غلق الموقع الإلكتروني للمرحلة الأولى لتنسيق الجامعات    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. الكليات المتوقعة لطلاب علمي علوم ورياضة بعد نتيجة المرحلة الأولى    وزير الري: أراضي طرح النهر تتبع الدولة لا الأفراد.. ونعفي المزارعين المتضررين من الإيجار وقت الغمر    وزير قطاع الأعمال العام يختتم زيارته للغربية بجولة تفقدية في "غزل المحلة".. صور    بعد الانخفاض الكبير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة وعيار 21 يسجل أقل سعر    بفائدة تبدأ من 15%.. تفاصيل قروض التعليم بالبنوك وشركات التمويل الاستهلاكي    "غزة والمعابر" شرايين قطعها الاحتلال بسيف العدوان.. تاجر على أبوابها الإخوان بسموم الأكاذيب.. إسرائيل ترفع شعار "مغلق لغياب الإنسانية" على منافذ القطاع السبعة.. والإعلام العالمى يفضح ادعاءات الإرهابية    الأردن يدين حملات التحريض على دوره في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني بغزة    وزيرا خارجية إيران وباكستان يبحثان تعزيز التعاون المشترك حفاظا على استقرار المنطقة    اجتماع طارئ لاتحاد اليد لبحث تداعيات الأزمة الصحية لطارق محروس.. ودراسة البدائل    المقاولون العرب: نطالب رابطة الأندية بتعديل موعد انطلاق مباريات الدورى    «مباراة الإنتاج».. إبراهيم نور الدين يكشف سبب إيقافه لمدة عام عن التحكيم للأهلي    الزمالك يجهز لإعلان صفقة "سوبر" تُسعد الجماهير    مصدر مقرب من محمود حمادة: لا توجد مفاوضات مع بيراميدز    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة فى التجمع    القبض على التيك توكر "شاكر" داخل كافيه شهير في القاهرة    ننشر أسماء المتوفين فى حادث قطار بمركز جرجا فى سوهاج    جينيفر لوبيز تستمتع بأجواء البحر فى شرم الشيخ وسط التفاف معجبيها.. صور    راغب علامة يوجه رسالة محبة وتقدير لمصطفى كامل كنقيب وشاعر وملحن ومطرب    بدرية طلبة تهاجم الشامتين في البلوجرز: «أرزاق ربنا محدش بياخد رزق حد»    بيراميدز يلتقي أسوان اليوم في ختام استعداداته لانطلاق الدوري    وكالة الطاقة الذرية ترصد انفجارات في محطة زابوريجيا في أوكرانيا    جيش الاحتلال الإسرائيلي: تفعيل صفارات الإنذار في غلاف غزة    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة نيفين مسعد لحصولها على جائزة الدولة التقديرية    الوطنية للانتخابات تعلن بدء عمليات فرز الأصوات ب25 مقرًا انتخابيًا في عدة دول    اتحاد الكرة ينعى محمد أبو النجا «بونجا» حارس وادي دجلة بعد صراع مع المرض    تعرف على جوائز "دير جيست" والتشكيل الأفضل في الدوري المصري 2025    بالصور.. رش وتطهير لجان انتخابات مجلس الشيوخ فى جنوب سيناء    مصرع 3 أشخاص وفقدان 4 آخرين إثر عاصفة مطيرة في منتجع شمالي الصين    35 شهيدًا فلسطينيًا بنيران الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ فجر السبت    الفاصوليا ب 80 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الأحد 3 أغسطس 2025    أجواء معتدلة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأحد 3 أغسطس 2025    الجنازة تحولت لفرح.. تصفيق وزغاريد في تشييع جثمان متوفى في قنا    مصرع أب وطفله في حادث تصادم سيارة ملاكي و«سكوتر» بطريق المحلة – كفر الشيخ    تناولت سم فئران بالخطأ.. إصابة فتاة بالتسمم في قنا    معيط: انخفاض الدين الخارجي لمصر وزيادة الاحتياطي الأجنبي مؤشر إيجابي    د.حماد عبدالله يكتب: المدابغ المصرية وإنهيار صناعة "الجلود" !!    رسمياً بدء اختبارات قدرات جامعة الأزهر 2025.. ومؤشرات تنسيق الكليات للبنين و البنات علمي وأدبي    4 أبراج على موعد مع الحظ اليوم: مجتهدون يشعرون بالثقة ويتمتعون بطاقة إيجابية    9 صور ترصد تكريم إمام عاشور رفقة كتاليا في حفل دير جيست    محامي وفاء عامر يكشف حقيقة مغادرتها البلاد    «زي النهارده».. وفاة الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي 3 أغسطس 1999    "القومي للمرأة" ينعى الفنانة النسّاجة فاطمة عوض من رموز الإبداع النسائي    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    ما حكم صلاة الصبح في جماعة بعد طلوع الشمس؟.. الإفتاء توضح    مشروب صيفي شهير لكنه خطير على مرضى الكبد الدهني    استشاري يحذر من مخاطر إدمان الأطفال للهواتف المحمولة    تقضي على الأعراض المزعجة.. أفضل المشروبات لعلاج التهابات المثانة    سموتريتش: رد إسرائيل على فيديو الرهينة الذي يعاني الضعف والهزال يجب أن يكون التدمير الكامل لحماس    الهند تشير لاستمرار شراء النفط الروسي رغم تهديدات ترامب    فريق طبي بجامعة أسيوط ينجح في إنقاذ حياة طفلة من تشوه خطير بالعمود الفقري    الصحة: إنقاذ حياة طفل تعرض لتهتك وانكشاف لعظام الجمجمة ب الضبعة المركزي    فتح بوابات ترعة الإبراهيمية |وزير الرى: 87% نسبة التنفيذ فى قناطر ديروط الجديدة    وزير الأوقاف يشهد افتتاح دورة «مهارات التحفيظ وأساليب غرس الوطنية»    نفقة ومتعة ومؤخر صداق.. محامٍ يكشف حقوق المرأة في كل نوع من أنواع الطلاق    الصحة: 13.2 مليار جنيه لعلاج 1.8 مليون مواطن على نفقة الدولة خلال 6 أشهر    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى العاشرة لرحيل فارس الشعراء
نشر في محيط يوم 29 - 04 - 2008

في الذكرى العاشرة لرحيل فارس الشعراء..نزار قباني....!
* د. صلاح عودة الله

ولد نزار قباني في 21 اذار 1923 م في أحد بيوت دمشق القديمة. يقول نزار"يوم ولدت كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة،وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء.. هل كانت يا ترى أن تكون ولادتي في الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها،وترمي فيه الأشجار كل أوراقها القديمة؟أم كان مكتوبا علي أن أكون كشهر اذار...شهر التغيير والتحولات"؟.
وأسرة قباني من الأسر الدمشقية العريقة، ووالده توفيق قباني، كان من رجالات الثورة السورية. حصل نزار قباني على الشهادة الثانوية من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق، وبعدها إلتحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرج فيها عام 1945،ولقد عمل بعد تخرجه في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السورية، وتنقل في سفاراتها بين مدن عديدة، وظل نزار في عمله الدبلوماسي حتى إستقال منه عام 1966, وبعد تركه للعمل الدبلوماسي أسس في بيروت دارا للنشر تحمل أسمه،وتفرغ للشعر.
بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة،وأصدر أول دواوينه "قالت لي السمراء"عام 1944، وكان طالبا بكلية الحقوق، وطبعه على نفقته الخاصة، وله عدد كبير من دواوين الشعر تصل إلى أربعين ديوانا كتبها على مدار ما يزيد عن نصف قرن، كما أن له عددا كبيرا من الكتب النثرية أهمها "قصتي مع الشعر" و" ما هو الشعر" و"مئة رسالة حب".
تزوج نزار مرتين الأولى من إبنة عمه"زهراء إقبيق"،والثانية عراقية هي"بلقيس الراوي".
على مدى أربعين عاما كان المطربون الكبار يتسابقون للحصول على قصائده،وكانت حياته مليئة بالمفاجئات والصدمات،فأول فاجعة تلقاها برحيل شقيقته الكبرى وصال،حين قتلت نفسها لأنها لم تستطع أن تتزوج من تحب،فكانت هذه الحادثة أول عامل يؤثر في شعره!وبعد وفاتها قرر محاربة كل الأشياء التي تسببت في موتها.
وعندما سؤل نزار إذا كان يعتبر نفسه ثائرا،أجاب الشاعر:"إن الحب في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره،أريد تحرير الحس والجسد العربي في شعري، إن العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا غير سليمة".
توفي إبنه توفيق من زوجته الأولى وهو في السابعة عشرة من عمره مصابا بمرض القلب وهو في السنة الأولى بكلية الطب في جامعة القاهرة وكانت وفاته صدمة كبيرة لنزار وقد رثاه في قصيدة مؤثرة"إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني".
في عام 1982 قتلت زوجته بلقيس الراوي في إنفجار السفارة العراقية ببيروت، وترك رحيلها أثرا نفسيا سيئا عند نزار ورثاها بقصيدة شهيرة تحمل إسمها "بلقيس".
وكانت نكسة 1967م قد أحدثت شرخا في نفسه،وكانت حدا فاصلا في حياته، جعله يخرج من مخدع المرأة إلى ميدان السياسة. بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل في باريس وجنيف حتى إستقر به المقام في لندن التي قضى بها سنين حياته الأخيرة، ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل خاصة قصائده السياسية خلال فترة التسعينات:"متى يعلنون وفاة العرب؟"و"المهرولون".
الحب ونزار:
يقول نزار"الحب عندي هو العلم الوحيد الذي كلما أبحرت فيه إزدهرت جهدا!!. في عالم النساء لا توجد شهادات عالية،وليس هناك رجل في العالم مهما كان مواظبا ومجتهدا يستطيع أن يدعي أنه حامل دكتوراة في الحب".
الرجل الذكي هو الذي يبقى مع المرأة طالب علم إلى ما شاء الله. أنا شخصيا لا تعنيني الشهادات بل العكس أتكاسل عن قصد حتى لا أنجح وأبقى في مدرسة المرأة نصف قرن اخر!. إنني غير مستعجل أبدا على التخرج لأنني لو تخرجت من مدرسة المرأة سوف أموت قهرا وأغدو عاطلا عن العمل.
كرس نزار نفسه لشعر الحب ولأجل الحب"ربما كان لموت أخته وصال في سبيل الحب، أحد العوامل النفسية التي جعلته يتوفر لشعر الحب بكل طاقاته ويهبه أجمل كلماته تعويضا لما حرمت منه أخته ولربما إنتقاما لها من مجتمع رفض الحب وطارده بالفؤؤس والبنادق.
يقول نزار"حين مشيت في جنازة أختي، وأنا في الخامسة عشرة من عمري كان الحب يمشي إلى جانبي في الجنازة ويشد على ذراعي ويبكي، إن مصرع أختي العاشقة كسر شيئا في داخلي وترك على سطح بحيرة طفولتي أكثر من دائرة،وأكثر من إشارة إستفهام".
وقد رثا نزار أخته بقصيدة من روائع أحزانه وعنوانها"إلى الأميرة المغادرة التي لم تغادر"وأقتبس منها:صوت أختي في بيتنا ما زال يتردد/بكل الزوايا/ووجهها الناعم الجميل/يبادل التحية كل صباح/وجه المرايا...ثم ينهي القصيدة بقوله:سلام إلى الأيام الباقية/والأيام البعيدة الباكية/سلام على يوم خرجت فيه من بيتنا/وإليه تعود دوما حية..!

وفي رثاء إبنه توفيق كتب نزار قصيدة بعنوان"إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني"وفيها يقول:مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات/ومقصوصة،كجناح أبيك،هي المفردات/فكيف يغني المغني؟/وقد ملأ الدمع كل الدواه/وماذا سأكتب يا بني؟/وموتك ألغى جميع اللغات.../وينهي نزار قصيدته هذه بقوله:أ توفيق/إن جسور الزمالك ترقب كل صباح خطاك/وإن الحمام الدمشقي يحمل تحت جناحيه دفء هواك/فيا قرة العين-كيف وجدت الحياة هناك؟/فهل ستفكر فينا قليلا؟/وترجع في اخر الصيف حتى نراك/أ توفيق/إني جبان أمام رثائك/فإرحم أباك...!

بلقيس الراوي: في عام 1969 تزوج نزار من بلقيس الراوي وهي من أصل عراقي وعلى حد قوله كانت بلقيس قبيلة من النساء أعادت الدم للعروق كما أعادت الحبر للأقلام.عاش معها عيشة مليئة بالأفراح حتى فجع نزار بأشد الفواجع قسوة عليه وهي مقتل بلقيس وكتب فيها قصيدة رائعة وفيها حمل كل الأمة العربية مسؤولية وفاتها، أقتبس بعضا منها:سأقول في التحقيق/إني قد عرفت القاتلين/بلقيس يا فرسي الجميلة/إنني من كل تاريخي خجول/هذه بلاد يقتلون بها الخيول../بلقيس أيتها الشهيدة والمطهرة النقية/سبأ تفتش عن مليكتها, فردي للجماهير التحية/يا أعظم الملكات...ثم يكمل قوله:بلقيس../إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عرب/ويأكل لحمنا عرب/ويبقر بطننا عرب/ويفتح قبرنا عرب/فكيف نفر من هذا القضاء؟/فالخنجر العربي...ليس يقيم فرقا/بين أعناق الرجال..وبين أعناق النساء...!

ثم يتابع قوله بأبيات رائعة يتهم بها الزعماء العرب وهم الذين إتهمهم نزار مرارا بالخيانة والذل أنهم لم يتمكنوا من القضاء عليه وإسكاته فكان قتل بلقيس إنتقاما منه..بلقيس:أسألك السماح،فربما كانت حياتك فدية لحياتي/إني لأعرف جيدا/إن الذين تورطوا في القتل،كان مرادهم..أن يقتلوا كلماتي..!

القصائد الممنوعة لشاعر الحب والحرية والثورة نزار قباني:

كثيرة هي المعارك التي خاضها هذا الشاعر عبر الشعر النابض بالحياة وبقصائده ذات الجرس الموسيقي العذاب! والتي تسري في أوصالها النزعة الإنسانية، ومن ثم تحض على النضال وعدم اليأس والإستسلام أمام الهزيمة... ولكن بالرغم من ضراوة المعارك التي كان يخوضها، والتي لا تهدأ إلا لتبدأ فقد ظل قامة سامقة، لا تطاله الأقزام، فكان يخرج من كل معركة وهو أصلب عودا وأكثر رسوخا في ذاكرة العربي هنا أو هناك.ومن القصائد التي أثارت معارك" قصيدة خبز وحشيش وقمر".
لقد أثارت هذه القصيدة الكثير من الجدل سيما بين رجال وشيوخ الدين فإعتبروه كافرا وملحدا، وقد نشرت للمرة الأولى سنة 1954م، ونالت شهرة واسعة، وهي تعبر عن صيحة شاعر قومي مخلص لعروبته وهويته القومية.

يقول في هذه القصيدة التي أجتزىء جزءا منها فهي تتسم بالجرأة والتمرد على الواقع:عندما يولد في الشرق القمر/فالسطوح البيض تغفو/تحت أكداس الزهر/يترك الناس الحوانيت، ويمضون زم/لملاقاة القمر/يحملون الخبز والحاكى إلى رأس الجبل/ومعدات الخدر/ويبيعون ويشرون خيال وصور/ويموتون إذا عاش القمر..!
وقد خلقت هذه القصيدة كثيرا من الأعداء على نزار، وإعتبرها بعضهم داعرة فاجرة، واخر قال ما معناه أنها تظهر الشعب العربي بأقبح صورة، وتعطي إنطباعا للاخر بالعجز والتخاذل.

كانت هذه القصيدة لونا من الشعر، وخطابا لم يألفه الملتقى العربي، صيغت بعبارات تقدح شررا لعلها توقظ الشعب العربي الغارق في سبات عميق منذ قرون،عله ينهض ويأخذ زمام المبادرة.

قصيدة هوامش على دفتر النكسة: كان شعر نزار قبل نكسة عام 1967 منصرفا بكليته للغزل والحب عاشقا يتغزل وينعى بجسد الأنثى البديع بألفاظ غاية في العذوبة والرقة، وأكثرها إثارة وفتنة ولذلك فقد أطلق النقاد عليه شاعر المرأة متصفا بالشفافية والنقاء، وقصيدة"الرسم بالكلمات" هي إحدى هذه القصائد:تعبت من السفر الطويل حقائبي/وتعبت من خيلي وغزواتي/لم يبقى نهد...أسود أو أبيض/إلا زرعت بأرضه راياتي/لم تبق زاوية بجمسم جميلة/إلا ومرت فوقها عرباتي/فصلت من جلد النساء عباءة/وبنيت أهراما من الحلمات..!

وأعود إلى قصيدة "هوامش على دفتر النكسة":

نكسة عام 1967...نكسة الهزيمة المريعة، أصابت من نزار مقتلا، فكان واقعها على نفسه أليما! ولقد غيرت لديه كثيرا من المفاهيم والقيم في السياسة وإهتزت ثقته في الرجال الذي كان يعقد عليهم امالا عريضة ويراهن على أنهم كانوا يمسكون بأيديهم زمام المستقبل في إسترداد الإنسان العربي لكرامته، بيد أن هذه الأحلام والأماني الوطنية، إنهارت دفعة واحدة، وأصيب بصدمة نفسية قوية، يقول في قصيدته:أنعي لكم، يا أصدقائي اللغة القديمة، والكتب القديمة..أنعي كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة ومفردات العهر، والهجاء والشتيمة/أنعي لكم.. أنعي لكم/نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة/يا وطني الحزين حولتني بلحظة/من شاعر يكتب شعر الحب والحنين/لشاعر يكتب بالسكين..!

ويقول في نهاية القصيدة، مخاطبا الطفل العربي..طفل المستقبل:

يا أيها الطفل/يا مطر الربيع،يا سنابل الامال/أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمة/وأنتم الجيل الذي يهزم الهزيمة..!
هذه القصيدة تطرح أسئلتها: وكانه لا يأبه بهذه الهجمة الشرسة التي تناوشه بلا رحمة، ويتصدى لها متلذذا بالرعب والخوف الذي يجتاح ويسكن بعض النفوس الذليلة فيقول فيها أيضا:يسرني جدا/بأن ترعبكم قصائدي/وعندكم،من يقطع الأعناق/يسعدني جدا.. بأن ترتعشوا/من قطرة الحبر/ومن خشخشة الأوراق/يا دولة... تخيفها أغنية..!

وقد أحدثت هذه القصيدة ردود فعل قوية وعنيفة، وردا على هذه القصيدة، كتب الشاعر اللبناني خازن عبود قصيدة بعنوان"يا شاعر الدانتيل والفستان"قال فيها:لأنك إبتعدت عن قضية الإنسان/يا شاعر الدانتيل والفستان/لأنك إبتعدت عن قضية النضال/وعشت في شعرك/للذات والنساء والسيقان/فشعرك إنحلال/يا شاعر النهود والكؤؤس والشراب/أفسدت في أمتنا الشباب..!

لقد رأى بعضهم أن نزار ليس وطنيا، بل يدعي الوطنية مستغلا نكسة حزيران 1967 وإن ولادته بعد ذلك كشاعر ثوري كانت ولادة غير طبيعية! وتبارت في الشارع المصري أقلام عديدة تدعو لمنع دخول نزار قباني مصر، ومنع أغانية في الإذاعة المصربة، بل حتى أن بعضهم حاول أن يقنع وباصرار والحاح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بأنه قصده ولو بصورة خفية في قصيدته بعد النكسة.

ولكن إيمانا من الزعيم الخالد بحرية الرأي والتعبير والكلمة الصادقة، فقد بعث لنزار برسالة شخصية معبرة تلغي كل التدابير الي كانت قد إتخذت ضد نزار قباني.

وبعد وفاة جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1970م ، والتي هزت كيان نزار قباني،كتب قصيدة رثاء بعنوان"قتلناك":
قتلناك يا اخر الأنبياء/ليس جديدا إغتيال الصحابة والأولياء/فكم من رسول قتلنا/وكم من إمام ذبحنا/وهو يصلي صلاة العشاء/فتاريخنا كله محنة، وأيامنا كلها كربلاء..!

بعد إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ومقتل زوجته بلقيس إنتقل نزار للعيش في مصر عام 1983 وتعرض لهجوم عنيف هناك من قبل الإعلام المصري على خلفية قصيدة ضد الرئيس أنور السادات إنتقده فيها وإنتقد إتفاقية كامب ديفيد للسلام المصري مع إسرائيل. ورغم وجود أصدقاء وقفوا لجانبه مثل يوسف إدريس ومحمد حسنين هيكل ومحمد عبد الوهاب وغيرهم، إلا أنه طورد ولم تتوقف الحملة الهجومية ضده وخاصة من أنصار التطبيع مع إسرائيل انذاك وخاصة أنيس منصور، وبعدها في عام 1984 غادر نزار مصر متوجها إلى سويسرا وفي عام 1989 رحل نزار إلى لندن وبقي فيها حتى وفاته.

أنظر إليه وهو يقول، رافضا مبدأ التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني ورموزه:

وصل قطار التطبيع الثقافي إلى مقاهينا/وصالوناتنا، وغرف نومنا المكيفة الهواء/ونزل منه أشخاص غامضون يحملون معهم دواوين شعر/ومصاحف مكتوبة باللغة العبرية،ويحملون معهم جرائد تقول/إن شاعر العرب الأكبر، أبا الطيب المتنبي/صار وزيرا للثقافة في حكومة حزب العمل(حزب صهيوني).

وكان لفلسطين مكانة كبيرة وواسعة في قلب شاعرنا العظيم نزار قباني فكتب فيها الكثير، ومن أشهر قصائده في هذا المجال قصيدة "أطفال الحجارة"أثناء

الإنتفاضة الفلسطينية الباسلة، يقول فيها:بهروا الدنيا/وما في يدهم إلا الحجارة/وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشارة/قاوموا...وإنفجروا...وإستشهدوا/وبقينا دببا قطبية/صفحت أجسادها ضد الحرارة..ثم يستمر قائلا:نحن أهل الحساب والجمع والطرح/فخوضوا حروبكم وإتركونا/إننا الهاربون من خدمة الجيش/فهاتوا حبالكم وإشنقونا/نحن موتى لا يملكون ضريحا/ويتامي لا يملكون عيونا/لقد لزمنا حجورنا وطلبنا منكم/أن تقاتلوا التنينا/قد صغرنا أمامكم/وكبرتم خلال شهرا قروناََ..!

أما القصيدة الثانية فهي بعنوان"شعراء الأرض المحتلة"وفي جزء منها يقول:

محمود درويش...سلاما/توفيق الزياد...سلاما/يا فدوى الطوقان...سلاما/يا من تبرون على الأضلاع الأقلام/نتعلم منكم، كيف نفجر في الكلمات الألغام/شعراء الأرض المحتلة...ما زال دراويش الكلمة/في الشرق، يكشون حماما/يحسون الشاي الأخضر... يجترون الأحلاما/لو أن الشعراء لدينا/يقفون أمام قصائدكم/لبدوا..أقزاما..أقزاما..!

وحتى في قصيدته بلقيس لم ينس أن يتطرق إلى فلسطين:

لو أنهم حملوا إلينا/من فلسطين الحزينة/نجمة..أو برتقالة/لو أنهم حملوا إلينا من شواطىء غزة..حجرا صغيرا/أو محارا..لو أنهم من ربع قرن حرروا زيتونة/أو أرجعوا ليمونة/ومحو عن التاريخ عارة/لشكرت من قتلوك... يا بلقيس/يا معشوقتي حتى الثمالة/لكنهم تركوا فلسطينا/ليغتالوا غزالة..!

أما قصيدة "المهرولون"والتي إنتقد فيها وشجب إتفاقية أوسلو عام 1995،فيقول فيها: سقطت اخر جدران الحياء/وفرحنا...ورقصنا وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء/لم يعد يرعبنا شيء... ولا يخجلنا شيء/فقد يبست فينا عروق الكبرياء..!

ثم يمضي قائلا:بعد خمسين سنة/تجلس الالاف على أرض الخراب/مالنا مأوى/كالاف الكلاب/ما تفيد الهرولة؟/عندما يبقى ضمير الشعب حيا/كفتيل القنبلة/لن تساوي كل توقيعات أوسلو..خردلة..!

وفي عامه الأخير قبل رحيله عام 1998... صرخ نزار قباني((متى يعلنون وفاة العرب؟)) تللك القصيدة التي توقف عندها الكثيرون وصرخوا أو احتجوا وقالوا بأنها تهزم الشعور القومي وتضرب الشموخ وتحطم الكبرياء الوطنية القومية!! في هذه القصيدة لا يكفر نزار العرب بل يراهم هم الذين يكفرون أنفسهم تكفيرا ضد العروبة ويرى من خلال كلماتها خيانة التاريخ... ولا يرى نزار في كلمات تلك القصيدة بأنه قطع علاقة العرب بالعصر الحديث فهو يرى أنه لا علاقة لهم بهذا العصر من الأساس!!

فعلا إن كلمات هذه القصيدة كلمات لا تعرف الرحمة:

أنا منذ خمسين عاما/أراقب حال العرب/وهم يرعدون، ولا يمطرون/وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون/وهم يعلكون جلود البلاغة علكا/ولا يهضمون...!

أنا منذ خمسين عاما/أحاول رسم بلاد/تسمى"مجازا"بلاد العرب"...!

أنا بعد خمسين عاما/أحاول تسجيل ما قد رأيت/رأيت شعوبا تظن بأن رجال المباحث/أمر من الله...مثل الصداع...ومثل الزكام/ومثل الجذام...ومثل الجربرأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم/ولكنني...ما رأيت العرب..!

لقد كتب نزار قصيدة رائعة في مدح الرسول محمد(صلعم), ولكن ولكي اكون منصفا، كتب نزار الكثير من المقاطع الشعرية والتي تتعارض واحكام الدين الاسلامي، ولذلك لن اتطرق الى هذا الموضوع..!

مهما كتبت عن نزار فلا أستطيع أن اوفيه حقه، فهو وكما قالوا عنه، بانه أكبر الشعراء بعد أبي الطيب المتنبي... كنت أتمنى أن يكون بيننا الان ليتحفنا بأشعاره والتي حتما ستصف وضعنا المأساوي كعرب ومسلمين وأينما تواجدنا.
في الربيع ولد نزار، وفي الربيع توفي، وعاد في الربيع إلى دمشق التي عشقها ليدفن في ثراها بعد غربة.

توفي نزار قباني في لندن يوم الخميس في 30 نيسان 1998 عن عمر يناهز 75 عاما،وبناءا على وصيته تم دفنه بجوار إبنه توفيق في دمشق، وبعد أن علمت دمشق برحيل شاعرها وإبنها البار نزار توفيق قباني، نعته وزارة الخارجية ووزارة الثقافة والإعلام وإتحاد الكتاب العرب وإتحاد الصحفيين وأسرة الفقيد:

أنا وردتكم الشامية يا أهل الشام/فمن وجدني منكم فليضعني في أول مزهرية/أنا شاعر كم المجنون يا أهل الشام/فمن راني منكم فليلتقط لي صورة تذكارية/أنا قمركم المشرد يا أهل الشام/فمن راني منكم فليتبرع لي بفراش وبطانية صوف/لأنني لم أنم منذ قرون..!

وبعد وصول الجثمان إلى دمشق يوم الاحد الثالث من ايار 1998 م، كانت دمشق بكل ناسها في إستقبال إبنها البار وجمع أهل دمشق كل أنواع الورود والياسمين ونثروها لإستقبال الراحل الكبير وقامت دمشق عن بكرة أبيها، تبكي شاعرها، الرجال والشيوخ والنساء والصبايا والأطفال كلهم أتوا من كل حدب وصوب لوداع شاعر العرب، وكسرت النساء التقليد الذي يحظر عليهن المشاركة في التشييع ورافقن جثمانه إلى المسجد ومن ثم إلى المقبرة.

لم تكن جنازة تلك التي عبرت شوارع دمشق بل قافلة أكف وأفئدة وعيون تحتضن جثمان الشاعر الكبير وتهتف"زينوا المرجه ..والمرجه لنا".

وبكى الوطن العربي كله نزار قباني وعقدت مجالس العزاء في بيوت العرب... وهكذا عاد الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه ممتطيا صهوة سحابة،ممتطيا أجمل حصانين في الدنيا،حصان العشق،وحصان الشعر..لأن دمشق هي الرحم الذي أنجبه وعلمه الشعر وعلمه الإبداع وأهداه أبجدية الياسمين.

تم الرجوع لبعض المصادر
** القدس المحتلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.