الحلقة الخامسة غريب هو إصرار إسرائيل وقياداتها من تدخلها في أزمة دير السلطان ونجحت في خلق ضغينة واحتقان بين الاقباط المصريين والأحباش الأثيوبيين منذ القرن الحادي عشر حينما سحبت دير السلطان من الكنيسة القبطية وأعطته عنوة للاحباش.. هنا نكتشف وجود علاقة بين قرار البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بمنع الاقباط للذهاب الي القدس وتدخل اسرائيل وسحبها دير السلطان القبطي. علي اي حال.. كشف الباحثون بدار الكتب عن وثيقة تثبت الحق التاريخي لأقباط مصر في ملكية دير السلطان بالقدسالمحتلة، وهو الدير الذي ساعد الكيان الصهيوني الأحباش في الاستيلاء عليه ضمن محاولته المستمرة لإلغاء الوجود العربي بالقدس.. وشراء الكنائس المصرية هناك. وكان الباحثون قد عثروا علي الوثيقة ضمن ملفات الشام الخاصة بالقدس أثناء الإعداد للأرشيف الخاص بمدينة القدس بناء علي القرار الذي صدر عن الندوة الدولية التي عقدت بجامعة الدول العربية الشهر قبل الماضي. ويعود انشاء الدير إلي عصر صلاح الدين الأيوبي والذي خصصه لأقباط مصر ويقع الدير بجوار كنيسة القيامة علي مساحة 1800م.2 وبالإضافة إلي الدير تتعدي أملاك الأقباط في القدس منها دير (مار انطونيوس) شمال شرقي القيامة ودير (مار جرجس) بجحارة الموارنة وكنيسة العذراء بجبل الزيتون والهيكل علي جبل الزيتون وكنيسة مار يوحنا خارج كنيسة القيامة.. وتتعرض تلك الكنائس لمؤامرة حيث يسعي الصهاينة لتشويه الحقائق التاريخية وتغيير معالم القدس وطمس معالمها العربية. وترجع الوثيقة المكتشفة إلي عام 1906 وهي مذكرة كتبت بالعربية والفرنسية أرسلها بطريرك الكرازة المرقسية آنذاك إلي الخديو عباس حلمي الثاني تطالب بالتدخل لحل النزاع بين الأقباط الأرثوذكس والأحباش حول ملكية الدير وفيها تورد الدلائل علي ملكية الأقباط للدير وبداية النزاع عليه.. فمنذ بنائه في عهد صلاح الدين كان أي قرار خاص بترميم الدير يصدر عن قاضي القدس يكون باسم الأقباط المصريين كالقرار الصادر عام 1098 والخاص بترميم الطرق الموصلة من الدير إلي كنيسة القيامة. ووفقا للوثيقة فإن علاقة الأحباش بالدير قد بدأت بزيارات دينية كان يسمح خلالها لهم بالاقامة بها نظرا لعدم وجود مكان آخر يذهبون إليه في القدس وبعد ذلك حاول الأحباش الاستيلاء علي الدير ورفع أول نزاع إلي حاكم القدس وحكم فيه لصالح الأقباط وصدر القرار بإبعاد الأحباش نهائيا عن الدير.. لكن الأقباط سمحوا لهم بالزيارة الدينية فعادت محاولتهم للاستيلاء عليه حتي استولوا علي مفاتيح الدير. أمر محمد فؤاد باشا والي الشام بإعادة تسليم المفاتيح إلي الأقباط المصريين..وبعدها صدرت وثيقة من مجلس إدارة لواء القدس بأحقية أقباط مصر في الدير وذلك وفقا لشهادة من طوائف الروم واللاتين والأرمن وحتي اليهود بملكية الدير لهم. بعد قراءتي لهذه الوثيقة ومحتوياتها وجدت أن الأهمية التاريخية للوثيقة ترجع إلي اثباتها أن الأقباط المقيمين بالقدس يتبعون إداريا الكنيسة المصرية فأي نزاع يحدث في إحدي الكنائس هناك لابد من العودة إلي البابا في مصر.. ايضا العديد من الوثائق التي تملكها الدار والتي تحتوي إحداها علي المصروفات التي دفعتها الحكومة المصرية لترميم عدد من الكنائس الأرمنية بالقدسالمحتلة والوثيقة بتاريخ 1250 هجرية أثناء حكم محمد علي لمصر. وأشارت الوثيقة إلي أن السبب وراء عدم اتخاذ الخديو عباس حلمي الثاني إجراءات حاسمة لمساعدة الأقباط في استعادة السيطرة علي الدير يرجع إلي الاحتلال الانجليزي في مصر وزيادة النفوذ اليهودي في فلسطين والذين بلغ عددهم ربع سكان القدس في تلك الفترة بعد أن كانوا لا يمثلون أقل من 5 % في أوائل القرن ال..19 وقد لاحظ السلطان العثماني ذلك وفي فترة لاحقة من القرن العشرين أصدر فرمانا بمنع تواجد اليهود داخل القدس لأكثر من أربعين يوما وكانت قرارات مشددة لم يستطع أي يهودي خرقها ولكن بعد عزل السلطان العثماني ازداد نفوذ اليهود وجاء وعد بلفور لإيجاد وطن لليهود يتحول بعد ذلك إلي دولة عنصرية تعمل جاهدة علي طمس معالم الوجود العربي في الأراضي المحتلة. أثار الاحباش مشكلة دير السلطان بعد حرب اكتوبر عام 1973 مستغلين الظروف السياسية وبعض الشخصيات الأجنبية هادفين في هذه المرة الاستيلاء علي الدير كله -سياسة إسرائيلية معتادة- ومعاداة إخوانهم الأقباط في سبيل الحصول علي كسب ليس لهم حق فيه. وبعد أن انتهت نكسة 1967م تعهدت السلطات الإسرائيلية أمام جميع رؤساء الأديان والطوائف باحترام المعاهدات الدولية التي أقرت مبدأ الوضع الراهن في كنيسة القيامة، وقبر السيدة العذراء الجثسيمانية، ودير السلطان، وكنيسة المهد ببيت لحم، وكان الوضع قد استقر علي أن دير السلطان هو ملك خالص للأقباط؛ أما الأحباش فهم مجرد ضيوف فيه ويخضعون للنظام المتبع في الدير وقد أقرت الحكومة الإسرائيلية ذلك الوضع. فجأة وبلا مقدمات أرسلت الحكومة الإسرائيلية قواتها العسكرية المسماة بحرس الحدود بكافة أسلحتهم في ليلة عيد القيامة المجيد وبالتحديد في 25 أبريل 1970م إلي مقر البطريركية القبطية الأرثوذكسية بالقدس ودير السلطان، مدّعين كعاداتهم إنها مجرد إجراءات أمنية لحماية الاحتفالات بعيد القيامة. وفي منتصف ليلة العيد وأثناء الاحتفال بالقدس، حيث كان كل الرهبان والكهنة يشاركون الأنبا "باسيليوس "مطران القدس (1959-1991م) فرحة القيامة، قامت السلطات الإسرائيلية بتغيير أقفال الأبواب المؤدية إلي كنيسة الأربعة الأحياء غير المتجسدة، بتغير أقفال باب كنيسة الملاك ميخائيل الموصل إلي ساحة القيامة وقاموا بوضع الحواجز الحديدية أمام أبواب الدير، ومنعوا الأقباط من الاقتراب من الدير أو الذهاب إلي مقر البطريركية عبر الطريق المؤدي إليها منه.علي أية حال، أثار الجنود الإسرائيليون الفزع والرعب في قلوب الشعب القبطي وحاول الأنبا "باسيليوس" والذي أصدر كتاب ملكية دير السلطان للأقباط الأرثوذكس عام 1961 يحوي الكثير من البراهين والمستندات التي لا تقبل الشك في أحقية الدير للأقباط علي مر العصور تهدئة الحاضرين للقداس، وقام بإجراء اتصالات مع السلطات الإسرائيلية العليا، ومطالبتهم بوقف هذا التعدي علي المقدسات القبطية والمحافظة عليها طبقاً للمعاهدة الدولية التي أقرتها وتعهدت بها؛ ولكن باءت كل الجهود بالفشل. وفي صباح اليوم التالي وبالتحديد 26 أبريل 1970م قامت السلطات الإسرائيلية بتسليم كافة مفاتيح الدير إلي الأحباش الذين كانوا يقيمون بالدير. وعلي أثر هذا التعدي الغاشم قام الأنبا "باسيليوس" المطران القبطي في مدينة القدس بالاحتجاج لدي السلطات الإسرائيلية برفع ثلاث قضايا أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية، ومن المعروف أن هذه المحكمة مكونة من خمسة قضاة يرأسهم القاضي (اجرانات) الذي كان وكيلاً لوزارة العدل بفرنسا، وقد قامت هيئة هذه المحكمة بدراسة الحجج والوثائق دراسة عميقة ولم يستطع الإثيوبيون أن يقدموا مستنداتهم معللين ذلك بأنها قد احترقت، والواقع أنه لو كانت هذه المستندات موجودة لاستطاعوا استخراجها من الدول والحكومات المتعاقبة علي فلسطين بسهولة. وقد قامت هيئة المحكمة بكاملها بمعاينة الدير علي الطبيعة، فرأوا أحجبة الهياكل مطعمة بالطراز القبطي القديم وعليها التاريخ الميلادي وتاريخ الشهداء القبط باللغتين القبطية والعربية، فبادر رئيس المحكمة وزير الشرطة الإسرائيلي قائلا: "أنتم ارتكبتم عملا لصوصيا ومخالفا للنظام والقانون لأن هذا الدير قبطي 100% ويعاد إلي أصحابه فورًا". علي أية حال أصدرت هيئة المحكمة قرارها رقم (109/71) في 16 مارس 1971م، وفيه أدانت هذا التعدي وقالت: "إن ما حدث كان ضد الأمن والنظام العام" وأمرت رئيس الشرطة بإعادة المقدسات المغتصبة إلي أصحابها قبل6 أبريل 1971م. كما أصدرت حكمها بتوقيع غرامة مالية علي كل من وزير الشرطة الإسرائيلي، وأسقف الحبشة قدرت بنحو 1500 ليرة إسرائيلية لكل منهما وبالرغم من هذا الحكم الصريح الحاسم فإن الحكومة الإسرائيلية أصدرت قرارا مؤقتا في أعقاب هذا الحكم القضائي بإيقافه في 28 مارس 1971م، وأمرت بتشكيل لجنة وزارية تقوم بدراسة هذا الوضع علي ما هو عليه حاليا، وتقديم نتائج هذه الدراسة إلي مجلس الوزراء في جلسته المقبلة وحتي اليوم وبعد ثمانية وثلاثين عامًا علي صدور هذا القرار لم تقدم اللجنة الوزارية نتائج دراستها إلي مجلس الوزراء الإسرائيلي. اتذكر انه خلال السنوات الماضية قدم العديد من المسيحيين في القدس طلبا للبابا شنودة بسرعة التدخل لإجبار الحكومة الاسرائيلية علي تنفيذ الاحكام القضائية لاستعادة دير السلطان الدير الأرثوذكسي داخل اسرائيل.