في بيروت دارا للنشر تحمل أسمه،وتفرغ للشعر.
بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة،وأصدر أول دواوينه "قالت لي السمراء"عام 1944، وكان طالبا بكلية الحقوق، وطبعه على نفقته الخاصة، وله عدد كبير من دواوين الشعر تصل إلى أربعين ديوانا كتبها على مدار ما يزيد عن نصف قرن، كما أن له عددا كبيرا من الكتب النثرية أهمها "قصتي مع الشعر" و" ما هو الشعر" و"مئة رسالة حب".
تزوج نزار مرتين الأولى من إبنة عمه"زهراء إقبيق"،والثانية عراقية هي"بلقيس الراوي".
على مدى أربعين عاما كان المطربون الكبار يتسابقون للحصول على قصائده،وكانت حياته مليئة بالمفاجئات والصدمات،فأول فاجعة تلقاها برحيل شقيقته الكبرى وصال،حين قتلت نفسها لأنها لم تستطع أن تتزوج من تحب،فكانت هذه الحادثة أول عامل يؤثر في شعره!وبعد وفاتها قرر محاربة كل الأشياء التي تسببت في موتها.
وعندما سؤل نزار إذا كان يعتبر نفسه ثائرا،أجاب الشاعر:"إن الحب في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره،أريد تحرير الحس والجسد العربي في شعري، إن العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا غير سليمة".
توفي إبنه توفيق من زوجته الأولى وهو في السابعة عشرة من عمره مصابا بمرض القلب وهو في السنة الأولى بكلية الطب في جامعة القاهرة وكانت وفاته صدمة كبيرة لنزار وقد رثاه في قصيدة مؤثرة"إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني".
في عام 1982 قتلت زوجته بلقيس الراوي في إنفجار السفارة العراقية ببيروت، وترك رحيلها أثرا نفسيا سيئا عند نزار ورثاها بقصيدة شهيرة تحمل إسمها "بلقيس".
وكانت نكسة 1967م قد أحدثت شرخا في نفسه،وكانت حدا فاصلا في حياته، جعله يخرج من مخدع المرأة إلى ميدان السياسة. بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل في باريس وجنيف حتى إستقر به المقام في لندن التي قضى بها سنين حياته الأخيرة، ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل خاصة قصائده السياسية خلال فترة التسعينات:"متى يعلنون وفاة العرب؟"و"المهرولون".
الحب ونزار:
يقول نزار"الحب عندي هو العلم الوحيد الذي كلما أبحرت فيه إزدهرت جهدا!!. في عالم النساء لا توجد شهادات عالية،وليس هناك رجل في العالم مهما كان مواظبا ومجتهدا يستطيع أن يدعي أنه حامل دكتوراة في الحب".
الرجل الذكي هو الذي يبقى مع المرأة طالب علم إلى ما شاء الله. أنا شخصيا لا تعنيني الشهادات بل العكس أتكاسل عن قصد حتى لا أنجح وأبقى في مدرسة المرأة نصف قرن اخر!. إنني غير مستعجل أبدا على التخرج لأنني لو تخرجت من مدرسة المرأة سوف أموت قهرا وأغدو عاطلا عن العمل.
كرس نزار نفسه لشعر الحب ولأجل الحب"ربما كان لموت أخته وصال في سبيل الحب، أحد العوامل النفسية التي جعلته يتوفر لشعر الحب بكل طاقاته ويهبه أجمل كلماته تعويضا لما حرمت منه أخته ولربما إنتقاما لها من مجتمع رفض الحب وطارده بالفؤؤس والبنادق.
يقول نزار"حين مشيت في جنازة أختي، وأنا في الخامسة عشرة من عمري كان الحب يمشي إلى جانبي في الجنازة ويشد على ذراعي ويبكي، إن مصرع أختي العاشقة كسر شيئا في داخلي وترك على سطح بحيرة طفولتي أكثر من دائرة،وأكثر من إشارة إستفهام".
وقد رثا نزار أخته بقصيدة من روائع أحزانه وعنوانها"إلى الأميرة المغادرة التي لم تغادر"وأقتبس منها:صوت أختي في بيتنا ما زال يتردد/بكل الزوايا/ووجهها الناعم الجميل/يبادل التحية كل صباح/وجه المرايا...ثم ينهي القصيدة بقوله:سلام إلى الأيام الباقية/والأيام البعيدة الباكية/سلام على يوم خرجت فيه من بيتنا/وإليه تعود دوما حية..!

وفي رثاء إبنه توفيق كتب نزار قصيدة بعنوان"إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني"وفيها يقول:مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات/ومقصوصة،كجناح أبيك،هي المفردات/فكيف يغني المغني؟/وقد ملأ الدمع كل الدواه/وماذا سأكتب يا بني؟/وموتك ألغى جميع اللغات.../وينهي نزار قصيدته هذه بقوله:أ توفيق/إن جسور الزمالك ترقب كل صباح خطاك/وإن الحمام الدمشقي يحمل تحت جناحيه دفء هواك/فيا قرة العين-كيف وجدت الحياة هناك؟/فهل ستفكر فينا قليلا؟/وترجع في اخر الصيف حتى نراك/أ توفيق/إني جبان أمام رثائك/فإرحم أباك...!

بلقيس الراوي: في عام 1969 تزوج نزار من بلقيس الراوي وهي من أصل عراقي وعلى حد قوله كانت بلقيس قبيلة من النساء أعادت الدم للعروق كما أعادت الحبر للأقلام.عاش معها عيشة مليئة بالأفراح حتى فجع نزار بأشد الفواجع قسوة عليه وهي مقتل بلقيس وكتب فيها قصيدة رائعة وفيها حمل كل الأمة العربية مسؤولية وفاتها، أقتبس بعضا منها:سأقول في التحقيق/إني قد عرفت القاتلين/بلقيس يا فرسي الجميلة/إنني من كل تاريخي خجول/هذه بلاد يقتلون بها الخيول../بلقيس أيتها الشهيدة والمطهرة النقية/سبأ تفتش عن مليكتها, فردي للجماهير التحية/يا أعظم الملكات...ثم يكمل قوله:بلقيس../إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عرب/ويأكل لحمنا عرب/ويبقر بطننا عرب/ويفتح قبرنا عرب/فكيف نفر من هذا القضاء؟/فالخنجر العربي...ليس يقيم فرقا/بين أعناق الرجال..وبين أعناق النساء...!

ثم يتابع قوله بأبيات رائعة يتهم بها الزعماء العرب وهم الذين إتهمهم نزار مرارا بالخيانة والذل أنهم لم يتمكنوا من القضاء عليه وإسكاته فكان قتل بلقيس إنتقاما منه..بلقيس:أسألك السماح،فربما كانت حياتك فدية لحياتي/إني لأعرف جيدا/إن الذين تورطوا في القتل،كان مرادهم..أن يقتلوا كلماتي..!

القصائد الممنوعة لشاعر الحب والحرية والثورة نزار قباني:

كثيرة هي المعارك التي خاضها هذا الشاعر عبر الشعر النابض بالحياة وبقصائده ذات الجرس الموسيقي العذاب! والتي تسري في أوصالها النزعة الإنسانية، ومن ثم تحض على النضال وعدم اليأس والإستسلام أمام الهزيمة... ولكن بالرغم من ضراوة المعارك التي كان يخوضها، والتي لا تهدأ إلا لتبدأ فقد ظل قامة سامقة، لا تطاله الأقزام، فكان يخرج من كل معركة وهو أصلب عودا وأكثر رسوخا في ذاكرة العربي هنا أو هناك.ومن القصائد التي أثارت معارك" قصيدة خبز وحشيش وقمر".
لقد أثارت هذه القصيدة الكثير من الجدل سيما بين رجال وشيوخ الدين فإعتبروه كافرا وملحدا، وقد نشرت للمرة الأولى سنة 1954م، ونالت شهرة واسعة، وهي تعبر عن صيحة شاعر قومي مخلص لعروبته وهويته القومية.

يقول في هذه القصيدة التي أجتزىء جزءا منها فهي تتسم بالجرأة والتمرد على الواقع:عندما يولد في الشرق القمر/فالسطوح البيض تغفو/تحت أكداس الزهر/يترك الناس الحوانيت، ويمضون زم/لملاقاة القمر/يحملون الخبز والحاكى إلى رأس الجبل/ومعدات الخدر/ويبيعون ويشرون خيال وصور/ويموتون إذا عاش القمر..!
وقد خلقت هذه القصيدة كثيرا من الأعداء على نزار، وإعتبرها بعضهم داعرة فاجرة، واخر قال ما معناه أنها تظهر الشعب العربي بأقبح صورة، وتعطي إنطباعا للاخر بالعجز والتخاذل.

كانت هذه القصيدة لونا من الشعر، وخطابا لم يألفه الملتقى العربي، صيغت بعبارات تقدح شررا لعلها توقظ الشعب العربي الغارق في سبات عميق منذ قرون،عله ينهض ويأخذ زمام المبادرة.

قصيدة هوامش على دفتر النكسة: كان شعر نزار قبل نكسة عام 1967 منصرفا بكليته للغزل والحب عاشقا يتغزل وينعى بجسد الأنثى البديع بألفاظ غاية في العذوبة والرقة، وأكثرها إثارة وفتنة ولذلك فقد أطلق النقاد عليه شاعر المرأة متصفا بالشفافية والنقاء، وقصيدة"الرسم بالكلمات" هي إحدى هذه القصائد:تعبت من السفر الطويل حقائبي/وتعبت من خيلي وغزواتي/لم يبقى نهد...أسود أو أبيض/إلا زرعت بأرضه راياتي/لم تبق زاوية بجمسم جميلة/إلا ومرت فوقها عرباتي/فصلت من جلد النساء عباءة/وبنيت أهراما من الحلمات..!

وأعود إلى قصيدة "هوامش على دفتر النكسة":

نكسة عام 1967...نكسة الهزيمة المريعة، أصابت من نزار مقتلا، فكان واقعها على نفسه أليما! ولقد غيرت لديه كثيرا من المفاهيم والقيم في السياسة وإهتزت ثقته في الرجال الذي كان يعقد عليهم امالا عريضة ويراهن على أنهم كانوا يمسكون بأيديهم زمام المستقبل في إسترداد الإنسان العربي لكرامته، بيد أن هذه الأحلام والأماني الوطنية، إنهارت دفعة واحدة، وأصيب بصدمة نفسية قوية، يقول في قصيدته:أنعي لكم، يا أصدقائي اللغة القديمة، والكتب القديمة..أنعي كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة ومفردات العهر، والهجاء والشتيمة/أنعي لكم.. أنعي لكم/نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة/يا وطني الحزين حولتني بلحظة/من شاعر يكتب شعر الحب والحنين/لشاعر يكتب بالسكين..!

ويقول في نهاية القصيدة، مخاطبا الطفل العربي..طفل المستقبل:

يا أيها الطفل/يا مطر الربيع،يا سنابل الامال/أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمة/وأنتم الجيل الذي يهزم الهزيمة..!
هذه القصيدة تطرح أسئلتها: وكانه لا يأبه بهذه الهجمة الشرسة التي تناوشه بلا رحمة، ويتصدى لها متلذذا بالرعب والخوف الذي يجتاح ويسكن بعض النفوس الذليلة فيقول فيها أيضا:يسرني جدا/بأن ترعبكم قصائدي/وعندكم،من يقطع الأعناق/يسعدني جدا.. بأن ترتعشوا/من قطرة الحبر/ومن خشخشة الأوراق/يا دولة... تخيفها أغنية..!

وقد أحدثت هذه القصيدة ردود فعل قوية وعنيفة، وردا على هذه القصيدة، كتب الشاعر اللبناني خازن عبود قصيدة بعنوان"يا شاعر الدانتيل والفستان"قال فيها:لأنك إبتعدت عن قضية الإنسان/يا شاعر الدانتيل والفستان/لأنك إبتعدت عن قضية النضال/وعشت في شعرك/للذات والنساء والسيقان/فشعرك إنحلال/يا شاعر النهود والكؤؤس والشراب/أفسدت في أمتنا الشباب..!

لقد رأى بعضهم أن نزار ليس وطنيا، بل يدعي الوطنية مستغلا نكسة حزيران 1967 وإن ولادته بعد ذلك كشاعر ثوري كانت ولادة غير طبيعية! وتبارت في الشارع المصري أقلام عديدة تدعو لمنع دخول نزار قباني مصر، ومنع أغانية في الإذاعة المصربة، بل حتى أن بعضهم حاول أن يقنع وباصرار والحاح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بأنه قصده ولو بصورة خفية في قصيدته بعد النكسة.

ولكن إيمانا من الزعيم الخالد بحرية الرأي والتعبير والكلمة الصادقة، فقد بعث لنزار برسالة شخصية معبرة تلغي كل التدابير الي كانت قد إتخذت ضد نزار قباني.

وبعد وفاة جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1970م ، والتي هزت كيان نزار قباني،كتب قصيدة رثاء بعنوان"قتلناك":
قتلناك يا اخر الأنبياء/ليس جديدا إغتيال الصحابة والأولياء/فكم من رسول قتلنا/وكم من إمام ذبحنا/وهو يصلي صلاة العشاء/فتاريخنا كله محنة، وأيامنا كلها كربلاء..!

بعد إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ومقتل زوجته بلقيس إنتقل نزار للعيش في مصر عام 1983 وتعرض لهجوم عنيف هناك من قبل الإعلام المصري على خلفية قصيدة ضد الرئيس أنور السادات إنتقده فيها وإنتقد إتفاقية كامب ديفيد للسلام المصري مع إسرائيل. ورغم وجود أصدقاء وقفوا لجانبه مثل يوسف إدريس ومحمد حسنين هيكل ومحمد عبد الوهاب وغيرهم، إلا أنه طورد ولم تتوقف الحملة الهجومية ضده وخاصة من أنصار التطبيع مع إسرائيل انذاك وخاصة أنيس منصور، وبعدها في عام 1984 غادر نزار مصر متوجها إلى سويسرا وفي عام 1989 رحل نزار إلى لندن وبقي فيها حتى وفاته.

أنظر إليه وهو يقول، رافضا مبدأ التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني ورموزه:

وصل قطار التطبيع الثقافي إلى مقاهينا/وصالوناتنا، وغرف نومنا المكيفة الهواء/ونزل منه أشخاص غامضون يحملون معهم دواوين شعر/ومصاحف مكتوبة باللغة العبرية،ويحملون معهم جرائد تقول/إن شاعر العرب الأكبر، أبا الطيب المتنبي/صار وزيرا للثقافة في حكومة حزب العمل(حزب صهيوني).

وكان لفلسطين مكانة كبيرة وواسعة في قلب شاعرنا العظيم نزار قباني فكتب فيها الكثير، ومن أشهر قصائده في هذا المجال قصيدة "أطفال الحجارة"أثناء

الإنتفاضة الفلسطينية الباسلة، يقول فيها:بهروا الدنيا/وما في يدهم إلا الحجارة/وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشارة/قاوموا...وإنفجروا...وإستشهدوا/وبقينا دببا قطبية/صفحت أجسادها ضد الحرارة..ثم يستمر قائلا:نحن أهل الحساب والجمع والطرح/فخوضوا حروبكم وإتركونا/إننا الهاربون من خدمة الجيش/فهاتوا حبالكم وإشنقونا/نحن موتى لا يملكون ضريحا/ويتامي لا يملكون عيونا/لقد لزمنا حجورنا وطلبنا منكم/أن تقاتلوا التنينا/قد صغرنا أمامكم/وكبرتم خلال شهرا قروناََ..!

أما القصيدة الثانية فهي بعنوان"شعراء الأرض المحتلة"وفي جزء منها يقول:

محمود درويش...سلاما/توفيق الزياد...سلاما/يا فدوى الطوقان...سلاما/يا من تبرون على الأضلاع الأقلام/نتعلم منكم، كيف نفجر في الكلمات الألغام/شعراء الأرض المحتلة...ما زال دراويش الكلمة/في الشرق، يكشون حماما/يحسون الشاي الأخضر... يجترون الأحلاما/لو أن الشعراء لدينا/يقفون أمام قصائدكم/لبدوا..أقزاما..أقزاما..!

وحتى في قصيدته بلقيس لم ينس أن يتطرق إلى فلسطين:

لو أنهم حملوا إلينا/من فلسطين الحزينة/نجمة..أو برتقالة/لو أنهم حملوا إلينا من شواطىء غزة..حجرا صغيرا/أو محارا..لو أنهم من ربع قرن حرروا زيتونة/أو أرجعوا ليمونة/ومحو عن التاريخ عارة/لشكرت من قتلوك... يا بلقيس/يا معشوقتي حتى الثمالة/لكنهم تركوا فلسطينا/ليغتالوا غزالة..!

أما قصيدة "المهرولون"والتي إنتقد فيها وشجب إتفاقية أوسلو عام 1995،فيقول فيها: سقطت اخر جدران الحياء/وفرحنا...ورقصنا وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء/لم يعد يرعبنا شيء... ولا يخجلنا شيء/فقد يبست فينا عروق الكبرياء..!

ثم يمضي قائلا:بعد خمسين سنة/تجلس الالاف على أرض الخراب/مالنا مأوى/كالاف الكلاب/ما تفيد الهرولة؟/عندما يبقى ضمير الشعب حيا/كفتيل القنبلة/لن تساوي كل توقيعات أوسلو..خردلة..!

وفي عامه الأخير قبل رحيله عام 1998... صرخ نزار قباني((متى يعلنون وفاة العرب؟)) تللك القصيدة التي توقف عندها الكثيرون وصرخوا أو احتجوا وقالوا بأنها تهزم الشعور القومي وتضرب الشموخ وتحطم الكبرياء الوطنية القومية!! في هذه القصيدة لا يكفر نزار العرب بل يراهم هم الذين يكفرون أنفسهم تكفيرا ضد العروبة ويرى من خلال كلماتها خيانة التاريخ... ولا يرى نزار في كلمات تلك القصيدة بأنه قطع علاقة العرب بالعصر الحديث فهو يرى أنه لا علاقة لهم بهذا العصر من الأساس!!

فعلا إن كلمات هذه القصيدة كلمات لا تعرف الرحمة:

أنا منذ خمسين عاما/أراقب حال العرب/وهم يرعدون، ولا يمطرون/وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون/وهم يعلكون جلود البلاغة علكا/ولا يهضمون...!

أنا منذ خمسين عاما/أحاول رسم بلاد/تسمى"مجازا"بلاد العرب"...!

أنا بعد خمسين عاما/أحاول تسجيل ما قد رأيت/رأيت شعوبا تظن بأن رجال المباحث/أمر من الله...مثل الصداع...ومثل الزكام/ومثل الجذام...ومثل الجربرأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم/ولكنني...ما رأيت العرب..!

لقد كتب نزار قصيدة رائعة في مدح الرسول محمد(صلعم), ولكن ولكي اكون منصفا، كتب نزار الكثير من المقاطع الشعرية والتي تتعارض واحكام الدين الاسلامي، ولذلك لن اتطرق الى هذا الموضوع..!

مهما كتبت عن نزار فلا أستطيع أن اوفيه حقه، فهو وكما قالوا عنه، بانه أكبر الشعراء بعد أبي الطيب المتنبي... كنت أتمنى أن يكون بيننا الان ليتحفنا بأشعاره والتي حتما ستصف وضعنا المأساوي كعرب ومسلمين وأينما تواجدنا.
في الربيع ولد نزار، وفي الربيع توفي، وعاد في الربيع إلى دمشق التي عشقها ليدفن في ثراها بعد غربة.

توفي نزار قباني في لندن يوم الخميس في 30 نيسان 1998 عن عمر يناهز 75 عاما،وبناءا على وصيته تم دفنه بجوار إبنه توفيق في دمشق، وبعد أن علمت دمشق برحيل شاعرها وإبنها البار نزار توفيق قباني، نعته وزارة الخارجية ووزارة الثقافة والإعلام وإتحاد الكتاب العرب وإتحاد الصحفيين وأسرة الفقيد:

أنا وردتكم الشامية يا أهل الشام/فمن وجدني منكم فليضعني في أول مزهرية/أنا شاعر كم المجنون يا أهل الشام/فمن راني منكم فليلتقط لي صورة تذكارية/أنا قمركم المشرد يا أهل الشام/فمن راني منكم فليتبرع لي بفراش وبطانية صوف/لأنني لم أنم منذ قرون..!

وبعد وصول الجثمان إلى دمشق يوم الاحد الثالث من ايار 1998 م، كانت دمشق بكل ناسها في إستقبال إبنها البار وجمع أهل دمشق كل أنواع الورود والياسمين ونثروها لإستقبال الراحل الكبير وقامت دمشق عن بكرة أبيها، تبكي شاعرها، الرجال والشيوخ والنساء والصبايا والأطفال كلهم أتوا من كل حدب وصوب لوداع شاعر العرب، وكسرت النساء التقليد الذي يحظر عليهن المشاركة في التشييع ورافقن جثمانه إلى المسجد ومن ثم إلى المقبرة.

لم تكن جنازة تلك التي عبرت شوارع دمشق بل قافلة أكف وأفئدة وعيون تحتضن جثمان الشاعر الكبير وتهتف"زينوا المرجه ..والمرجه لنا".

وبكى الوطن العربي كله نزار قباني وعقدت مجالس العزاء في بيوت العرب... وهكذا عاد الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه ممتطيا صهوة سحابة،ممتطيا أجمل حصانين في الدنيا،حصان العشق،وحصان الشعر..لأن دمشق هي الرحم الذي أنجبه وعلمه الشعر وعلمه الإبداع وأهداه أبجدية الياسمين.

تم الرجوع لبعض المصادر
** القدس المحتلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.