في الكليات العسكرية هناك طقس صعيب يسمي قفزة الثقة، قفزة يعبر بها الطالب إلي الحياة العسكرية، جواز مرور الجندية، قفزة يثق بها الطالب في قدراته، ويثق بها المعلم في قدرات الطالب، قفزة بين جبلين ، جبل المدنية، وجبل الجندية، قفزة يعبر بها الطالب عمرا، ويبدأ عمرا، يكتب له عمر جديد. نحن في أمس الحاجة إلي قفزة الثقة تلك، نعبر بها بين عصرين، عصر الفساد إلي عصر الطهارة، عصر الاستبداد إلي عصر الحرية، من التوريث إلي الاختيار الحر الديمقراطي، قفزة يثق فيها الوطن في قدراته، قفزة يعبر بها الثوار إلي المجلس العسكري، ويثق بها المجلس العسكري في الثوار، قفزة بين التحرير ووزارة الدفاع، قفزة يثق بها كل منا بقدرات الآخر، وسلامة نواياه، نتعرف علي قدرات الآخر وخططه لله وللوطن وللآخر وللخير وللجمال. قفزة تعيد وصل ما انقطع في العباسية والحدائق، وترتق نسيجا تمزق في ماسبيرو، قفزة تختفي منها الحسابات والأجندات قفزة لوجه الوطن، قفزة ثقة لله يا محسنين، قفزة تطوي المسافات، تذهب بعيدا عن التكتلات والتحالفات والتحزبات، قفزة في الهواء الطلق، في سماء الوطن الرحيب، تفتح طرقا سدت، وتقصر مسافات تباعدت، قفزة تعيد وصل ما انقطع عنوة. قفزة باتت ضرورية لنجاح ثورة شعب، قفزة تقفز بالنتائح المتدهورة علي الأرض إلي عنان السماء، قفزة تذهب بنا إلي النجوم العالية، ريح صرصر عاتية تكاد تقتلع أوتاد الوطن، لم يتبق قائم في وطننا المفدي علي حيله سوي الجيش، هز هيبة الجيش وإدخاله في معارك داخلية هدف خبيث لو تعلمون، الجيش صار هدفا، لوحة نيشان، إنهم يصوبون كثيرا علي البزات العسكرية، يتقافزون علي الأكتاف. ليست مصادفة أن يتم استهداف الجيش في توقيت هو حياة أو موت، أن يتم اغتيال سمعة الجيش علي مفرق الوطن، أن تهز هيبة الجيش قبل إلقاء أول ورقة في أول صندوق انتخابي في أول طريق تسليم السلطة، استباق الخريف البرلماني بإسقاط هيبة الجيش لا يخفي علي أحد، كيف يؤمن انتخابات برلمانية ورئاسية من كان مشكوكا في أمره، التشكيك في نزاهة المجلس العسكري كبيرة إلا علي الظالمين لوطنهم، القفز بالبارشوت علي الحالة المصرية خطر ماثل. المجلس العسكري يقود في طريق واعر، اشاراته كلها حمراء، في أحلك أيام الثورة كان الجيش درعا ونصيرا، كان الثوار في أحضان الجيش، بالاحضان بالاحضان بالاحضان، ورغم صنوف العنت والتضاغط السياسي والحزبي والديني كانت همة المجلس العسكري عالية، محل اعتبار وتقدير ، كان هناك حرص وطني جارف علي جبل المجلس علي استكمال رسالته وتأدية أمانته، ليس القفز من فوق الكاب لفتح الباب أمام أجندات وفلول. قبل اكتمال قمر التحرير بدرا، كان قادة العسكري علي الدرب سائرين، للتوريث رافضين، وعندما نزلوا التحرير كانوا عونا للثوار، لهم لا عليهم، لم يقفزوا فوق الثورة، لم يختطفوا الثورة، لم يدهموا الثورة، بل حموا الثورة، العسكر يخشون علي الثورة، علي بلد الثورة، المتقافزون كثر، البلاد تضرب في أطنابها الفوضي، البلد صار مستباحاً، والمصريون صاروا أسري غضب عارم، سيرة المجلس العسكري صارت علكة «لبانة» في الأفواه الفضائية، معلوم العسكري كان لا يمدح أو يذم، العسكري الآن يذم بملء الفم، ويتهم في نواياه، ويشكك في قراراته ومراسيمه، بحسن نية وبعمدية، وظلم ذوي القربي (الثوار) أشد مضاضة علي المرء من وقع الحسام المهند، من بين الصفوف محسوبين علي الثورة يقطعونه بحد السيف، يتقافزون فوق أكتافه. لا يكفي تأمين وزارة الدفاع بجند مجندة ضد محاولات الاقتحام المتكررة، تحصين المجلس من الاستباحة التي يمعن فيها البعض، إبعاد المجلس عن الجدل الدائر حول مستقبل الوطن فرض عين، في المجلس العسكري قادة لا تقبل الدنية في ثورتها، ما ينتظر المجلس كثير، ملفات صارت جبالا، ومظلومون ينتظرون عدلا، وشعب ينتظر القصاص، وعالم من حولنا يرقب مستقبلنا وما تؤول إليه ثورتنا، وكما كانت الثورة ملهمة ينتظر منا دولة ملهمة. الثورة علي الظلم تعني التغيير، حان وقت التغيير، والتغيير بين يدي هؤلاء، لا ترعشوا أيديهم ولا تفتشوا في ضمائرهم، سدنة الثورة يحتاجون إلي سند، قفزة ثقة من التحرير إلي آخر حارة سد في زقاق ينتهي في قلب الوطن، ليس من مصلحة البلاد والعباد إضعاف المجلس، ليس من المصلحة الوطنية هز هيبة الجيش، الانتخابية عسيرة وصعبة وتحتاج إلي جيش وشرطة، إلي همم عالية، إلي إحساس عارم بالثقة، لابد أن ينال المجلس الثقة الكاملة، ثقة الثوار، ثقة الشارع، ثقة المتنافسين، وفي قفزة الثقة فليتنافس المتنافسون.