فى ظل غياب الوعى، وانعدام وجود آلية لمحاسبة مروجى الشائعات، تحولت منصات التواصل الاجتماعى إلى شبكة عنكبوتية تنسج خيوطها لخنق الشعوب وتكدير السلم العام بسلاح هو الأخطر فى عصرنا الحالى، وهو سلاح الشائعات. والتى باتت سرعة انتشارها كالنار فى الهشيم، بفضل الاستخدام غير الرشيد لمواقع التواصل الاجتماعى، وسهولة النشر والتداول بلا ضابط ولا رابط، وتزداد خطورتها عندما تكون موجهة نحو الوطن . واتفق العلماء على أن الشائعات تمثل ألسنة الشيطان التى تستهدف حرق الوطن وتكدير السلام الاجتماعى العام بنشر الأكاذيب وترويجها .. فمن جانبه يحذر الدكتور عبدالمنعم فؤاد، الأستاذ بجامعة الأزهر، والمشرف العام على أروقة الأزهر من تعاظم دور الشائعات فى إحداث هزة باستقرار المجتمعات، مشيرا إلى أن الإسلام واجه بكل حزم الشائعات، عملا بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ». كما يشجع د. فؤاد فكرة وجود آلية واضحة لمحاسبة مروجى الشائعات، شرط التثبت من هوية مُطلق الشائعة، وإنزال العقوبة الرادعة به، وفق قانون واضح الملامح يقره البرلمان فى أقرب وقت ممكن، فى ظل تزايد وتيرة الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى، التى تزعزع استقرار وأمن المجتمعات. الداعية الإسلامى خالد الجندى، يستعرض لنا كيف يتعامل الإسلام مع الشائعات، وما هى أبرز تلك الشائعات التى انطلقت فى عهد النبوة وراح ضحيتها العشرات، فيبدأ مستشهدا بقول الله تعلى: « وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا»، أى أن الله - سبحانه وتعالى - وصف مروجى الشائعات بالمزورين، وكذلك قوله تعالى فى سورة النور: «إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم»، فى إشارة إلى حادثة الإفك، الذى اُفترى فيها على أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها، مؤكدا أن تلك الآية هى أقوى ما جاء فى القرآن الكريم حول الشائعات. يتابع الجندى ل «روزاليوسف» قائلا: «الشائعة هى معلومة غير مؤكدة يطلقها شخص، ويروج لها الملايين من ورائه عن جهل أو عمد، وقد نهانا القرآن عن الأخذ من المصادر غير الموثوقة»، مستشهدا بقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، مشددا على خطورة الشائعة فى الإسلام، وحرصه على التثبت من المصادر. ويقول الجندي: «لفظ فتبيّنوا الذى جاء فى سورة الحجرات، هو فعل أمر إلهى، وعدم التبين هنا يدخل صاحبه النار يوم القيامة، لأنه مخالفة للأمر الإلهى الواضح»، مشيرا إلى بعض الشائعات الشهيرة فى عهد النبوة، مثل ما أشيع فى غزوة أحد بأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد قُتل، وما ترتب على ذلك فى بلبلة فى جيش المسلمين، نتج عنها ترك السلاح، ومقتل أكثر من 70 رجلا. ويتابع الداعية الإسلامي: «كذلك ما أشيع عن مرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - والذى تسبب فى خروجه للحج كاشفا عن كتفه اليسرى، حتى يثبت للعامة أنه بصحة جيدة.. وأيضا شائعة سيدنا يوسف وامرأة العزيز، وما ترتب عنها من دخوله السجن»، مختتما: «أنا مع القانون الذى يقضى بمحاسبة مروجى الشائعة، لكن لا يجب أن تصل العقوبة إلى حد الإعدام، وإنما يكتفى بالتعزير». من جهته أكد النائب البرلمانى خالد أبوطالب، مضيه فى إصدار مشروع قانون تصل فيه عقوبة مروجى الشائعات إلى الإعدام، وذلك فى مستهل دور انعقاد البرلمان أكتوبر المقبل. ويرى أبوطالب أن نشر الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات يعد بمثابة خيانة للدين والوطن، لاسيما إذا كان الوطن يمر بتحديات جسام فى الداخل والخارج، وتتربص به عيون الأعداء، ويحاك له من قوى الشر والإرهاب، حيث تعد الشائعات أحد الأسلحة الفتاكة التى تستغلها بعض الأطراف التى تضمر الشر لوطننا، بهدف تهييج الرأى العام وإثارة البلبلة وزعزعة الأمن والاستقرار. يؤيد الدكتور عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، فكرة استصدار قانون لمواجهة الشائعات، ومحاسبة مروجيها، فيقول: «الشائعات خطر يهدد الدولة المصرية التى تواجه تحديات داخلية وخارجية فى معركة البقاء، وهذا يستلزم الوقوف صفا واحدا فى مواجهة الشائعات». ويتابع النائب عمر حمروش ل «روزاليوسف»: «لو أن كل مؤسسة وجهة حكومية ترد على الشائعات وتفندها أولا بأول، لن يفلح هذا السلاح فى النيل من الدولة والشعب المصرى، فيجب أن يكون هناك ردود حاسمة وواضحة على الشائعات، لا تقبل التأويل أو التحويل»، مشيرا إلى أن إحداث البلبلة فى أى دولة يبدأ بإطلاق الشائعة والترويج لها. يشدد أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان على ضرورة تكاتف المؤسسات الدينية جنبا إلى جنب من أجل التوعية بخطر الشائعات على استقرار المجتمع، ومؤيدا فكرة إصدار قانون لمحاسبة مروجى الشائعات، بقوله: «لا بد من تدخل تشريعى حاسم، والعقوبة تتلاءم مع حجم الضرر الناتج عن إطلاق وترويج الشائعة، فلو كانت شائعة تهدد الأمن القومى، وتتسبب فى سقوط ضحايا، هنا قد تصل العقوبة للإعدام».