قبل أن نبحر في عالم التكنولوجيا كانت الشائعات تحتاج إلى أيام وأسابيع لكي تنتشر بين الناس، لكن في ظل العولمة ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تنتقل بسرعة البرق وتأخذ صداها دون أن تستطيع أن تتحقق من صحتها أو من يقف خلفها فى هذا العالم الافتراضي الحافل بالأكاذيب والأسماء والحسابات الوهمية، التي تروج للأخبار المكذوبة والفيديوهات والصور الملفقة التي تستهدف هدم جسور الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. ومع تطور أجيال الهواتف المحمولة وتطبيقات التواصل والدردشة غزت الشائعات والأخبار المكذوبة كل بيت ودخلت أعماق النسيج المجتمعي لتفتت أوصاله، بعد أن تناسينا جميعا منهج القرآن الكريم في ضرورة التثبت والتيقن من الخبر والذي ورد جليا في قول الله تبارك وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِين آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ». وها هو سيدنا سليمان الذي علمه الله تبارك وتعالى منطق الطير حين أنبأه الهدهد بنبأ ملكة سبأ قائلا : «جئتك من سبأ بنبأ يقين» ، فكان رده عليه السلام: «سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين». إنه المنهج القرآني الذي غاب عن حياتنا في زمن تبث فيه الشائعات وتروج الأكاذيب بين الشباب الذين يقعون ضحية لمؤامرات وتيارات معادية تهدد عقيدتهم وقيمهم الروحية والأخلاقية. وكشفت نتائج دراسة برلمانية أشرفت عليها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب- بحسب ما جاء فى بيان لمرصد دار الإفتاء المصرية - عن أن 53 ألف شائعة تم إطلاقها داخل مصر خلال 60 يومًا، وتحديدًا في شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وذلك من خلال وسائل مختلفة، كانت النسبة الأكبر منها عبر السوشيال ميديا، مما يعد ناقوس خطر على الأفراد والمجتمعات يستوجب ضرورة اتخاذ خطوات عملية لمواجهة فتنة الشائعات، التى تعد من أشد الجرائم ضد الوطن والدين. ومن الدراسات المحلية الى الدولية التي تكشف مخاطر الحسابات الوهمية على الفيس بوك، فقد كشف تقرير الشفافية نصف السنوي الصادر عن إدارة الفيس بوك الذى يشمل الفترة من يناير حتى يونيو 2017، تزايد طلب الدول للحصول على بيانات الحسابات الوهمية، حيث احتلت أمريكا - التي تدعى أنها بلد الحريات - قائمة الدول الأكثر طلبًا للحصول على بيانات المستخدمين للفيس بوك، وأوضحت الشركة أن الحكومة الأمريكية قدمت 32716 طلبا للحصول على بيانات المستخدمين خلال النصف الأول من عام 2017، وكانت 57% من تلك الطلبات سرية. وجاءت الهند فى المركز الثانى، بينما جاءت بريطانيا فى المركز الثالث، تليها الحكومة التركية. وسيلة للفوضى وأوضح علماء الدين أن جميع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، أكدت حرمة المشاركة فيما يعرف بترويج الشائعات والأكاذيب والأقاويل غير المحققة والظنون الكاذبة، من غير أن يتثبت المرء من صحتها بالرجوع إلى المختصين والخبراء بالأمور قبل نشرها، لأنه يثير الفتن والقلاقل بين الناس. ويقول الشيخ خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الشائعات وسيلة من وسائل إشاعة الفوضى والفساد والإفساد في الأرض، والنيل من الأمم والدول، وتثير الفتنة والبلبلة بين الناس، مشيرا إلى أن الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها، وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: «إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». كما أن نشر الشائعات والتي هي في أصلها خبر غير صحيح - داخل في نطاق الكذب، وهو محرم شرعا، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة، منها ما أخرجه البخاري في «صحيحه» من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا». والمشاركة في نشر الشائعة إثم ومشاركة في الفساد، وربما شارك الإنسان في الفساد والإثم دون أن يدري بسبب تسرعه وعدم تثبته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا، يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ»، أما صانعو الشائعات فهؤلاء جرمهم أكبر لأنهم في الحقيقة، مرجفون مفسدون في الأرض، وقد سمى الله تعالى «ترويج الشائعات» ب«الإرجاف»، ومنه ترويج الكذب والباطل بما يوقع الفزع والخوف في المجتمع. آليات المواجهة وحول خطورة الشائعات ودور العلماء فى مواجهتها، يقول الدكتور خالد راتب، من علماء الأزهر، إنه فى ظل التقدم التقنى وعصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تتعرض الأجيال الناشئة اليوم لتيارات معادية تهدد عقيدتها وقيمها الروحية والأخلاقية، وتسعى هذه التيارات إلى تشويه مبادئ المسلم وأفكاره، ودفعه إلى الجنوح والشذوذ والجريمة، لكيلا يقوى على أداء أبسط واجباته ومسئولياته للأمة والمجتمع, فالشائعات جريمة ضد الدين والوطن، من أجل ذلك دقت الهيئات والمنظمات الدولية ومعها دول العالم الثالث، ناقوس الخطر لتنبه إلى خطورة هذه الشائعات، مطالبة باتخاذ إجراءات وقائية وإعلامية وتربوية؛ للخروج من المأزق وتجنب الآثار السلبية على المستويين التربوى والثقافى. وطالب بأن يتعاون الجميع لمواجهة الشائعات أفرادا ومؤسسات، مع بيان حكم مروج الفتنة، وكذلك وضع الآلية الشرعية للناس فى نقل الأخبار، قال تعالى:« يَا أَيُّهَا الَّذِين آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ«، وهذا هو منهج التثبت والتحرى قبل تداول الكلام، وهذا ما يجب تطبيقه خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام، فيجب على من سمع خبرا يستهدف قوة المسلمين أو وحدتهم أو مصالحهم ألا ينقله لأن نقله نشر للشائعة، وبذلك يسخر ناقل الشائعات نفسه لخدمة الأجهزة المخربة والعناصر المروجة للشائعات والدعاية الكاذبة. وشدد على ضرورة تنبيه العلماء، الناس إلى عدم مجالسة ناقلى الأخبار الكاذبة، أو الاستماع إليهم عبر القنوات والإذاعات أو قراءة كلامهم في المنتديات أو الصحف والنشرات، أو في أي وسيلة تواصل أخرى، كما يجب على الجميع أن يتعاون لدرء خطر الشائعات حماية لأنفسنا وأوطاننا. وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور طه أبوكريشة، عضو هيئة كبار العلماء، أن الشائعات من الأسلحة القولية التى تستخدم من قبل البعض لهدم أركان المجتمع، ويساعدها على ذلك الاستخدام السيئ للتكنولوجيا الحديثة وبخاصة السوشيال ميديا، التى تساعد بقوة فى سرعة انتشار الأكاذيب والشائعات، مؤكدا أن مواجهة خطر الشائعات تبدأ من الفرد، بمعنى أنه يجب عليه التثبت من القول أو الخبر أو الكلمة التى يتم تداولها، حتى لا يكون مشاركا فى الإثم وإفساد المجتمع. مواجهة قانونية وعلى جانب آخر طالب خبراء الأمن بضرورة الإسراع بفرض رقابة على مواقع التواصل الاجتماعي دون المساس بحرية الرأي والتعبير من خلال سن قانون يجرم تداول الأخبار المكذوبة ونشر الشائعات، مؤكدين ان هذا الإجراء سبقنا اليه عدد من الدول. وطالب الخبير الأمني اللواء محمود منصور، بوضع وسائل التواصل الاجتماعي تحت المراقبة دون المساس بحرية الرأي والتعبير، وسن قانون رادع لكل من يسهم في الترويج للشائعات من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. كما طالب بتشديد الرقابة علي من يسىء استخدام وسائل السوشيال ميديا وتغليظ العقوبة، خاصة أن الجماعات المتطرفة تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأفكارهم واستقطاب الشباب. وفي السياق ذاته قال الخبير الأمني اللواء محمود زاهر، إن هذه الإجراءات يجب أن تكون محددة من خلال سن قانون في مجلس النواب لمكافحة الجرائم الالكترونية بجميع أنواعها، وان يطرح علي الشعب لمعرفة كل بنوده بحيث لا يتضمن إجحافا أو مصادرة لحرية الفكر والتعبير التي تنادي بها الدولة، ومحاربة كل من يقوم بنشر الشائعات التي هدفها زعزعة أمن واستقرار الوطن ووضع ضوابط حقيقية لمواجهة هذه التجاوزات، ومتابعة الحسابات عبر مواقع التواصل ورصد كل ما يتم من إساءات وسخرية من مؤسسات الدولة وأن تكون هناك عقوبات لذلك.