■ الأنا الأعلي مصطلح يعني في علم النفس: الضمير.. والضمير هو مجموعة الأوامر والنواهي التي تأمر الإنسان بجماليات الحياة كالحق والخير والعطف والتعاون.. إلخ، وتنهاه عن القبح في كل صوره.. والضمير الحضاري نابع من المجتمع نفسه لا من ذات الفرد.. ويعمل للصالح العام أو صالح الجميع. والأنا الأعلي الذي أقصده هنا هو المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو المجلس العسكري الذي يحكم مصر والمصريين الآن.. وهو المسئول في تلك المرحلة عن «التوازنات» التي تحفظ لمصر ركائزها التي اكتسبتها علي مر السنين وتسلمها للأجيال القادمة دولة مدنية متحضرة.. تحبذ الوسطية وتنبذ التطرف. هل فوجئنا بما حدث في الانتخابات في الجولة الأولي حتي الآن؟ ربما.. وربما كنا نتوقع تلك النتيجة بشكل ما.. وهي صعود التيارات الإسلامية - ذات الأجندات الخاصة - ممثلة في الإخوان وحزب النور.. بينما لم تحصل باقي الأحزاب - المستنيرة - علي أصوات تذكر؟ فماذا حدث؟! الذي حدث أن الانتخابات لم تكن نزيهة بالشكل الكافي.. حيث لجأ الإسلاميون إلي الفتاوي والجوامع والدعاية في نفس مقر الانتخاب.. في الجوامع انتهزوا تدين الناس وخاصة الفئة التي لا تقرأ ولا تكتب.. وأصدروا لهم فتوي تقول: «إن إعطاء الصوت للمرشح المسلم يعتبر صدقة جارية يجازي عليها المسلم يوم القيامة». وصدق الناس الذين أمكن تحويل مسار حياتهم في الحقبة الماضية وطوال ثلاثين عاماً إلي أن يفكروا في الحياة الآخرة زاهدين في الحياة الدنيا.. إما بسبب الفقر أو القهر أو الظلم. ثم إن هؤلاء الإسلاميين - ذا الأجندة الخاصة - قد اختاروا رموزاً واضحة وذات دلالة لهم مثل «الميزان» و«الفانوس»، والميزان رمز واضح للعدالة يعرفه الجميع علي الأقل يرونه دائماً في التليفزيون مرسوماً أعلي مبني دار القضاء العالي.. والفانوس رمز النور الواضح «رمز سلفي للنور نفسه بعد انتشار المصباح الكهربائي» وكلا الرمزين محبب إلي عامة الناس. علي الجانب الآخر عمل المستنيرون.. الداعون إلي الدولة المدنية دعايتهم تحت مسميات غربية لا يفهمها معظم الناس، كالعلمانية والليبرالية والتي نجح الإسلاميون في ترجمتها للناس علي أنها كفر وإلحاد حتي اليساريون الذين يعملون من أجل الفقراء فسرها العامة علي أنها «اليسار» في مقابل «اليمين» واليسار «أو الشمال» عندهم هو اليد المكروهة أو المنبوذة وكذلك القدم اليسري وصولاً إلي دخول الجنة أصحاب اليمين. ■ هكذا أمكن للإسلاميين تجييش الناس ليعطوهم أصواتهم في الانتخابات ومن لم يعطهم صوته تاه بين العلامات الأخري كالمكواة وسشوار الشعر والكمان وغيرها مما لم يألفه العامة.. فضاعت أصواتهم سدي، حيث وصل عدد الأصوات الباطلة إلي ما يقرب من نصف مليون صوت. المجلس الأعلي إذن.. في تلك المرحلة عليه أن يقوم بدور «الأنا الأعلي» أو دور الضمير.. وألا يعطي كامل الفرصة لهؤلاء الذين يريدون أن يرسموا لمصر طريقاً آخر والذين يستغلون الدين بينما هدفهم السياسة والحكم.. والذين يشتاقون للسلطة منذ عشرات السنين. إن مصر دولة مدنية.. وسطية.. متسامحة.. هكذا عاشت طوال حياتها ولعل هذا ما ميزها عن غيرها، فبدون المدنية.. والوسطية والتسامح لن تكون هناك حرية.