إسرائيل تثير أزمة بين الأقباط والأحباش علي الدير التاريخي الأحباش خطفوا مفاتيح الدير بتعليمات الإنجليز لكن الأقباط استعادوها بقرار حاكم القدس الحلقة الرابعة لاشك أن قرار البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بمنع الاقباط خارج مصر وداخلها من الذهاب الي القدس إلا بعد تحريرها ودخولها مع المسلمين يعكس شعورا وطنيا وموقفا سياسيا يحسب له ويستحق الاحترام والتقدير ولكن هناك اسبابًا غير سياسية وراء قرار البابا سوف نكشف عنها في الحلقات المقبلة علي أية حال .. دعونا نكتشف سويا معالم وتفاصيل الأزمة التي صنعتها اسرائيل بقصد بين الكنيسة القبطية المصرية والأثيوبيين الأحباش حول ملكية دير السلطان الشهير بالقدس والذي يعتبره الاقباط أقدس الأماكن الأثرية والتاريخية في الأراضي المقدسة وتعتبر زيارته " بركة " في الوقت ذاته لا يستطيع غالبية الاقباط زيارته بأمر من البابا شنودة. إن شكل العلاقة الاقتصادية بين كل من"مصر"و"القدس" والتي كانت تتمتع بالثراء، بسبب وجود المزارات المسيحية في"القدس" والمتمثلة في كنيسة القيامة التي يقع أمام مدخلها سوق رائد لبيع التماثيل والأيقونات كبركة من هذا المكان المقدس يقبل علي شرائها العديد من المصريين ، كما ترتب علي الوجود القبطية في"القدس"، ووجود بعض المنشآت ذات الطابع المدني، ولعل أشهر هذه المنشآت هي المدارس القبطية في القدس، هذا بالإضافة إلي" دير السلطان"الذي مرت مشكلته بالعديد من المراحل والمتغيرات السياسية والدولية. أستطيع من هنا ان أؤكد علي أهمية الموقع الاستراتيجي لدير السلطان، وقوعه بمدينة القدس ب"فلسطين"في نطاق موضع الصلب بالقبر المقدس، ومن هنا تأتي أهميته عند الأقباط، لان هذا الدير هو الطريق السهل والمباشر للوصول من دير الأنبا"انطونيوس"إلي كنيسة القيامة، ومن المثير للملاحظة أن دير السلطان يعد هو الدير الوحيد الذي لا يحمل اسم احد الشهداء، أو القديسين وقد اختلف المؤرخون حول تسمية هذا الدير ب"السلطان"حيث إن عددًا منهم يظن انه ينسب إلي السلطان"صلاح الدين الأيوبي"، وهناك رأي آخر بأن تسميته تعود إلي اعتراف الأقباط بفضل السلاطين المسلمين عليهم وحسن معاملتهم. ويرجع هذا الاسم غالباً إلي أحد أمرين: أولهما أنّ بناء هذا الدير أو موضعه كان هِبَةً من أحد السلاطين للأقباط فنسبوه إليه إقراراً بفضله. وثانيهما أنّ السلطان اتّخذه لإقامة عمّاله في القدس أو لإيواء رُسُله الذين كان يوفِدهم إلي الأقطار التابعة، كالشام التي كان السبيل إليها من مصر عن طريق القدس. وكان القبط في جميع العهود من رعايا دولةٍ واحدة بسطت حكمها علي مصر وفلسطين معاً سواءً في عصور ما قبل الفتح العربي أو بعده. وفوق ذلك كانوا - القبط- محلاً لثقة السلاطين حتي ائتمنوا خيارهم علي مهام الدولة، وفي التاريخ أمثلة لرجال من القبط تولّوا مناصب رفيعة بالقدس، وكانت الأديرَة مثواهم. بل كان هناك منهم رسل لها بين مصر وغيرها من البلاد كالشام وبغداد أقاموا في دير السلطان. وقد نسب بعض المؤرّخين هذا الاسم إلي السلطان صلاح الدين الأيوبي لأنّه أباح للقبط سكني هذا المكان مكافأة لهم علي ما أظهروه من الهمة في خدمته ومساهمتهم في الحرب في صفوف جيشه ضد أعدائه. وقيل إنّه لمّا تم الصلح (في فلسطين) عمّ السرور بين الفريقين ونادي المنادون بأن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة وتوجّه السلطان إلي القدس لتفقّد أحوالها، وأقام فيها مدة يقطع الناس ويعطيهم دستوراً ويتأهب للسير إلي الديار المصرية. وذكر البعض الآخر من المؤرّخين بأنه عندما استولي الأتراك السلاجقة علي القدس والشام استخدموا الأقباط الذين كانوا يتوجهون إلي دمشق والشام وأنهم في عودتهم يرتاحون في القدس. وقد بني لهم السلطان السلجوقي ديراً سُمِّي فيما بعد باسم دير السلطان وكان ذلك في أواخر القرن الحادي عشر، أي قبل عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي. وعلي ذلك يستنتج أنْ الدير كان موجوداً أواخر القرن الحادي عشر وأنّه سُمِّي بدير السلطان لأن السلطان بناه ليكون بمثابة استراحة لرجال السلطان وعمّاله في طريقهم من مصر إلي الشام وغيرها أو العكس. كما أنّه كان المكان المأمون لما كانوا يحصلونه من أموال الدولة ويحفظونها به في ذهابهم ومجيئهم. ودير السلطان اسمٌ لمجموعةٍ من المباني القديمة المتناثرة علي مقربة من قبة مغارة الصليب بكنيسة القيامة ويحيط بهذه القبة مسطّح مساحته تزيد علي ألف مترٍ خالٍ من المباني وحوله من جهاته الشرقية والغربية والقبلية المباني المتواضعة التي تسمّي دير السلطان . أمّا الجهة البحرية فمُقامٌ عليها سورٌ بارتفاعٍ يقرب من 4.5 مترٍ فاصلاً بين الدير وبطريركية الأقباط، وفي نهايته باب يوصل بين البطريركية والدير ويؤدّي إلي الممر المؤدّي إلي كنيسة القيامة، وهذا الباب خاص بالأقباط وحدهم يستعملونه دون سواهم. وكذلك الحال بالنسبة للباب الذي يقابله والمؤدّي إلي كنيسة القيامة خاص بالأقباط. ويوجد باب ثالث لهذا الدير من الناحية الشرقية، وهذا واقع علي الطريق العمومي المجاور للمباني المعرفة بالمصبنة والتي تستأجرها البطريركية القبطية لإقامة العائلات القبطية بها، ومفتاح هذا الباب في عُهدة الإثيوبيين. وخلال قراءتي لبعض الدراسات والأبحاث التي تناولت مشكلة دير السلطان وجدت ان الجذور التاريخية لمشكلة دير"السلطان" - ترجع كما حدد بعض المؤرخين والباحثين - تعود إلي القرن 17 عندما بالغ العثمانيون في فرض الضرائب علي الطوائف المسيحية مما أدي إلي ازدياد حالات الفقر، وهذا جعل الإثيوبيين يطردون من أملاكهم ويلجأون إلي الأقباط الذين استضافوهم في دير"السلطان"، وقد ظلت الأمور فيما بينهم هادئة حتي عام 1820 وهو العام الذي قرر فيه الأقباط إخلاء الدير من الأحباش لترميمه، وفور الانتهاء من أعمال الترميم تم إعادة الأحباش إليه مرة أخري، إلا أن هذا التصرف جعل الأحباش يتوجسون من الأقباط ويخشون طردهم مرة أخري، ومن هنا سادت مشاعر من الغضب والكراهية فيما بينهم وتوترت العلاقات بينهم ، وخشي الإثيوبيون من تكرار طرد الأقباط لهم، فقاموا بخطف مفاتيح الدير بناءً علي توجهات الانجليز إلا أن الأقباط استعادوها مرة أخري، بناءً علي قرار حاكم القدس وبعد هذا سادت فترة من الهدنة بين الأقباط والأحباش في عصر البابا كيرلس الرابع ولكن بعد نياحته عادت أعمال الشغب بينهم مرة أخري. دير السلطان مر بمرحلة جديدة بعد نكسة 1967 حيث تعهدت السلطات الإسرائيلية باحترام المعاهدات الدولية التي تنص علي أن دير"السلطان"هو ملك خالص للأقباط، أما الأحباش فهم مجرد ضيوف فيه ويخضعون للنظام المتبع للدير، وكعادة الإسرائيليين دبروا مؤامرة في ليلة عيد القيامة حيث كان الرهبان والكهنة يشاركون الأنبا"باسيليوس"مطران"القدس" فرحة القيامة، فقامت السلطات الإسرائيلية بتغيير أقفال أبواب الدير ومنع الأقباط من الاقتراب أو الدخول إليه. وعلي الرغم من كل الجهود التي بذلت لتسوية الأمر إلا إنها باءت كلها بالفشل، وبهذا أصبح دير"السلطان"في حوزة الإثيوبيين منذ عام 1970 إلي يومنا هذا، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها الحكومة المصرية لحل مشكلة دير"السلطان".