عودة إلي حديث عن الماضي، والحنين إليه، وكنت قد كتبت مقالاً بهذا العنوان متحدثاً فيه عن جزيرة منيل الروضة، حيث عشت بها طفولتي وشبابي، متذكراً كيف كانت هذه المنطقة السكنية، وما تحتويها من دور سينما وحدائق وأيضاً طبقتها الوسطي والمحدودة، والتي هاجرت من مناطق السيدة زينب، والحلمية، وعابدين، والمنيرة إلي تلك الجزيرة (منيل الروضة) لكي تنشأ أكبر تجمع للطبقة الوسطي في القاهرة وذلك في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، حتي تكدست الجزيرة بسكانها وأصبح لا مكان فيها لقدم. وقد استقبلت علي تليفوني اتصالات من بعض الأصدقاء من سكان ومواليد منيل الروضة، معلقين علي ما كتبت، بل لم أكن أتوقع هذا التفاعل حول ذكريات الشباب في شارع (منيل الروضة )، (والمانسترلي)، (والمنيل القديم) من مشاهير سكنوا حي (المنيل)، أعتذر عن ذكر الاسماء حيث لم أستأذنهم في ذلك. وأتحدث اليوم عن جزيرة أخري في مجري نهر النيل بمنطقة القاهرة أيضاً، وهي جزيرة الزمالك وتقع شمال جزيرة "منيل الروضة" . حيث هذه الجزيرة اشتهرت بجغرافيتها، إنها تقع أمام منطقتي "قصر النيل، روض الفرج " وترتبط بالقاهرة القديمة بكوبري (أبوالعلا) (سابقاً) الذي شيد مكانه كوبري(15 مايو) وكذلك كوبري (قصر النيل)، وارتبطت الجزيرة بمحافظة الجيزة بكوبري (بديعة) أو (الجلاء)، وامتداد (كوبري 15 مايو) من الناحية الشمالية. واشتهرت الجزيرة بقصر "عمر الخيام" الذي أنشأه "الخديو إسماعيل" لإقامة الملكة "أوجيني" التي حضرت إفتتاح قناة السويس عام 1868 والذي أقيم علي بقاياه فندق "الماريوت" وكذلك عاش في تلك الجزيرة مشاهير المصريين، مثل "عائشة فهمي" وقصرها علي النيل الذي تحول إلي مجمع للفنون تابع (لوزارة الثقافة )، وعاش في الجزيرة مجتمع الأجانب المتمصريين من يونانيين وإيطاليين وإنجليز وفرنسيين، وتمتع هذا الحي أيضاً بسكن الفنانين الكبار أمثال السيدة "أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ " وأنشئت فيه العمارات الشهيرة مثل عمارة (ليبون). ونجد في التخطيط العمراني لهذه الجزيرة، تلك الشوارع المتقاطعة، التي خصصت فيها المربعات السكنية للفيلل والقصور، وبعض العمارات المحترمة (سابقاً) بعكس تخطيط جزيرة "منيل الروضة"، التي خططت لاستقبال الطبقات الوسطي والمحدودة الدخل. ولعل أول عشوائيات في القاهرة كانت في تلك الجزيرة بمنطقة (المنيل القديم) وهي المواجهة لمباني مستشفيات (القصر العيني) !! بعكس ما نجد في جزيرة "الزمالك" حيث إنتشرت بين أرجائها الشمالية كليات الفنون الجميلة التي أنشئت عام 1908، وكلية (التربية الموسيقية) وكلية (التجارة الخارجية)، كما أخذت بعض النقابات المهنية مكاناً لها علي شواطئها مثل (نقابة الموسيقيين) و(القضاة)، وبعض (الكازينوهات)، ولعل أشهر الأندية الرياضية والاجتماعية، قد سكنت هذه الجزيرة مثل (نادي الجزيرة الارستقراطي) والنادي الأهلي، وهو أيضاً أنشئ للاستقراط، ثم تحول إلي أكبر ناد شعبي في مصر. ولعل الحدائق أيضاً في هذه الجزيرة كان لها (شنة ورنة) مثل حديقة (الأندلس) التي كان المسرح الذي يغني فيه كبار نجوم الفن المصريين والعرب وكذلك حديقة الحرية . ولعل موقع المقر الصيفي للملك "فاروق" علي طرف الجزيرة الجنوبي، كان قد استغله الضباط الأحرار لقيادة ثورة 1952، ومازال حتي اليوم تحت الإنشاء كمتحف وطني للثورة، ولعل اتخاذ فندق "سوفيتيل" شيراتون الجزيرة سابقاً مقراً له في طرف الجزيرة الجنوبي مطلاً علي أجمل مناطق القاهرة ونيلها العظيم، يتباهي بموقعه مع طرف جزيرة "منيل الروضة" الشمال مع فندق "حياة" سابقاً والمريديان سابقاً والمغلق حالياً (للأسف الشديد)!